التضخم في ليبيا .. بين معرفة المسببات ومواجهة التداعيات!

895

أشار تقرير التضخم الصادر عن إدارة البحوث والاحصاء بمصرف ليبيا المركزي الى أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك بحسب بيانات مصلحة الاحصاء والتعداد إرتفع خلال الربع الأول من العام 2022 ليسجل 284.6 نقطة بزيادة قدرها 13.2 نقطة على أساس سنوي، مقابل 271.4 نقطة خلال نفس الفترة من العام السابق، ليسجل معدل التضخم للربع الأول 2022 نسبة غير مسبوقة تصل إلى (4.9%).

كما توقّع صندوق النقد الدولي ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصادي العالمي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا خلال هذا العام وأن ترتفع نسبة التضخم إلى 3.7%.

ومازال السوق الليبي منذ بداية العام يشهد ارتفاعاً في الأسعار على كافة أصناف المشتريات التي يقتنيها المواطن وعلى رأسها السلع الغذائية الأساسية المستمرة في غلاءها منذ أشهر؛ وخاصةً خلال شهر رمضان الماضي حيث اشتكى الشارع الليبي مما أجبر وزارة الاقتصاد حينها على التدخل عبر أجهزتها التنفيذية والاستعانة بالجهات المختصة وعلى رأسها جهاز الأمن الداخلي لكبح جماح هذا الغلاء؛ ولكن ما لبث أن انتهى الشهر الفضيل حتى عادت الأمور إلى سابقها وأسوأ!

لتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، صرح عضو لجنة سعر الصرف “عمران الشائبي” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية بخصوص إرتفاع معدل التضخم في ليبيا قائلاً: في شهر أبريل الماضي توقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ معدلات التضخم في ليبيا 3.7%، وكذلك في آخر نشرة اقتصادية للمصرف المركزي إرتفع معدل التضخم عن الربع الأول من هذا العام إلى 4,9%، حيث ارتفعت أسعار الغذاء إلى 5,1% فيما بلغت 3% أسعار الخدمات الصحية ونحو 4% في أسعار الأثاث والأجهزة المنزلية.

وأضاف بالقول: التضخم ليس محصور على الاقتصاد الليبي فقط، فمكافحته شعار جميع البنوك المركزية في العالم خاصة بعد مرور سنتين كان فيهم الاقتصاد العالمي مريض (جائحة كورونا، وسلاسل التوريد والاقفالات المتتالية للدول الصناعية، حرب أوكرانيا وروسيا، وطباعة الترليونات من الدولارات الأمريكية وتوزيعها لتحفيز الاقتصاد الامريكي) كل هذه الأسباب أدت إلى التضخم الركودي، أو بمعنى أن الاقتصاد يعاني من أمرين متعاكسين، (حالة نمو اقتصادي ضعيفة، وبطالة عالية تصاحبها غلاء في الأسعار).

وتابع بالقول: علاجه يحتاج تعديل في السياسة النقدية والمالية والاقتصادية معاً، بالنسبة للسياسة المالية تكون في التقشف في الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب على الأثرياء والبضائع الترفيهية كحد أدنى، والسياسة النقدية بتغيير سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي النقدي وعمليات السوق المفتوحة، لمعالجة أسعار الصرف، والسياسة الاقتصادية تكون في زيادة الإنتاج ، ووقف الإنفاق وتحديد الأسعار.

وختم حديته قائلاً: سيستمر الأمر أقل شيء إلى منتصف العام القادم وستفلس الكثير من الدول وتصبح ظاهرة الشغب أمر طبيعي في كثير من البلدان النامية والدول التي لا تملك استراتيجية واضحة تمثل السياسات الثلاثة ولا تملك إدارة ولا إرادة ، تلك سيكون ما يمر به العالم موجعاً ومدمراً.

كما قال عضو الصالون الاقتصادي “محمد الصافي” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية بخصوص إرتفاع معدل التضخم في ليبيا قائلاً: التضخم الحاصل الآن له أسباب داخلية وأسباب خارجية: الداخلية هو الإنفاق الحكومي المفرط والاستهلاكي العام الماضي بينما الخارجية ناتجة لاسباب عدة: الحرب الاقتصادية بين قطبي الصناعة (الصين) والتجارة (الولايات المتحدة الأمريكية ) خلال فترة الرئيس ترامب، وكذلك تفشى وباء كورونا، وأزمة النقل البحري، والحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على إمدادات الحبوب.

أما بخصوص هل التضخم له علاقة بإرتفاع الأسعار الحالية من قبل شهر رمضان إلى يومنا هذا؟ قال: لا أعتقد، التضخم جله مستورد نتيجة إرتفاع الأسعار الغذاء العالمي.

وتابع بالقول: نقديا: في ظل انقسام المصرف المركزي وتعطيل اجسامه (مثل لجنة السياسة النقدية) المعنية بتقييم الوضع الاقتصادي (النقدي) للدولة منذ عام 2014، وكذلك توقف العمل بأداة سعر الفائدة منذ صدور القانون رقم 1 لسنة 2013، فإن المركزي غير قادر على مجاراة بقية البنوك المركزية في مختلف دول العالم في التصدي لهذه المتغيرات في الاقتصاد الدولي، إلى جانب مالياً: الانقسام السياسي بعدم وجود حكومة واحدة لكافة التراب الليبي، وكذلك شبهات الفساد في الحكومة الحالية كلها عوامل تحول دون تكاثف الجهود لمكافة أزمة التضخم العالمية.

كما صرح مدير إدارة الدراسات والإصلاحات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والتجارة “حسين العمامي” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية بخصوص إرتفاع معدل التضخم في ليبيا قائلاً: أولاً إرتفاع أسعار السلع بالخارج بنسبه 25%، وكذلك إرتفاع أسعار النقل والشحن عالمياً بسبب زياده المخاطر نتيجه الحرب.

وأضاف “العمامي” بالقول: وجود مشكله إعاقه في سلاسل الإمداد العالمية للسلع نتيجة وجود ضغط في الطلب العالمي على السلع ونقص المعروض بشكل أثر على الإمداد والتوصيل في مسارات النقل البحري العالمية، إلى جانب إرتفاع أسعار النفط العالمية أثر علي زياده تكاليف وسائل النقل.

أما بخصوص هل التضخم له علاقه بارتفاع الأسعار من قبل شهر رمضان ؟ قال “العمامي”: نعم له علاقه طردية لأن كلما ارتفع المستوى العام للأسعار زاد معدل التضخم ، والتضخم يعرف بأنه الإرتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار ومعدل التضخم الحالي في ليبيا معقول حوالي 3,7%ويعتبر أفضل من دول العربية مثل مصر 17% وتونس 7%.

وختم حديته قائلاً: إن إرتفاع الأسعار هو عامل وارد من الخارج بسبب إرتفاع الأسعار عالمياً ويحتاج إلى زياده الإنتاج وزياده المعروض، كما أن التحكم في ضبط الأسعار يكون من خلال توفر منتج محلي أو تغيير سعر صرف الدولار لكي يتم استيراد كميات بأسعار منخفضة، أو تدخل الدولة ودعم السلع التي ترتفع أسعارها وبيعها المواطن بسعر أقل وتحمل باقي المبلغ.

وتحدث الخبير الاقتصادي “نورالدين حبارات” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية قائلاً: التضخم الذي يشهده البلاد خلال هذه الفترة بالتأكيد متزايد عن السنوات السابقة، وذلك لأسباب عدة يعود جزء منها لإنخفاض قيمة الدينار أمام الدولار وذلك بعد قرار المركزي بخفض سعر الدينار رسمياً عند 4.48 دينار للدولار لكافة الأغراض وذلك في ديسمبر 2020 م، ثم إلى إرتفاع تكاليف الشحن وإلى إرتفاع أسعار الغداء العالمي وتعطل سلاسل التوريد بسبب الحرب الروسية الأوكرانية فهذان البلدان يستحودان على قرابة ‎%‎40 من صادرات العالم من الحبوب والغذاء .

وأضاف بالقول: المؤسف أيضاً أن الدولة الليبية لا تدعم الغداء إطلاقاً ، كما في معظم دول العالم خاصةً في ظل مثل هذه الظروف، وذلك بعد إن رفعت الدعم السلعي في 2015 م دون أن تدفع المقبل النقدي للدعم ، فاليوم نسبة كبيرة جداً من المواطنين لا يتحصلون على الكميات الكافية من الغداء فأسعار الحبوب من رغيف الخبز والأرز والمكرونة والكسكسي والزيوت ومعجون الطماطم والألبان ومشتقاتها والثونة واللحوم أسعارها مرتفعة جداً قياساً بمرتبات ودخول المواطنين، وكذلك الفواكه ما أدى اليوم إلى تزايد المطالب برفع قيمة المرتبات.

وتابع “حبارات” بالقول: كما أن عمليات الإستيراد لتلك السلع لا تتم بشكل منظم وتأخد في الإعتبار السلع التي يحتاجها السوق وحجم مخزوناتها وذلك لغياب دور وزارة الاقتصاد في هذا الشأن، كما إن أدوات الرقابة من قبل الوزارة وأجهزة الحرس البلدي على الأسعار غير فعالة فضلاً عن غياب وبشكل كامل أي دور لجمعيات حماية المستهلك التي كان يمكن لها لعب دور إيجابي في هذا الصدد .

وقال: يمكن القول إن الحالة التي تشهدها ليبيا اليوم حالة ركود تضخمي أو Stagflation لأن هناك خمول ملحوظ في النشاط التجاري جراء تراجع عمليات البيع والشراء وهذا نلاحظه بشكل واضح في محال أنشطة التجزئة ، وبالتأكيد إستمراره سيؤدي تراجع في الطلب وتكدس للسلع ومن ثمة تراجع للإيرادات وإرتفاع لمعدلات البطالة .

فيما يخص طرق التعاطي مع التضخم أو معالجته قال: صعب صراحةً في ظل الظروف الحالية بسبب تأزم المشهد السياسي جراء التنازع على الشرعية من قبل حكومتين إلى جانب توقف تصدير النفط وتأخر إعتماد الميزانية العامة الحالي 2022 م  ومسألة تمويلها، لإن في حال وجود حكومة موحدة وظروف إعتيادية كان يمكن لهذه الحكومة وًمع الطفرة النفطية دعم السلع الغذائية الأساسية أو منح مساعدات مالية للمواطنين سيما من ذوي محدودي الدخل بهدف رفع قدرتهم الشرائية ومدخراتهم التي تأكلت كثيراً  بعد شهر ومضان المبارك وعيد الفطر، كما أنهم اليوم يستعدون  لعيد الأضحى يضاف إلى ذلك أزمة السيولة التي تزايدت مع توقف صادرات النفط فمبيعات النقد الأجنبي هي وسيلة المركزي الوحيدة في التعاطي معها وهذا ما أدى إلى إرتفاع في سعر شراء الدولار بالصكوك مقارنةً بالكاش، إلى جانب محدودي ومتوسطي الدخل هم القوى الإستهلاكية الأكبر فأعدادهم تقدر بالملايين وميولهم للاستهلاك أكبر بكثير من حيث الكم من ميول الطبقة المرفهة التي أعدادها قليلة جداً قياساً بتلك الفئات .

أما بخصوص آليات المعالجة بالطبع المركزي أو الحكومة ليس لديهما أي وسائل للتعاطي مع التضخم فآلية سعر الفائدة كما هو معروف معطلة بموجب القانون رقم (1) لسنة 2013 م بشأن منع الفوائد الربوية وعدم إعتماد نظام بديل له يوفي بالغرض، ومن جانب الحكومة فالأمر أسواء في ظل عدم اعتماد الميزانية و توقف إنتاج وتصدير النفط بشكل شبه كامل وللأسف .

وختم حديته قائلاً: ليبيا كادت أن تنجو من أزمة الركود التضخمي المعقد أسوة بدول الخليج التي يتوقع البنك الدولي أن تحقق خلال هذا العام معدلات نمو معتبرة تصل إلى قرابة ‎%‎06 وذلك بسبب الطفرة النفطية وإنحسار كورونا إلى حد كبير جداً ، لكن تأزم المشهد السياسي الليبي وتعنت الفرقاء السياسيين وتداعياته الاقتصادية حال دون ذلك.

وصرح خبير في اقتصاديات النفط والاستثمار “محمد الطاهر يوسف”حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية بخصوص إرتفاع معدل التضخم في ليبيا قائلاً: التضخم ببساطة هو زيادة المستوى العام للأسعار وقد يحدث التضخم عند زيادة الطلب بسبب إرتفاع معدل النمو الاقتصادى بمعدل أسرع من معدل النمو المتوقع ،وهذا يقود إلى زيادة الثقة من الناس فى المستقبل ويزداد النهم بينهم لشراء السلع والخدمات ، وعندها يزداد الطلب يقابله عرض محدود وعليه تتجه الأسعار إلى الإرتفاع .

مضيفاً: دول كثيرة تعاني من التضخم والأثار السلبية الناجمة عن ذلك والتي تمس حياة الناس المعيشية مما تعود نتائجه على تدني القوة الشرائية، إلى جانب أن التضخم يظهر بصورة مباشرة على الأسر محدودة الدخل وأيضاً يؤثر على مستوى مدخرات الأفراد خاصة إذا كان سعر الفائدة أقل من نسبة التضخم مما يجبر الأفراد البحث على سبل للمحافظة على قيمة مدخراتهم .

وتابع “الطاهر”: ومن جهة أخرى فإن للتضخم أسباب قد ترجع إلى مخالفات اقتصادية أو حصار اقتصادى أو زيادة فى الطلب أو زيادة فى التكاليف، وخاصة تلك التي تكون نتيجة ضغط نقابات العمال أو سن قوانين غير مدروسة الدراسة الواجبة، أو صك عملة دون ضوابط أو غياب السلطة النقدية الراشدة .

وأردف قائلاً: من هذا المنطلق يبين أن المحافظة على مستوى معقول للتضخم تحت إشراف سلطة نقدية صارمة بأخذها فى الاعتبار وبالتنسيق مع السلطة المالية والاقتصادية الآتي: التغير فى نظام الإنتاج، والتغير فى توزيع الدخول، ومعدل التضخم المستورد .

وبخصوص ليبيا وعلى الرغم أنها حالة يصعب تشخيصها لأسباب جوهرية: أولها؛ غياب سلطة نقدية مركزية فى شخصية البنك المركزى كمؤسسة نقدية واحدة تحافظ على المستوى المعقول للكتلة النقدية وتوجه المنظومة المصرفية على مستوى الاقتصاد العام لضبط حركة الأموال ايداعاً أو اقراضاً أو استثمار أو شراء، ثانيا؛ اقحام المصرف المركزى نفسه كسلطة نقدية فى مسائل السلطة المالية بل ممارستها بشكل مباشر  وممارسته لدور الخزانة العامة، ثالثاً؛ عدم اتباع المصرف المركزى لسياسة طويلة المدى للحفاظ على القوة الشرائية للدينار ومن ثم المحافظة على مستوى المعيشة خاصة لأصحاب الدخول المحدودة.

وكذلك وجود سوق موازي يضارب بشكل شبه معلن فى الدينار الليبى وعلى مرأى ومسمع من السلطة الحاكمة بل الاسترشاد به ومجاراته فى تحديد سعر الصرف، وأيضاً عدم الثقة فى المنظومة المصرفية مما زاد من إحجام المواطن على ايداع مدخراته فيها والاحتفاظ بها  نقداً خارج المصرف لسهولة التصرف فيها عند الحاجة خارج إطار المنظومة المصرفية الرسمية واللجوء إلى السوق الموازى، إلى جانب غياب خطط مواجهة سعر الدولار الأمريكي والواردات المرتبطة بذلك.

وختم حديته قائلاً: من ذلك يمكن القول: أن السيطرة على التضخم فى ليبيا يحتاج إلى: إصلاح المنظومة المصرفية وتطويرها تماشياً مع المنظومات المصرفية الدولية، وعدم تجاوز البنك المركزى للسلطة المجازة له وفقاً للقانون وهى السلطة النقدية أساساً، وعدم الصرف دون ميزانية والابتعاد عن سياسة الهبات والقروض غير المدروسة ، وخلق فرص إنتاج وتفادي إقراض الحكومة لتغطية نفقاتها الخارجة عن الميزانية .

فهل مضاعفة أرقام الموازنات العامة يؤدي فعلاً إلى ضعف القيمة الشرائية ورفع مستوى التضخم؟ وهل بات في الوقت متسع لتدارك ما يمكن تداركه! أم أن أيام شداد بإنتظار هذا الشعب!!