في إطار دورها في الرقابة على الأجهزة التنفيذية في الدولة والتأكد من مدى أدائها لواجباتها وتنفيذها للقوانين واللوائح، أصدرت هيئة الرقابة الإدارية خلال الأيام الماضية تقريرها السنوي لعام 2016، تقريرٌ وإن كان قد تأخر بعض الشيء، إلا أنه لم يخلُ من فضح الكثير من التجاوزات التي تمّتْ من قِبل المسؤولين في مختلف أجهزة الدولة.
التقرير الذي جاء في 280 ورقة، تضمّن نتائج ما اكتشفته الهيئة من مخالفات وتجاوزات، وما اتخذته بشأنها من إجراءات قانونية، تمثّلتْ في مخاطبة الجهات المعنية ومطالبتها باتخاذ ما يلزم حيال تلك المخالفات، حيث حققت الهيئة في 374 قضية، أحالت بعضها إلى النيابة العامة والبعض الآخر للمجالس التأديبية، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية في 470 شكوى وبلاغ قدمت للهيئة.
صحيفة “صدى الاقتصادية” رصدت أهمّ التجاوزات المالية للأجهزة التنفيذية للدولة من وزارات وهيئات وغيرها، والتي أماط عنها اللثام تقرير الهيئة وحاولت تلخيصها في النقاط التالية ..
تآكل رأس مال مؤسسة الاستثمار
في خِضَمّ حديثه عن المؤسسات التابعة لمجلس الوزراء؛ أوضح تقرير الهيئة أن رأس مال الشركات التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار ولاسيما محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار يتعرض للتآكل، نتيجة قيام بعض الدول الأفريقية بتأميم وتصفية الشركات والاستيلاء على بعض أصولها دون أن تقوم إدارة المحفظة بأي إجراء لحماية تلك الشركات والأصول.
مكافئات بلا داعٍ للمركز الليبي للمحفوظات ووزارة المالية تتصرف بملياري دينار لصندوق الجهاد
كما تحدث التقرير عن تجاوزات المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، مشيرا إلى أن رئيس مجلس الإدارة أصدر قرارات إيفاد لنفسه في مهام خارجية، كما وقّعَ هو ونائبه عقد استخدام كلا منهما للآخر بمكافأة تبلغ 3600 دينار، أما فيما يخصّ صندوق الجهاد فقد لاحظ التقرير عدم قدرة إدارة الصندوق على تحصيل إيراداته من وزارة المالية والتي تتجاوز قيمتها ملياريْ دينار وتتصرف الوزارة نيابة عن الصندوق في إحالة جزء من إيراداته لجهاز النهر الصناعي وجمعية الدعوة الإسلامية.
37 عيادة متكاملة في المخازن و50 ألف دينار شهريا إيجار مقر الإمداد الطبي
وفي إطار حديثه عن وزارة الصحة تناول التقرير النقص الحاد في المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية في معظم المستشفيات العامة والمراكز الصحية، وفي ذات الوقت عدم الاستفادة من 37 عيادة متكاملة مخزنة بشكل عشوائي منذ فترة طويلة، منها ثماني عيادات طوارئ وخمس عيادات جراحة وثلاث عيادات كشف أطفال متكاملة وغيرها من المعدات الطبية، وذلك رغم حاجة المراكز الصحية والمستشفيات العامة لمثل هذه المعدات.
كما تحدث التقرير عن تكليف مديرين لبعض المراكز الصحية لا يحملون أي مؤهلات علمية أو تخصصية، إضافة إلى عدم الالتزام بسداد الديون المستحقة على بعض المستشفيات مثل مستشفى بئر الأسطى ميلاد والذي وصلت ديونه إلى أكثر من 430 ألف دينار.
أما فيما يخص جهاز الإمداد الطبي فقد تعرضت مخازن الحلقة الباردة بتاجوراء التابعة للجهاز للاعتداء المتكرر والسرقة والنهب دون اتخاذ أية إجراءات، كما تمّ توريد بعض الأدوية بكميات كبيرة دون دراسات مسبقة لتحديد الحاجة إليها مما أدى لانتهاء صلاحية تلك الأدوية دون الاستفادة منها، إضافة إلى تأجير مقر لإدارة الجهاز بمبلغ 50 ألف دينار شهريا دون التقيد بأحكام لائحة العقود الإدارية.
مكافئات وقرارات إيفاد لموظفين في وزارة التعليم .. ومعلمون بلا مرتبات
وتحدث تقرير هيئة الرقابة الإدارية عن تجاوزات وزارة التعليم ومنها عدم إحالة الرصيد المتبقي في حسابات الوزارة إلى حساب الإيراد العام في نهاية السنة المالية 2015 وترشيح عدد كبير من الموظفين للعمل كملحقين أكاديميين بالسفارات الليبية بالخارج دون وجود معايير وضوابط لتولي هذه المهام.
كما أصدرت الوزارة العديد من القرارات بصرف مكافآت مالية بشكل مستمر وعهد مالية بالمخالفة لأحكام القانون، بالمقابل تأخرت الوزارة في صرف مرتبات معلمي العقود عن السنوات 2013 و2014 و2015 البالغ عددهم حوالي 17 ألف معلم ومكافآت مالية للعاملين بالقطاع عن سنة 2015 وديون لبعض الشركات والتي بلغ إجمالي قيمتها 290 مليون دينار.
كذلك فإن الوزارة لم تقم بتسديد الاشتراكات الضمانية المستحقة لصالح صندوق الضمان الاجتماعي والتي بلغت أكثر من 142 مليون دينار، كما قام مركز المناهج التعليمية التابع للوزارة بالتوسع في صرف المكافئات المالية، حتى أنه منح أكثر من مكافأة لذات الشخص وبنفس التاريخ تتراوح قيمتها ما بين 1000 إلى 4000 دينار.
كما قامت مصلحة المرافق التعليمية التابعة للوزارة بإيجار شقة لمدة شهر بقيمة 6600 دينار دون تحديد الغرض من إيجارها، إضافة إلى صرف أكثر من 22 ألف دينار لشراء دهانات دون وجود مستندات تبين الغرض من شراء المنتج، بالمقابل منحت المصلحة المراقب المالي مزايا ومكافآت مالية بالمخالفة لأحكام القانون.
خسائر بالجملة للشركات التابعة لوزارة المواصلات
وفيما يخص وزارة المواصلات والأجهزة التابعة لها؛ كشف التقرير عن أن الوزارة لم تحِلْ الرصيد المتبقي في حسابات الوزارة إلى حساب الإيراد العام في نهاية السنة المالية 2015، كما تحدث التقرير عن أن مصلحة الطيران المدني عليها التزامات مالية فاقت 117 مليون دينار دون أن تعمل على تسويتها.
وأشارت الهيئة في تقريرها إلى التقصير من قبل الشركة العامة للنقل البحري في متابعة تنفيذ مشروع العقد المبرم مع أحد الشركات الفرنسية لتصنيع سفينة ركاب والمتعاقد عليها بقيمة 565 مليون يورو.
كما نبهت الهيئة في تقريرها إلى تكبد شركة الخطوط الجوية الليبية لخسائر مالية من سنة إلى أخرى، وتسجيل غرامات مالية تجاوزت 400 ألف دينار عن سنة 2014، وقرابة 344 ألف دينار عن سنة 2015، وأشارت إلى خصم خمسة ملايين دينار من حساب الشركة من إجمالي التعويض المقدر من شركة ليبيا للتأمين بمبلغ 100 مليون دينار على الطائرات المتضررة في فترة أحداث المطار دون الرجوع إلى الإدارة المالية المختصة، إضافة إلى تحويل مبلغ 27 مليون دينار إلى حسابٍ بمصرف التجارة التنمية ببنغازي سُحِبَ منه سبعة ملايين دينار أودعت بحسابٍ غير معلوم بمصرف الإجماع العربي دون أن يتم استرجاع تلك المبالغ.
وذكر التقرير أن الشركة الليبية للخدمات الأرضية تكبدت خسائر مالية كبيرة منذ عام 2011 تجاوزت 161 مليون دينار، كما تناول التقرير المركز الوطني للأرصاد الجوية والذي وصلت ديونه إلى قرابة المليونين ونصف المليون دينار، إضافة إلى عدم تسديده الالتزامات المالية المستحقة على الدولة الليبية حيال المنظمة العالمية للأرصاد الجوية منذ سنة 2012 والتي تجاوزت 320 ألف فرنك سويسري.
وزارة الشؤون الاجتماعية تشتري مكتبا فاخرا ونقالات وتذاكر سفر لغير العاملين
وفي معرض حديثها عن تجاوزات وزارة الشؤون الاجتماعية؛ قالت الهيئة إن الوزارة تأخرت في سداد الالتزامات القائمة عليها والمقدرة بمبلغ “مليون و800 ألف” دينار، بالمقابل قامت الوزارة بشراء مكتب فاخر بقيمة تجاوزت 74 ألف دينار، كما اشترت 25 هاتفا نقالا بقيمة إجمالية وصلت إلى 59 ألف دينار، وحجزت تذاكر سفر لغير العاملين بقيمة 60 ألف دينار بالمخالفة لأحكام القانون.
وعلاوة على ذلك قامت الوزارة بصرف مكافآت مالية للموظفين بقيمة إجمالية فاقت 128 ألف دينار وحمّلتْ على بند الإعانات والمساعدات بالمخالفة لأحكام قانون النظام المالي للدولة، وفي نفس الوقت فإن مكاتب الشؤون الاجتماعية ببعض المناطق لم تقدم أية مساعدات عينية أو نقدية للأسر النازحة والأسر المحتاجة بمنظومة المساعدات.
أما فيما يخص الجهات التابعة للوزارة فقد أشار التقرير إلى ارتفاع القيمة المالية المقترح خصمها من الإيرادات الذاتية للهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي لبرامج التدريب والمقدرة بمبلغ ستة ملايين دينار، كما لاحظ التقرير ارتفاع مصروفات دار الوفاء لرعاية العجزة والمسنّين وخاصة مصروفات التغذية حيث بلغت خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2016 حوالي 192 ألف دينار بالرغم من أن عدد النزلاء بالدار لا يتجاوز 88 نزيلا.
نصف مليون دينار علاوة سفر ومبيت لوزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين
وذكر تقرير هيئة الرقابة الإدارية أن وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين توسعت في صرف العهد المالية ولم تقم بتسويتها في المواعيد المحددة بالإضافة إلى عدم تسوية علاوة السفر والمبيت والبالغ قيمتها حوالي نصف مليون دينار بالمخالفة لأحكام قانون النظام المالي للدولة، إضافة إلى عدم تسوية دفعات تحت الحساب والبالغ قيمتها 325 ألف دينار بالمخالفة لأحكام لائحة الميزانية.
تقصير وزارة الداخلية وعدم تفعيل إدارة طيران الشرطة
وفي معرض حديثها عن وزارة الداخلية، أشارت هيئة الرقابة الإدارية في تقريرها إلى عدم توفير الحماية الأمنية اللازمة للعديد من مقار الشركات العامة والأجهزة والمؤسسات والمشروعات والمصارف التجارية الأمر الذي أثر سلبًا على سير العمل بها، إضافة إلى التقصير في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الجريمة بكافة أشكالها بما فيها التعدي على أملاك الدولة، وكذلك عدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال ظاهرة تجول السيارات بدون لوحات معدنية والسيارات المعتمة الزجاج.
كما تحدث التقرير عن عدم تفعيل الإدارة العامة لطيران الشرطة والتأخر في صيانة طائراتها التي تضررت عام 2014 أو توريد البديل بالرغم من التعويض الذي تحصل عليه طيران الشرطة من التأمين والمقدر بمبلغ 60 مليون يورو، كما تناول التوسع في صرف المكافآت المالية، وتمليك عدد من السيارات بالمخالفة لأحكام القانون، وتسليم سيارات لأشخاص لا تربطهم أية علاقة عمل بالوزارة.
عقود بالملايين لهيئة السلامة الوطنية مع شركة غير مختصة
أما فيما يخص هيئة السلامة الوطنية التابعة لوزارة الداخلية فتحدث التقرير عن التقصير في اتخاذ الإجراءات القانونية لاسترجاع المبالغ المالية عن قيمة الاعتمادات المفتوحة لبعض الشركات والتي تجاوزت 316 ألف دينار، إضافة للتعاقد مع إحدى الشركات التجارية بقيمة خمسة ملايين دينار لتدريب موظفي الهيئة بالمملكة الاردنية بالرغم من أن هذه الشركة غير مختصة بالتدريب.
كما تناول التقرير صرف مكافأة مالية شهرية بقيمة ألف دينار لمساعد المراقب المالي لمدة تجاوزت السنة بالمخالفة للقانون، وإبرام عقود عمل لعدد 2100 عنصر بالمخالفة للتشريعات، والتعاقد على توريد سيارات إسعاف بقيمة “مليونيْن و952 ألف” دينار بالمخالفة لأحكام لائحة العقود، وقيام المسؤول المالي بإصدار صك مالي باسمه بقيمة 184 ألف دينار وذلك على عقد يخص إحدى الشركات المتعاقد معها، إضافة إلى منح عهد مالية لأشخاص من خارج الهيئة تصل قيمتها إلى 100 ألف دينار وعدم متابعة قفلها.
38 ألف دينار شهريا لحماية وزارة الاقتصاد وديون صندوق موازنة الأسعار فاقت ملياريْ دينار
وفي إطار حديثها عن وزارة الاقتصاد والجهات التابعة لها، ذكرت الهيئة في تقريرها أن الوزارة صرفت مكافآت شهرية بقيمة تجاوزت 38 ألف دينار للأفراد المكلفين بحماية مقر الوزارة، إضافة إلى أن مركز تنمية الصادرات التابع للوزارة استأجر مبنى بقيمة شهرية مبالغ فيها وصلت إلى 50 ألف دينار شهريا.
أما فيما يخص صندوق موازنة الأسعار التابع للوزارة فأشار التقرير إلى التقصير في القيام بالمهام التي أنشئ من أجلها الصندوق والمتمثلة في تحقيق موازنة لأسعار السلع والخدمات الاساسية والضرورية للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن وحماية الاقتصاد من تأثير تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، كما كشف التقرير عن وجود التزامات مالية قائمة على الصندوق واجبة السداد وصلت إلى قرابة “ملياريْن و400 مليون” دينار.
جهاز الشرطة القضائية والتزامات تجاوزت 62 مليون دينار
وذكر التقرير أن وزارة العدل توسعت في صرف العهد المالية واستخدمتها كأسلوب من أساليب الصرف والقيام بتشكيل لجان برئاسة المراقب المالي بالمخالفة لقانون النظام المالي للدولة، إضافة إلى إصدار قرارات إيفاد في مهام رسمية دون عرضها على الإدارات المختصة بالمخالفة لما تضمنه الهيكل التنظيمي من اختصاصات.
وأضافت الهيئة في تقريرها أن جهاز الشرطة القضائية التابع للوزارة لديه التزامات متراكمة خلال سنتيْ 2015 و2016 بمبلغ تجاوز 62 مليون دينار، كما أشار التقرير إلى ان الجهاز لا يتوفر لديه السيارات الخاصة بنقل السجناء لعرضهم على النيابة العامة والمحاكم النوعية.
شركة الكهرباء تتعاقد مع شركات لإنجاز أعمال رغم قدرتها على تنفيذها
أما فيما يخص الشركة العامة للكهرباء فتحدث التقرير عن استمرار عمليات السرقة والنهب للمواقع التابعة للشركة في مختلف المناطق وإتلاف العديد من المحطات والأبراج، والتقصير الواضح في اتخاذ الاجراءات القانونية الرادعة ضد الافراد المتعدين على خطوط الشبكة العامة، وعدم تفعيل جهاز الشرطة الكهربائية بالرغم من قيام الشركة بصرف مرتبات عناصره.
كما تناول التقرير الإهمال الواضح من قبل الشركة في متابعة مكاتبها وإلزامها بجباية رسوم استهلاك الطاقة الكهربائية من الجهات العامة والمواطنين، إضافة إلى تأخر سداد بعض الالتزامات المستحقة لصالح بعض الجهات مثل مصلحة الضرائب وصندوق التضامن الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى تراكم تلك الالتزامات وقيام بعض الجهات بالحجز على أموال الشركة ببعض المصارف.
وأشار التقرير كذلك إلى قيام الشركة بشراء سيارات لصالح وزارة الكهرباء بالرغم من استقلالية الشركة إداريا ومالياً عن الوزارة وتسليم عدد من السيارات لأفراد الحراسة بالمخالفة لأحكام القانون، وإبرام عقود بالباطن مع بعض الشركات لإنجاز أعمال تركيبات لكوابل وأعمدة وعدادات بالرغم من قدرة الشركة فنياً على تنفيذها من خلال إداراتها المختصة وفروعها.
ستنشر صحيفة “صدى الاقتصادية” في الجزء الثاني من هذا التقرير أبرز التجاوزات المالية لباقي الوزارات والهيئات الحكومية وكذلك قطاع النفط والغاز ومصرف ليبيا المركزي والجهات التابعة له بحسب تقرير هيئة الرقابة الإدارية.