كتب: الخبير الاقتصادي “عبد الحكيم التليب”
“عنز ولو طارت وأفلست وانهارت!”
المصارف المركزية في العالم مهمتها الرئيسية هي رسم السياسيات النقدية التي تخدم المصالح الاستراتيجية العليا للدول وتطبيق هذه السياسيات، طبعا بالتنسيق التام والتعاون والعمل المشترك بروح الفريق مع مؤسسات وأجسام الدولة الأخرى.
في الإقطاعية الليبية تحول المصرف المركزي إلى وكالة لبيع العملات، أما السياسات النقدية والاستراتيجيات فإنها وجع رأس وترف زائد لا داعي له، ولم يعد بإمكان البشر حتى سحب أموالهم التي هي حقهم الشرعي والقانوني من الدكاكين التي يسمونها مصارف، والصراع الذي يدور بين أجسام الدولة يتمحور حول السيطرة على وكالة بيع العملات!
إنهاء هذه الصراعات أو على الأقل التخفيف منها ممكن ويحتاج فقط إلى تحرير سعر الدينار الليبي مقابل العملات الأخرى وجعله متاحا للجميع بشفافية وبدون أبواب خلفية، طبعا في نطاق سياسات الدولة النقدية والمالية والاقتصادية وحسب الموارد المتاحة وبما يكفل تحقيق أفضل مستوى ممكن من العدل والشفافية والتوازن، وهذا هو الحل الذي تطبقه بدرجات متفاوتة جميع الشعوب السوية، ابتداء من الجارة تونس التي لا تمتلك بترول، إلى جزيرة مالطا الصخرية القاحلة، الى آخر الدنيا، والوسائل الفنية التقنية لتطبيق هذا الحل متاحة ومتوفرة ومن الممكن توظيفها في خلال أسابيع قليلة.
المفاجأة هي أن الذي يعترض على هذا الحل البديهي ليس فقط الأطراف المستفيدة التي تريد المحافظة على مصالحها وامتيازاتها الخاصة بها، ولكن المعترضون هم أيضا نسبة كبيرة من القاعدة الشعبية التي تقف في الطوابير وتتولى تسديد الفاتورة، ومعهم جماهير غفيرة من السادة الخبراء الجهابذة الذين لا يبدو أن لديهم أدنى رغبة في الخروج من السرداب، وهؤلاء السادة الخبراء يزعمون أنهم يعارضون هذا الإجراء “خوفا على المواطن البسيط”، وهم بذلك تماما مثل الغريق الذي يخاف من البلل .. ولله في خلقة شؤون.