| أخبار
قراءة مختصرة في بيان مصرف ليبيا المركزي عن الايراد والانفاق خلال الفترة من 1 يناير حتى 31 يوليو
كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة”: سوف نتناول بالتحليل الموجز ايرادات واستخدامات النقد الأجنبي خلال الفترة موضوع البيان ، بهدف التعرف على مدى جدوى وفاعلية الانفاق بالنقد الأجنبي ، ومدى مواكبته للظروف والمعطيات الاقتصادية التي تمر بها البلاد .
بمعنى آخر نحاول التعرف على كفاءة الانفاق بالنقد الأجنبي ، أو إنتاجية المصروفات بالنقد الأجنبي على مستوى الاقتصاد الكلي ، فقد قسّم المصرف المركزي استخدامات النقد الأجنبي إلى ثلاتة بنود وهي الاعتمادات المستندية ، والحوالات الخارجية ، والأغراض الشخصية ، بالإضافة إلى الالتزامات القائمة على الدولة الليبية خلال الفترة والتي تتمثل في التزامات بالنقد الأجنبي على الاعتمادات المستندية المفتوحة خلال الفترة الفترة السابقة ، اي التي لم تسدد بعد .
ومن خلال البيان المنشور ، وبإفتراض شموله لكافة العمليات التي تمت مع الخارج خلال السبعة أشهر الماضية ، باستثناء فاتورة المحروقات ، نجد أن الاعتمادات المستندية المفتوحة استحوذت على مانسبته 55.9% من إجمالي استخدامات المصارف التجارية من النقد الأجنبي ، بينما استحوذت استخدامات النقد الأجنبي للأغراض الشخصية ما نسبته 42.5% من إجمالي إستخدامات النقد الأجنبي ، واستحوذت الحوالات المباشرة على النسبة الباقية التي تقدر بحوالي 1.52% من اجمالي الاستخدامات .
ولما كان اجمالي استخدامات النقد الاجنبي والالتزامات القائمة بالنقد الاجنبي تقدر بمبلغ 23.4 مليار دولار ، فإن الالتزامات القائمة المرحلة تقدر بمبلغ 10.5 مليار دولار ، أي مانسبته 44.8% من اجمالي الاستخدامات والالتزامات ، خلال الفترة .
وفي المقابل فقد استلم مصرف ليبيا المركزي 12.9 مليار دولار ايرادات نفطية ، خلال الفترة ، المعادل لمبلغ 61.6 مليار دينار ، مقومة بسعر صرف 4.775 دينار / دولار وبمقارنة تدفقات النقد الأجنبي للخارج ( الاستخدامات ) خلال الفترة ، بالايرادات التي دخلت حسابات مصرف ليبيا المركزي يبدو أن مصرف ليبيا المركزي قد حقق وفر في ميزان العمليات الجارية وقدره حوالى 450 مليون دولار ، ولكن عليه التزامات يجب سدادها عند الاستحقاق تقدّر بمبلغ 10.5 مليار دولار ، أي أن صافي الالتزامات القائمة يقدر بحوالي 10 مليار دولار ، وتشكل هذه القيمة صافي المديونية الخارجية في اتناء الفترة التي يغطيها البيان .
وإذا ما أخدنا في الاعتبار فاتورة المحروقات التي تدفعها المؤسسة الوطنية للنفط بشكل مباشر ، والتي لم يتضمنها البيان ، فإن استخدامات النقد الأجنبي التي تحققت اتناء الفترة هي أكبر مما تظهره البيانات المنشورة ، ومن ثم لا يمكن القول بتحقيق وفر حقيقي في استخدامات النقد الاجنبي خلال الفترة ، بمعنى اخر استمرار العجز في ميزان المدفوعات للسنة الثانية على التوالي .
امّا بالنسبة لانتاجية الانفاق بالنقد الأجنبي ، باعتبار ما ينفق من الدخل القومي على الخارج يشكل نوعًا من التسرب في الدخل ، نجد أن ما استفاد منه الاقتصاد الوطني في شكل سلع نهائية ومستلزمات انتاج لا يتجاوز 55.7% من اجمالي استخدامات النقد الأجنبي ، والنسبة الباقية تعتبر تسرّب من الدخل ، لأغراض غير انتاجية ، كالسفر والسياحة والعلاج بالخارج ، والحج والعمرة ، والدراسة على النفقة الخاصة ، أو مايعرف بالاغراض الشخصية ، والتي ترتبت في معضمها نتيجة تنفيد البطاقات الالكترونية بمبلغ 10000 دولار للبطاقة الواحدة .
كما ان اجمالي ما انفق على بند التنمية تحت البند الثالث من بنود الانفاق العام لا يتجاوز 2.5 مليار دينار ، اي ما يعادل 524 مليون دولار او ما نسبته 0.42% من اجمالى استخدامات النقد الاجنبي ، ومن هنا يبدو ان المصرف المركزي لا يهتم كتيراً بأوجه استخدام النقد الاجنبي ، بالرغم من تدني انتاجيته ، و يتبع نوعاً من المرونة في عرض النقد الاجنبي والسماح باستخدامه للاغراض الاستهلاكية ، ربما بهدف المحافظة على استقرار سعر الصرف الحالي ، من خلال عدم التدخل المباشر في سوق النقد الاجنبي ، ولكن من ناحية اخرى نجد ان المصرف المركزي قام بضخ سيولة بالدينار الليبي ، خلال الفترة ، تقدر بمبلغ 61 مليار دينار ، وفقًا لما ورد في البيان ، وهي السيولة التي تستخدمها المصارف في تغطية التزاماتها بالنقد الاجنبي ، والمصرف الذي لا تتوفر لديه سيولة بالدينار الليبي لا يستطيع شراء النقد الاجنبي لمختلف الاغراض ، وهذا الاجراء في حد ذاته يرتب نوعا من الضغوط على سعر صرف الدينار الليبي ، اذ يكفي هذا المبلغ لخلق طلب على النقد الاجنبي بمبلغ 12.7 مليار دولار .
أي أن المصرف المركزي يتحكم في الطلب على النقد الأجنبي ، بطريقة غير مباشرة ، من خلال ما يوفره ، او يسمح به ، من سيولة بالدينار الليبي لكافة المصارف التجارية . وياتي ذلك على حساب السيولة المتاحة لدى المصارف لاغراض السحب النقدي ، مما يعزز مشكلة السيولة التي يعاني منها القطاع المصرفي ، ولذلك فإن السياسة التي يتبعها المصرف المركزي في ادارة النقد الاجنبي والتحكم في الطلب عليه ، وادارة السيولة ، والسياسة المالية التي تتبعها الحكومة ، من خلال ترتيب المزيد من الالتزامات ، يبدو انها لا تكفل المحافظة على استقرار سعر الصرف إلا على حساب احتياطيات النقد الاجنبي التي يحتفظ بها المصرف المركزي ؛ اي ان الحكومة والمصرف يتبعان سياسات ، لا تراعي طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد ، وكأن الامور الاقتصادية طبيعية ومستقرة
( business as usual ) وان الاقتصاد لا يعاني من مشكلة سيولة ، في الوقت الذي تدار البلاد بحكومتين ، في ظل الانقسام ، ووتيرة الانفاق العام في تصاعد ، ودرجة تفضيل السيولة لدى الناس لازالت مرتفعة ، وتواجه الحكومة صعوبات في تغطية التزاماتها في وقتها ، و تظهر فيه البيانات عجز في ميزان المدفوعات ( استخدامات والتزامات ) نتيجة الترتيبات المتعلقة بتوريد ايرادات النفط الى مصرف ليبيا المركزي ، مما يهدد الاستدامة المالية للدولة .