Skip to main content
الشحاتي يكتب: لماذا لم ينهار الدينار الليبي مثل الجنيه السوداني أو الدينار العراقي
|

الشحاتي يكتب: لماذا لم ينهار الدينار الليبي مثل الجنيه السوداني أو الدينار العراقي

كتب: محمد الشحاتي – خبير نفطي

اليوم صباحًا أشاهد بعض الفيديوهات في فيسبوك تعثّرت أمام فيديو يتحدث فيه السيد محافظ مصرف ليبيا المركزي بطرابلس على ما أظن في جلسة استجواب مهاجمًا وزير مالية “حكومة الوفاق” بخصوص إصرار الأخير على الصرف بما يستنزف احتياطات ليبيا ويقول المحافظ بأن سياسات مصرف ليبيا المركزي هي من منعت الدينار الليبي من الانهيار مثل ما تم مع الجنيه السوداني والدينار العراقي.

لا أعرف أن كان هناك دراسة قياسية Econometric وراء حديث السيد المحافظ تثبت علميا هذه الفرضية ولكني أتشكك كثيرا في هذا الربط.

هناك أسباب موضوعية كثيرة لاستثناء العراق بسبب طول وشدة الحصار الدولي الذي فرض عليه وحرمه فعليا من أي إيرادات نفطية لفترة طويلة من الزمن، كان يتلقى فيها فقط ما يسد الرمق من الغذاء. كما أن ما عرف بـ “قوانين بول بريمر” الحاكم الأمريكي للعراق بعد الاحتلال فرضت عليه تعديل جذري في سعر الصرف بعكس كل القوانين والإجراءات التاريخية من النظام السياسي الذي سبق الاحتلال.

كان الغرض من “قوانين بريمر” فرض نظام السوق بالقوة في تحول فجائي على الاقتصاد العراقي بما فيه ترتيب الصناعة النفطية. لدي رأيي الشخصي حول هذا التغيير ولكنه خارج إطار هذا المقال وكنت قد كتبت في حينه عن توقعات أثبتت أنها تحمل الكثير من الصحة اليوم.

بالنسبة للسودان لا أدعي المعرفة العميقة بحقيقة اقتصاده ولكن من ناحية عامة فأن الصعوبات الاقتصادية هناك نتجت عن انفصال جزء كبير من الدولة “جنوب السودان” عنه وهذا الجزء يحوي النسبة الأكبر من الثروة النفطية، كذلك فأن التجربة الاقتصادية في الصيرفة الإسلامية بالرغم من عدم إلغاء سعر الفائدة تعثرت بشدة مخلفة أثرا كبيرا على النمو الاقتصادي وأخيرا انسحاب الممولين الخارجيين التقليديين السعودية والإمارات نتيجة لخلافات سياسية وايدلوجية.

من الصعب تطبيق نفس العوامل على ليبيا بالرغم من الفوضى السياسية الموجودة في البلد نتيجة للعوامل التالية:

أولا: أن القوانين الليبية التاريخية الصارمة في تحصيل العائدات النفطية وتنظيم العمليات المصرفية شكلت حافظا قويا ضد تسرب العملة الصعبة خارج الاقتصاد الليبي. هذا لا يعني عدم وجود عمليات للفساد وربما على أعلى المستويات ولكنها كلها منحصرة في الدينار الليبي مثل قضية ما يسمى بالاعتمادات الوهمية.

ومن ناحية عملية وبفضل الخبرة التي اكتسبتها في الصناعة النفطية داخل ليبيا وخارجها أقول وأنا مطمئن البال أن هذه القوانين التاريخية هي حصن منيع للثروة النفطية الليبية وما خروج الصراع حول تقاسم الإيرادات النفطية إلى العلن إلا دليل على متانة هذه القوانين والتي أدعو جميع الليبيين إلى المحافظة عليها والدفاع عنها.

اليوم هناك محاولات من الكثير باستبدال هذه القوانين بما يشبه “قوانين بريمر” العراقية والنتيجة هناك واضحة للعيان. وأدعو للحذر لأن القوانين الجديدة لن تكون باسم أجنبي هذه المرة بل ستكون باسم عربي ليبي.

ثانيا: أن ليبيا تمتلك احتياطات نقدية كبيرة تمنع من تدهور جسيم في قيمة العملة المحلية. صحيح أن هذه الاحتياطات مجال كبير للجدل حيث إن جزء كبير منها لازال تحت التجميد نتيجة قرار مجلس الأمن وقد يكون هذا من حسن حظ الليبيين في ظل عدم وجود جهاز حكومي رشيد تدار به الأموال في حال فك التجميد عنها، ولكن في النهاية فأن هذه الاحتياطات تمثل سندا للعملة المحلية.

سياسة المركزي في الانفاق من الدخل الجديد وعدم السحب من الاحتياطي في الظاهر هي سياسة منطقية ولكن القضية هنا هي أن الاحتياطي هو من منع انهيار العملة الليبية بشكل مشابه للعراق أو السودان وليس بسبب السياسات النقدية لمصرف ليبيا المركزي.

ثالثا: وهو الأكثر أهمية في رأيي أن صبر المواطن الليبي هو من تحمل تكلفة استقرار العملة المحلية. فالمواطن الليبي تعرض إلى عملية إجبار عندما تم فرض الرسوم الإضافية على سعر التصريف بطريقة أشك كثيرا أنها تتوافق مع القانون ومبادئ المساواة. هذه الرسوم يتم تحصيلها من المواطن في الأقل بتضاعف سعر المواد الموردة بالاعتمادات أو من السوق الموازي. كذلك فإن التقييد في توزيع العملة المحلية نفسها وخنق السيولة نتيجة عدم قدرة المصرف المركزي على زيادة سرعة دوران النقود في الاقتصاد لافتقاده أهم أداة نقدية وهي سعر الفائدة. هذا ما يجعل المصارف تضع أسقفا على السحب الشهري في ظاهرة غريبة تستمر لفترات لا تصدق. السؤال هنا هل كان المواطن السوداني أو العراقي ليرضى بمثل هذه الإجراءات.

مشاركة الخبر