كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً قال خلاله:
شركة الخطوط الجوية الليبية، الناقل الوطني، والتي تأسست منذ عام 1964، ليست الشركة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعرض لأزمة مالية تهدد نشاطها وقد تعرضها للإفلاس؛ هذا شأن معظم شركات الطيران التي تعمل في مختلف دول العالم، بل إن خطر الإفلاس يلحق كبريات الشركات الصناعية والمصارف العالمية العامة والخاصة على حد سواء.
وفي كثير من الأحيان، تتدخل الحكومات لإنقاذ الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية أو التي تُعد إحدى دعائم الاقتصاد، والتي يترتب على إفلاسها أضرار كبيرة تلحق بالاقتصاد والدولة، من منظور اعتبارات التكلفة الاجتماعية والمنفعة الاجتماعية، وهي الشركات والمؤسسات التي لا يُسمح بانهيارها، عندما يترتب على تصفيتها مخاطر وأضرار وتكاليف أكبر من تكلفة إنقاذها والمحافظة على استمرارها وتكاليف تشغيلها ودعمها، تحت مبدأ (Too big to fail).
أعتقد أن شركة الخطوط الجوية الليبية، بالنظر لما تعرض له أسطولها من تدمير بسبب القوة القاهرة والحروب، والمشاكل المالية التي تعرضت لها بسبب تضخم عدد العاملين بها، وعدم المرونة في إتمام تحويلاتها لسداد مصروفات الصيانة والتشغيل في الخارج، وعدم القيام بأية محاولات جادة في السابق لإعادة هيكلتها، وأنه لم يتم استكمال دفع رأسمالها المكتتب فيه، والذي يُقدَّر بمليار دينار، لم يُدفع منه سوى 400 مليون دينار، وفقاً لما ورد في تقارير صحفية وإعلامية، ولِما تنطوي عليه الشركة من خبرات وأطقم جوية تراكمت عبر الزمن، وبافتراض صحة هذه البيانات، ولكون الشركة أصلًا من أصول الدولة الليبية، وتوفر فرص عمل لعدد كبير من العاملين قد يصل عددهم إلى خمسة آلاف عامل وموظف، ولاسم الشهرة التي تحظى به في أوساط الطيران العالمية على مدى 60 سنة من تأسيسها، حيث تعتبر الشهرة أصلًا من أصول الشركة، وحافظت عليه لعديد السنوات، فقد صارت هذه الشركة من ضمن ما يُوصف بـ Too big to fail.
بمعنى آخر، يجب أن تتدخل الحكومة وتنقذ الشركة من مآلات التعثر والإفلاس. هذا لا يعني بحال من الأحوال أنه لا ينبغي إعادة هيكلة الشركة لتصحيح أوضاعها، حيث تتعدد أوجه إعادة الهيكلة التي يمكن أن تُطبق بشأنها، وفوق كل ذلك، تسليط الضوء على سوق الطيران في ليبيا للتأكد من عدم وجود أية ممارسات احتكارية (مثل احتكار القلة) التي قد تُلحق الضرر ببعض الشركات العاملة في السوق، وترسيخ مبادئ المنافسة الكفيلة بحماية السوق.
وقد ينبري البعض بالاعتراض، ممن يرون في تدخل الدولة لإنقاذ شركاتها الكبرى والمهمة ودعمها، نوعًا من التدخل في السوق، وأنه يرسخ هيمنة القطاع العام، ويتنافى مع مبادئ اقتصاد السوق؛ ويُشكل محاربة للقطاع الخاص، بالاعتراض على إنقاذ الشركة باعتبارها شركة عامة. نقول إن الدولة قد تتدخل ليس فقط لإنقاذ بعض الشركات العامة، بل إنها قد تتدخل لإنقاذ حتى بعض شركات القطاع الخاص لما تحظى به من أهمية للاقتصاد والدولة.
ونسوق فيما يلي أمثلة لحالات تدخل قامت بها بعض الدول الرأسمالية، أو التي يسودها اقتصاد السوق، لإنقاذ بعض الشركات من الإفلاس والخروج من السوق:
1. تحصلت شركة “لوفتهانزا” للطيران الألمانية على حزمة إنقاذ بقيمة 9 مليارات يورو، لمواجهة الأزمة التي تعرضت لها بسبب جائحة كورونا عام 2019، رغم أن الحكومة تساهم فيها بنسبة 20% فقط.
2. تم إنقاذ عشر شركات طيران أمريكية تعرضت لأزمة مالية بسبب جائحة كورونا عام 2019، لتجنب إفلاسها أو تسريح موظفيها البالغ عددهم 750 ألف شخص.
3. شركة “كرايسلر” لصناعة السيارات في الولايات المتحدة، قامت بإنقاذها الحكومة الفيدرالية بإلغاء ديون وقدرها 2.6 مليار دولار، مُوِّلت من أموال دافعي الضرائب في أمريكا.
4. مجموعة “CIT Group”، استثمرت فيها الحكومة الأمريكية 2.33 مليار دولار، وتم خروجها من وضع الإفلاس بعد أن تم إعادة هيكلتها ماليًا وتقديم خطة إنقاذ للحكومة، إبّان أزمة الائتمان عام 2009.
يجب إنقاذ شركة الخطوط الليبية، ودعم أسطولها بعدد من الطائرات، كأصل من أصول الدولة الليبية، وإعادة هيكلتها ماليًا، والبحث في أسباب التعثر ومعالجتها، لتستمر ناقلًا وطنيًا ورافدًا لقطاع الطيران في ليبيا، وعلى الحكومة وإدارة الشركة تحمل مسؤوليتهم في المحافظة على استمرار تشغيل الشركة.