كتب نائب المدير العام لشركة التكافل للتأمين “أكرم عبدالله الغزيوي”: ضعف مساهمة قطاع التأمين الليبي في الناتج المحلي الإجمالي GDP.
رغم التاريخ الطويل لقطاع التأمين في ليبيا، إلا أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا تزال متواضعة إلى حدٍّ كبير، لا تعكس الإمكانات الاقتصادية ولا الحاجة المجتمعية المتزايدة لإدارة المخاطر. ففي الوقت الذي تسجل فيه دول عربية مجاورة نسبًا متقدمة نسبيًا، يبقى القطاع الليبي حبيسًا لتحديات هيكلية وتشريعية تعيق تطوره.
أرقام متواضعة في ليبيا
تشير التقديرات إلى أن مساهمة قطاع التأمين الليبي في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح بين 0.1% إلى 0.3%، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بحجم الاقتصاد الليبي الذي بلغ نحو 46.64 مليار دولار أمريكي في عام 2024. هذا يعني أن إجمالي مساهمة التأمين لا تتجاوز 140 مليون دولار، وهو رقم لا يواكب تطلعات التنمية ولا يعكس أهمية التأمين كأداة اقتصادية استراتيجية.
مقارنة عربية وإقليمية
• مصر: تبلغ مساهمة قطاع التأمين حوالي 1% من الناتج المحلي، وتسعى الهيئة العامة للرقابة المالية إلى رفعها عبر التحول الرقمي وتوسيع قاعدة العملاء.
• سلطنة عمان: سجلت نسبة 1.23% في عام 2022، مع نمو سنوي في الأقساط التأمينية بنسبة 13%.
• المغرب وتونس: تتراوح النسب بين 1.5% إلى 2%، مدفوعة بتشريعات متقدمة وشراكات دولية.
هذه المقارنات تكشف عن فجوة واضحة بين ليبيا والدول المجاورة، وتؤكد الحاجة إلى إصلاحات جذرية تعيد للقطاع مكانته الاقتصادية.
تشخيص التحديات الليبية
ضعف مساهمة التأمين في ليبيا لا يرتبط فقط بالأرقام، بل بجملة من التحديات أهمها:
• غياب قانون شامل ينظم التأمين التكافلي وعدم تحديث القانون العام للتأمين منذ سنة 2005.
• نقص الكوادر الفنية المؤهلة، وغياب برامج تدريب وطنية مستدامة.
• ضعف الثقة المجتمعية في شركات التأمين نتيجة غياب الشفافية والرقابة.
• غياب الامتداد الدولي للشركات الليبية رغم تاريخها الطويل.
رؤية إصلاحية وطنية
لتحويل هذا الواقع إلى فرصة تنموية، يمكن تبني خطوات عملية ترفع مساهمة التأمين وتربطه بالتنمية الوطنية:
1. إصلاح تشريعي وهيكلي
• إصدار قانون تأمين تكافلي متكامل.
• تحديث التشريعات القائمة وربطها بالمعايير الدولية.
• زيادة عدد الوثائق الإجبارية.
• إعادة تقييم أصول وممتلكات الدولة.
2. تطوير السوق والمنتجات
• إطلاق منتجات تأمينية جديدة (زراعي/ صحي/ رقمي/ مشاريع صغيرة).
• ربط التأمين بالمشاريع التنموية الكبرى.
• تحفيز المنافسة والابتكار بين الشركات.
3. بناء الكفاءات والثقافة التأمينية
• تدريب الكوادر الوطنية عبر شراكات دولية.
• إدراج التأمين في المناهج الجامعية.
• إطلاق حملات وطنية للتوعية التأمينية.
4. التوسع الدولي والتحالفات
• تأسيس شركات مشتركة مع مؤسسات عربية وأوروبية.
• الانضمام إلى المنظمات التأمينية الدولية.
• تسويق ليبيا كمركز تأمين تكافلي في شمال إفريقيا.
5. ربط التأمين بالسياسات الاقتصادية
• إدماج التأمين في خطط التنمية الوطنية.
• فرض وثائق التأمين لتكون إجبارية.
• تحفيز الاستثمار الأجنبي في القطاع.
• قياس مساهمة التأمين دوريًا وربطها بمؤشرات الأداء الاقتصادي.
من الأرقام إلى المشروع الوطني
إن ضعف مساهمة قطاع التأمين الليبي ليس مجرد خلل اقتصادي، بل فرصة لإطلاق مشروع إصلاحي وطني يعيد للقطاع مكانته، ويعزز صورة ليبيا المهنية عالميًا. فكل نقطة تُضاف إلى نسبة المساهمة هي خطوة نحو اقتصاد أكثر استقرارًا، ومجتمع أكثر أمانًا، ووطن أكثر قدرة على إدارة مستقبله بثقة.