Skip to main content
الترهوني يكتب عن دور النقل البحري في الاقتصاد "الجزء الأول"
|

الترهوني يكتب عن دور النقل البحري في الاقتصاد “الجزء الأول”

كتب : د. عبدالله ونيس الترهوني – المتحصص في اقتصاديات النقل

تتعالى في ليبيا بين الحين والآخر ثم تخفت أصوات منادية بعودة وزارة النقل البحري والتي اختفت قبل نحو 40 عاماً من الآن عندما كان على رأسها الاستاذ “منصور بدر” المؤسس الحقيقي للسلاح البحري الليبي وللقطاع البحري التجاري في ليبيا بعد الاستقلال، والذي استطاع بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط في مطلع سبعينات القرن الماضي من تأسيس الشركة الوطنية للنقل البحري والتي كانت تعرف باسم المؤسسة العامة للنقل البحري، واقتناء أسطول بحري مرموق، وقد تزامن اقتناء هذا الأسطول مع إيفاد عدد لابأس به من الطلبة لدراسة فروع العلوم البحرية التقنية (العمل الفني على البواخر) في الأكاديميات البحرية المعروفة في إسبانيا واليونان وإيطاليا وبريطانيا ومصر.

الترهوني يكتب عن دور النقل البحري في الاقتصاد "الجزء الأول"
منصور بدر

مع اختفاء وزارة النقل البحري أخذ العمل البحري الليبي في التراجع وبالتوازي مع تأسيس أدوات تنفيذ وشركات خدمية عديدة بعضها متشابه النشاط وبطريقة عشوائية دون الاستناد لمعايير اقتصادية أو فنية، وبمرور الزمن أخذ الأسطول البحري الليبي في التقادم في ظل غياب كفاءات ادارية حقيقية تسيره بطريقة حرفية ومهنية، فكان السقوط الحتمي والمدوي لشركة النقل البحري مطلع الالفية الحالية، والذي أدى إلى بيع الاسطول البحري الليبي كخردة، ومازاد الطين بلة هو فصل الوكالة العالمية للملاحة عن الشركة الأم بالتزامن مع تراجع آداء كل الشركات البحرية الحكومية الليبية، وبهذه المناسبة فإنني لاأنكر على أغلب العاملين بالادارات المختلفة لأدوات التنفيذ البحرية الليبية مجهوداتهم والتي هي أقرب للاجتهاد منه الى العمل المحترف المبني على قواعد راسخة وخبرات متراكمة، وبكل تجرد فإن ماحصل لأدوات التنفيذ البحرية الليبية ماكان ليحدث لو ثمة من يعي ويقدر المسؤولية حق قدرها في هرم السلطة التنفيذية، وفي وزارات المواصلات المتعاقبة ، فأغلب من مروا بوزارة المواصلات ليسوا متفهمين لطبيعة القطاع، وغير مدركين لأهميته ضمن حلقة الاقتصاد الوطني، ومازاد الطين بلة هو تولي وزارة المواصلات في السنوات الاخيرة من قبل كوادر الطيران المدني، والتي أهملت عن (حسن أو سوء نية) أي بادرة من شأنها تحسين آداء القطاع البحري الليبية (أوالصناعة البحرية كما يحلو للبعض تسميتها)، بالرغم من أن العرف السائد في كثير من الدول هو فصل وزارة الطيران عن وزارة النقل، والتي تعني بالضرورة ضم القطاعين البحري والبري في وزارة النقل مع الاخذ في الاعتبار أن القطاعين البري والبحري أو مايعرف بالنقل المتكامل هما أقرب لبعضهما منه للقطاع الجوى.  

  مما تقدم وعملاً بمبدأ لاخير في العلم والمعرفة مالم يتم تطبيقهما، فقد رأيت من واجبي مع عودة الاصوات المنادية بإنشاء (أو بالأحرى إعادة إحياء وزارة النقل البحري) أن أقوم  بكتابة عدد من المقالات الصحفية للتعريف بالدور الاقتصادي لصناعة النقل البحري، وكيفية النهوض به في ثلاث مقالات منفصلة يكون الاول منها للتعريف بالنقل البحري، والثاني نظمه واستراتيجياته، والثالث أسس وقواعد أساسية للنهوض به، خصوصاً وأن ليبيا دولة تحتل موقعاً مميزاً في قلب العالم وأنها تُعد بوابة افريقيا الشمالية وطريقها الاقصر نحو اوروبا ، كما أود الاشارة إلى أنني قد قمت بنشر مقالين مطلع العام الجاري عبر أحد المواقع الالكترونية الليبية تحدثت فيهما عن مفهوم حديث جداً في الاقتصاد وهو الاقتصاد الازرق والذي يُعني بكل ماله علاقة بالبحار والمحيطات.

ماهو النقل البحري؟
هو نوع من النقل المائي والذي يضم كلا من النقل البحري والنقل النهري، ويتم من خلاله نقل الأفراد والسلع باستخدام السفن والزوارق أو أي وسيلة أخرى تسير عبر المياه، وفي يومنا الحاضر يتم نقل معظم البضائع بين بلدان العالم بواسطة سفن كبيرة الحجم ومتعددة الانواع ومتباينة الاغراض نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر سفن الحاويات ، وناقلات النفط ، وناقلات المواد الصب الخام ، وسفن نقل السيارات، إلى جانب سفن الركاب، وسفن نقل الحيوانات الحية ، والسفن محدودة الأغراض…الخ، ويُعد النقل البحري من أقدم وسائل النقل التي استخدمها الإنسان خصوصاً من قبل الدول المجاورة للمسطحات المائية (محيطات، بحار، بحيرات) وقد ورد ذكر البحر والسفن في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وقد استخدم الانسان سفن المجاديف أولاً ثم السفن الشراعية، تلتها السفن المسيرة بالبخار مع بدايات الثورة الصناعية، وصولاً إلى السفن المسيرة بالوقود الأحفوري والطاقة النووية في يومنا الحاضر، ولقد كان المصريين القدماء هم أول من ارتادوا البحار والمحيطات، تلاهم الفينيقيون والإغريق والرومان، وقد كان دور العرب المسلمين سباقاً في ركوب البحار، وبناء السفن من أجل ازدهار تجارتهم ونشر الدين الإسلامي، وقد ساعدهم في ذلك معرفتهم بعلم الفلك واستخدام البوصلة، ورسم الخرائط، حيث كانت سفنهم تجوب البحرين المتوسط والأحمر، والمحيط الهندي والأطلسي وبحر العرب.

 في يومنا الحاضر يتحمل النقل البحري مسئوولية نقل 83% من إجمالي حجم التجارة العالمية، إذن هو بحق شريان الاقتصاد العالمي، كما أن السفن هي الاكبر حجماً بين جميع وسائل النقل، وأرخصها كلفة، والأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، ولنا أن نتخيل أنه بدون النقل البحري كيف سنكون عاجزين عن التجارة (أو السفر) بين مختلف قارات العالم، كما تعتبر السفن من بين أهم الأصول عالية القيمة حيث تصل تكلفة بناء سفينة واحدة ما يربو على 150 مليون دولار(سفن الحاويات وناقلات الغاز)، فيما وصل سعر بعض سفن الركاب الحديثة إلى قرابة مليار دولار امريكي،  في حين تقترب الإيرادات السنوية لتشغيل السفن التجارية حول العالم مجتمعة بين 500 و 600 مليار دولار، وهو ما يمثل أكثر من 5% من حجم الاقتصاد العالمي، وتلعب الموانئ والاساطيل التجارية البحرية دوراً رئيسياً في تسهيل حركة البضائع وتخفيض كلفة اسعار النقل ودفع حركة التطور الاقتصادي العالمي، وبلغة الارقام فاذا ماكانت تكلفة نقل وحدة واحدة بواسطة النقل البحري ستكلف 1 دولار امريكي فستكون تكلفة نقلها بالقطار في حدود 3.5 دولار امريكي، وستكون في حدود 14 دولار امريكي لو تم نقلها جواً، ووفقاً لآخر الإحصائيات العالمية الرسمية فإن عدد العاملين بالبحر حول العالم قد تجاوز1.6 مليون، فيما قامت السفن بنقل مايقارب من 12 مليار طن من البضائع المختلفة، وأكثر من 700 مليون حاوية بنهاية العام 2018.

 خصائص النقل البحري

كما أسلفت فإن النقل البحري هو أرخص وسائل النقل، وأكبرها حجماً، وبمرورالوقت نما وتشعب النقل البحري وأصبح صناعة في حد ذاتها لتشمل صيانة وتموين السفن بالاضافة الى نشاط التخزين والتوزيع…الخ ، وأصبح التعليم والتدريب البحري فرعاً من العلوم قائماً بذاته، في حين ظهرت منظمات عالمية متخصصة تُعنى بالبحر منها على سبيل الذكر لا الحصر: المنظمة البحرية الدولية ومؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية والجامعة البحرية الدولية، وفي كل الاحوال فإنه يمكننا القول بأن خصائص هذا النوع من النقل هي :

 التخصص: حيث أصبحت السفن في يومنا الحاضر أكثر تخصصاً وتقوم  بنقل مادة أو سلعة واحدة فقط (غالباً) مثل: ناقلات النفط الخام ، ناقلات النفط المكرر، ناقلات الغاز البترولي ، ناقلات الغاز الطبيعي، سفن نقل السيارات ،وسفن نقل الحيوانات الحية ، وسفن الحاويات، وسفن نقل البضائع المجمدة والمبردة وبالأخص سفن نقل الموز من مناطق الانتاج بين المدارين الى باقى دول العالم ….الخ.

  زيادة الحمولة للسفينة الواحدة (اقتصاديات الحجم):
فقد وصلت أطوال بعض السفن الى 400 متر، وهذا ما جعل بعض السفن قادرة على نقل حمولة واحدة تصل إلى عشرات الآلاف من الأطنان من البضائع السائبة، والى اكثر من 2.5 مليون برميل نفط خام ، وإلى أكثر من 20000 حاوية، وهذا ما يستدعي وجود موانئ ذات غواطس تزيد عن 14 متراً، وأرصفة تتجاوز 500 متر في طولها، وفي كل الأحوال فإن تكلفة بناء سفينة وصيانتها هي أرخص بكثير بالمقارنة مع قطار أو طائرة لهما نفس الحمولة.


السرعة: على الرغم من أن وسائل النقل المائي هي أبطأ وسائل النقل بسبب حجمها، إلا أن استخدام التقنيات الحديثة في بناء السفن قد زاد من سرعة الوحدات البحرية حتى وصلت إلى 45 عقدة، في حين أن بعض السفن التقليدية والتي تحمل كميات كبيرة لازالت تبحر بسرعة بين 12 و 25 عقدة.

انخفاض تكاليف النقل البحري مقارنةً بوسائل النقل الأخرى
 النقل البحري لا يحتاج لبنية تحتية كشق طرق أو إنشاء كباري أو إلى تعميق ، فالبحر يُغطي ثلثي مساحة كوكب الارض، وأعماقه تصل الى 10 كيلو متر.

….. يتبع

مشاركة الخبر