| مقال الأسبوع, مقالات اقتصادية
“المانع” يكتب: رغم أنف التحديات ستكون ليبيا وجهة المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية
كتب المستشار “مصطفى المانع” مقالاً نشرته منصة Binzenga الأمريكية: ستكون ليبيا وجهة المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية
https://www.benzinga.com/content/41081073/el-manea-despite-challenges-libya-will-remain-a-destination-for-investors-and-foreign-capital
في الوقت الذي تنشغل فيه أطراف وطنية وأطراف أجنبية بتأجيج الصراع داخل ليبيا وتأزيم الأوضاع المعيشية، وورغم أنف كل التحديات التي تعانيها ليبيا، وما أنتجته من حالة احباط تسلل إلى كثير من الليبيات والليبيين، لازال المستثمرون الأجانب وخبراء الاقتصاد والتنمية عبر العالم أكثر تفاؤلاً، ويراهنون على أن تظل ليبيا واحدة من أكثر الدول الواعدة من حيث الفرص الاستثمارية، بالنظر لموقعها الاستراتيجي، ومواردها الطبيعية الغنية، وسوقها المفتوح، وقد لفت انتباهي ما يردده لنا باستمرار كثير من الاصدقاء و الزملاء المدراء والخبراء في الصناديق الاستثمارية الاجنبية والبنوك الدولية والمؤسسات العالمية التنموية في حواراتهم عن فرص الاستثمار في منطقتنا بأن ليبيا تمتلك سوقًا غير مستغل وفرصاً مغرية جداً للاستثمار مترقبين فتح بابها لرؤوس الاموال الأجنبية، ومن هؤلاء مثلاً:
جان فرانسوا دوفين مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي(IMF)،و ريك بيري الرئيس التنفيذي السابق لبنك HSBC في شمال إفريقيا، وكلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لشركة إيني(Eni)،ومايكل شتاين كبير الاقتصاديين في بنك جي بي مورقان JPMorgan Chas، وألكسندر نوفيكوف رئيس قسم الاستثمارات الدولية في بنك VTB الروسي، وتوم سوان مدير إدارة الاستثمار في سيتي بنك CitiBank، وجوناثان ووكر من شركة إنيرجي إنسايس، وفيليب أندروز مدير مكتب تمويل التنمية في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنميةEBRD، و أندرو كينج من شركة ماكينزي Wood McKenzie، وأنجيل جوريا الأمين العام السابق لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، وجون ميتشل الخبير في تشاتام هاوس (Chatham House)، وماكسويل كوك الخبير الاستثماري لدى شركة بلاك روك BlackRock، ومارك بيفين مدير العمليات في شركة أكسون موبيل (ExxonMobil)، وماتيو كاليز كبير الاقتصاديين في البنك الإفريقي للتنمية(AfDB)، وجيرالد مايرز المستشار الاستثماري لدى شركة توتال انيرجي total energies، وأنتونيو فيلا نائب الرئيس التنفيذي في بنك Intesa Sanpaolo الإيطالي، وجون رايت المدير العام لشركة Standard Chartered في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومارك زينجر رئيس قسم الطاقة في بنك Goldman Sachs، وأندرو غولد المستشار في بنك Credit Suisse، وجيورجيو دي مارسيل رئيس قسم استراتيجيات الاستثمار في UniCredit، وأوليفر سيغمان مدير قسم الاستثمارات الدولية في Deutsche Bank،
وفرانسوا جيلارد كبير الاقتصاديين في Société Générale، وبيتر ويلكنسون مدير الاستثمارات في HSBC Global Banking، وكريستيان براون مدير الاستراتيجيات في Bain & Compane، وسيرجيو بريتو المدير التنفيذي في Banco Santander، وباسكال بونيفاس المستشار الاستثماري في BNP Paribas، والقائمة تضم الكثيرون غيرهم من خبراء الاستثمار و الاسواق.
نعم لازالت ليبيا في نظر المستثمرين الاجانب بوابةً لافريقيا وأوروبا ، مما يتيح لها فرصًا استثمارية فريدة من نوعها، فهم يرون أن الموقع الجغرافي لليبيا يمكّنها من أن تكون مركزًا لوجستيًا لنقل السلع بين القارات، كما أنهم لم يُغفلوا أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا، وتأتي في المرتبة التاسعة عالميًا في احتياطات النفط. بـ48 مليار برميل، وهذا يشكل أساسًا صلبًا لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، هذا عدى عن قدراتها لانتاج الطاقات المتجددة وبالأخص الطاقة الشمسية في ظل درجات السطوع المناسبة والقرب من أسواق الطاقة في العالم، ولا يجهل المستثمرون الأجانب أن ليبيا نتيجة للصراعات العنيفة التي تكررت بالاضافة إلى ضعف بنيتها التحتية الموروثة من الأساس هناك حاجة ملحة لإعادة اعمار بنيتها التحتية في مختلف المجالات مثل الإسكان، الطرق، والمرافق الحيوية، وتتوقع تقارير البنك الدولي أن تستمر ليبيا في جذب الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية، كما تقدر الأمم المتحدة تكلفة ذلك بما لا يقل عن 200 مليار دولار أمريكي وهو ما يمثل فرصًا جاذبةً لشركات المقاولات و الاعمار، كما أن المستثمرين الاجانب لم يتجاهلوا تقديرات خبراء البنك الإفريقي للتنمية بأن الاستثمار في قطاع الزراعة في ليبيا يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأمن الغذائي ويخلق فرص عمل هائلة.
لقد اهتم المستثمرون الأجانب بالمؤشرات المعلنة من صندوق النقد الدولي خلال سنتي 2023 و 2024 التي تؤكد أن الاقتصاد الليبي أظهر علامات استقرار تدريجي بعد سنوات من الركود، اذ قدر الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 10% مع توقعات بزيادة معدلات النمو، ما يؤكد أن هناك فرصاً حقيقية للنمو الاقتصادي،
و على سبيل المثال فإن قطاع واحد مثل قطاع النفط بحاجة لاستثمارات لا تقل عن 20 مليار دولار أمريكي لزيادة إنتاج النفط إلى 2 مليون برميل يوميًا، هذا عدا عن خطط المؤسسة الوطنية للنفط لزيادة انتاج الغاز وتأهيل خطوط نقله، بالإضافة إلى تأهيل و تطوير مصانع مشتقات النفط و الغاز والبيتروكيماويات petrochemicals ومصافي انتاج المحروقات.
بالتأكيد أن ليبيا كانت وستبقى نقطة جذب للمستثمرين الاجانب وأن استدعاء رؤوس الأموال الأجنبية سيكون مساهم أساسي في دعم وتنويع مصادر اقتصادنا الوطني الريعي المبني على النفط مصدراً و حيداً، و تطوير كل قطاعات الدولة، وسيعزز فرص النمو وسيكون له أثر بالغ في أحداث النقلة المرجوة بشأن هجر النماذج التقليدية البالية في الادارة التي لم تولد الا بطالة مقنعة وانتاجية منخفضة وزيادة الاخفاق في أداء المؤسسات، إن الاستثمار الأجنبي سيقود بوصلة التغيير الشامل في ليبيا.
ولكن سؤال المليون كما يقال هو (كيف تستدعي ليبيا رؤوس الاموال الاجنبية في ظل ظروفها غير المثالية؟)
بدون أدنى شك فإن ليبيا بحاجة لرؤية منهجية وجريئة مكتملة الابعاد لاستدعاء وتحفيز المستثمرين الاجانب، كما أنه من غير المنطقي ولا من المجدي أن تنتظر الدولة لأجل استدعاء المستثمرين الأجانب توفر أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية مثالية، ولعل المقام لا يتسع لطرح هذه الرؤية التي تحتاج عقلاً جمعياً لوضعها، وسأفرد لها مساحةً أخرى خاصة لعرضها، و لعل من أهم مفاتيح هذه الرؤية:
المفاتيح:
1-توفير ما يعرف بضمانات الاستثمار لرؤوس الاموال الاجنبية، فلا يعقل أن دولة تمتلك أصولاً في الخارج مقيمة بأكثر من 170 مليار دولار أمريكي وتنتج أكثر من 1.2 مليون برميل نفط يومياً عاجزة عن تقديم الضمانات لتحفيز المستثمرين الاجانب، كما أن مؤسسات ضمان الاستثمار التي تقدم خدمات ضمان الاستثمار على المستوى الدولي والإقليمي تمثل مفتاحاً لتحفيز رؤوس الاموال الاجنبية للاستثمار في ليبيا من هذه المؤسسات الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) وهي جزء من مجموعة البنك الدولي، تقدم ضمانات للمستثمرين ضد المخاطر السياسية مثل المصادرة، وعدم القدرة على تحويل العملة، والنزاعات، ومؤسسة ضمان الاستثمار العربية (ضمان) وهي مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية، تهدف إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي والعربي من خلال تقديم ضمانات ضد المخاطر غير التجارية، ومؤسسة الاستثمار الخاص الخارجي (OPIC) كانت تابعة لحكومة الولايات المتحدة وتقدم ضمانات للمستثمرين الأمريكيين ضد المخاطر السياسية وتم دمجها في وكالة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) في 2019، والصندوق الأفريقي لضمان الاستثمار (ATI) وهي منظمة إفريقية تقدم ضمانات للمستثمرين في الدول الأفريقية ضد المخاطر السياسية والتجارية، ومؤسسة التأمين ضد مخاطر الاستثمار في بلدان رابطة الدول المستقلة (ICIEC) تابعة للبنك الإسلامي للتنمية، وتقدم خدمات ضمان الاستثمار والتمويل التجاري للمستثمرين في دول منظمة التعاون الإسلامي.
2-التخلص من القيود البيروقراطية التقليدية في مراقبة المشروعات، التي تستنزف وقتاً و جهداً ونتيجتها تكون ملاحظات تكتب في تقارير سنوية غنية بالمعلومات وفقيرة الاثر على المال العام الذي تهدر منه الدولة سنوياً حوالي 30 مليار دولار أمريكي ما بين استخدامات الدولة واستخدمات البنوك التجارية دونما قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني، إن النماذج الرقابية التقليدية صارت عائقاً يقلق المستثمرين الاجانب ويشكك في ارادة الدولة الليبية على فتح أبوابها لرؤوس الاموال الاجنبية، ان تطوير القيود الرقابية لا يعني الاستغناء عن الدور الرقابي المهم للمؤسسات الرقابية الوطنية بل بالعكس يعزز من دورها و يضعه في اطار متزن ذا جدوى يجمع بين معادلة الانفتاح الاقتصادي و معادلة محاربة الفساد و الحفاظ على موارد الدولة و تنميتها.
3-الشراكة بين رؤوس الأموال الأجنبية و رؤوس الأموال الوطنية، فليبيا التي تمتلك أصولاً في الخارج تتجاوز قيمتها أكثر من 170 مليون دولار أمريكي مؤهلة أن تخصص جزء من هذه الأصول في شراكات تحفز المستثمرين الأجانب باعتبار أن مخاطر الاستثمار ستوزع حينها على رأس المال الوطني وعلو رأس المال الاجنبي، ناهيك على أن استخدام جزء من أصول الدولة للاستثمار في الداخل سيحقق عوائد تتجاوز ما تحققه هذه الاستثمارات في الخارج شريطة أن تكون ادارة هذه الاستثمارات محترفة من شركات أجنبية متخصصة و يكون للجانب الليبي الملكية و الرقابة و تدريب و تأهيل الكوادر الوطنية لتتولى القدرة على الادارة في القادم.
4-الخارطة الاستثمارية، كثيراً ما نسأل من المستثمرين الأجانب:ما هي خارطتكم الاستثمارية؟
بدون شك أننا من منظور وطني لدينا معالم عامة لخارطة ليبيا الاستثمارية كقطاع الطاقة النظيفة والتقليدية و مشتقات النفط،والاستثمار في مجالات الاعمار و البنية التحتية و الاسكان، والنقل البري والبحري والجوي، وتجارة العبور، والزراعة، و التقنية و الاتصالات، وقطاع البنوك وشركات الصرافة والدفع الاليكتروني، و غير ذلك الكثير من الفرص الواعدة، الا أن المستثمر الاجنبي بحاجة لخارطة تحدد الآتي:
-القطاعات ذات الأولوية بناءً على احتياجات التنمية ووجود فرص اقتصادية كبيرة فيها.
-وتحدد المناطق الجغرافية التي تشكل أولويات للتنمية الاقتصادية، قد تكون هذه المناطق محتاجة إلى تحسين البنية التحتية، أو أنها غنية بالموارد الطبيعية، أو تمتلك إمكانيات سياحية كبيرة.
-وتتضمن الخارطة تحليلاً للفرص والتحديات يتضمن تحليل الفرص الاستثمارية المحتملة بناءً على عوامل مثل الموقع الجغرافي، توافر الموارد الطبيعية، الكثافة السكانية، والقوانين والإطار التنظيمي، والتحديات المحتملة مثل البنية التحتية الضعيفة أو المخاطر السياسية.
-و تتضمن أيضاً الخارطة الحوافز والتسهيلات المقدمة للمستثمرين، مثل الإعفاءات، وتسهيلات الحصول على الأراضي، ودعم الدولة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، واجراءات قيد الشركات الاجنبية و منحها التراخيص و الاذونات اللازمة لدخول المستثمرين السوق الليبي، والاجراءات المتعلقة بالمعاملات البنكية كفتح الحسابات و أسقف التحويل وضوابط ما يعرف باجراءات kYC لعملاء البنوك في ليبيا.
-كما وتتضمن الخارطة الإطار القانوني والتنظيمي كالقوانين والتشريعات التي تنظم الاستثمار، بما في ذلك قوانين حماية المستثمرين، وحقوق الملكية، وحقوق العمال، بالإضافة إلى المؤسسات المسؤولة عن دعم ومتابعة الاستثمارات، بالاضافة الى الصيغ التعاقدية المتاحة وفق القوانين الليبية، وأطر فض النزاعات التي تنشأ.
-ومن أهم عناصر الخارطة بيان دوري بالمشاريع الاستثمارية المقترحة من خلال قائمة معلن عنها بالمشاريع الجاهزة للاستثمار في مختلف القطاعات والمناطق، مع توضيح التفاصيل المتعلقة بكل مشروع مثل التكاليف المتوقعة، والعائدات المقدرة، والفترة الزمنية للانجاز، كما تكفل الخارطة التكامل مع خطط التنمية الوطنية بربط الخارطة الاستثمارية بأهداف التنمية الوطنية مثل رؤية الدولة الاقتصادية، وخطط التحول الرقمي، وتعزيز الابتكار، وأهداف التنمية المستدامة.
بالتأكيد لن أشغل نفسي ولا المهتمين بالحديث عن الدستور و التداول السلمي على السلطة و الانتخابات و حقوق الاجيال القادمة وحق الانسان في التعليم و الصحة و حرية التنقل، و غيرها من الحقوق المكفولة في كل الشرائع والمواثيق والتي أصبحت مجرد شعارات يرفعها الليبيون منذ أكثر من خمسين عاماً ونتمنى أن نراها واقعاً، ولكن إلى أن يتحقق ذلك فان الاستثمار الاجنبي احدى أهم ادوات التنمية الاقتصادية وخلق الاستقرار.
إن عودة المستثمرين الأجانب أمر متاح متى ما توافرت الارادة الوطنية لذلك و تم التغلب على التعقيدات الموروثة.
ختاماً: ليبيا بحاجة ماسة لبيوت خبرة أجنبية موثوقة مصنفة لادارة كل قطاعات الدولة فالأماني والمستهدفات لا تستقيم إلا بإدارة أجنبية محترفة مجربة لديها رصيد من التجارب والانجازات وليس هواة ليبيون كثيرٌ منهم يعيدون ابتكار التجارب الادارية الفاشلة بألوان مختلفة.