| مقالات اقتصادية
حبارات: قرار مجلس إدارة المركزي بشأن تعديل سعر الصرف تبرره الأوضاع المالية للحكومة والظروف الاقتصادية الراهنة ودلالة التوقيت
كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
أصدر مجلس إدارة المركزي أمس القرار رقم (8) لسنة 2022 م بشأن تعديل سعر صرف الدينار الليبي ( مرفق صورة ) وذلك بأن يكون سعره 0.1833 وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة على أن يسري هذا السعر على العملات الأجنبية المختلفة إبتداً من 16 أكتوبر الحالي .
وقبل الخوض في التحليل يجب أن نتفق إن مسألة إعادة النظر في سعر الصرف كانت ممكنة منذ مطلع العام 2021 م لكن عدم إعتماد الحكومة لسياسات وإستراتيجيات مالية واقتصادية منسقة مع المركزي حال دون ذلك ، فالحكومة وللأسف توسعت بشكل كبير في الإنفاق خلال ذلك العام الذي تجاوز قرابة %100 من معدلاته في 2019 م بإعتبار إن سنة 2020 م كانت إستثنائية بسبب قفل النفط و هبوط أسعاره أنداك إلى أدنى مستوياته جراء تفشي وأنتشار وباء كورونا و من ثم لا تصلح كسنة للقياس والمقارنة.
حيث أعتبرت الحكومة إن إرتفاع سعر الدولار رسمياً عند 4.48 دينار مبرر لإرتفاع إنفاقها العام الذي قارب من 86 مليار دينار بل أعتبرته الأقل على مدى العشر سنوات الماضية .
وفي المقابل أهملت الحكومة وبشكل كبير جداً الإيرادات السيادية من ضرائب و جمارك ورسوم و فوائض شركات والتي لم تتجاوز حصيلتها ما نسبته %02 من إجمالي الإيرادات العامة وذلك نتيجة إعتمادها المفرط على إيرادات مبيعات النقد الأجنبي المرتفعة نتيجة إرتفاع سعر الدولار كوسيلة وحيدة لتمويل ميزانيتها .
وللأسف أستمرت الحكومة على هذا النهج حتى نهاية سبتمر الماضي ولعل تقريرها أو بيانها عن الإنفاق والإيراد خلال الفترة من 1/1 حتى 30/9/2022 الصادر مؤخراً لخير دليل على ذلك ، فإنفاقها العام عن الفترة بلغ قرابة 70 مليار دينار وإيراداتها السيادية لم تتجاوز 1.346 مليار دينار فقط ، و هذا يفهم بإن الحكومة لم تكن لديها الرغبة أًوغير مستعدة لإعادة النظر في سعر صرف الدينار التي تتحصل من خلال إنخفاضه على إيرادات كبيرة عجزت عن تحقيقها من خلال ممارستها لوظيفتها الأساسية وهي جباية الضرائب وسائر الإيرادات الأخرى .
وإذا كان المركزي برر قراره خلال العام 2020 م بشأن تخفيض سعر الدينار عند 4.48 بهدف الحفاظ على ما تبقى من إحتياطياته وتوفيره لمصادر تمويل للحكومة عوضاً عن تراكم الدين العام المصرفي على الحكومة الذي تجاوز حاجز 150 مليار دينار وذلك بسبب هبوط إيرادات النفط أنذاك .
فإن اليوم الظروف الإقتصادية و المعيشية للمواطنين تغيرت أو سأت بسبب إرتفاع معدلات التضخم و تأكل أكثر للقدرة الشرائية لدخول المواطنين ومدخراتهم خاصةً مع إرتفاع سعر الدولار رسميا لدى المركزي منجاوزاً حاجز 5 دينار وقد يرتفع أكثر في حال إقدام الفيدرالي الأمريكي على مزيد من الرفع لسعر الفائدة .
وفي المقابل مالية الحكومة ليست سيئة كما كنا نتوقع فتبين إن لديها فوائض مالية لم تكشف أو تفصح عنها ، و في ظل تأخر الحساب الختامي للدولة لأكثر من عشرة سنوات فإنه يصعب الوقوف على صحتها ودقتها لكن مع ذلك يمكن لنا تقريبها وتقديرها لعل أبرزها .
1- فائض إيرادات الرسم أو الضريبة على النقد الأجنبي عن سنوات 2018 ، 2019، 2020 م والذي يقدر من 10 إلى 15 مليار دينار والذي يستوجب بقائه في حساب الإحتياطي العام .
2- فائض إيرادات العام 2021 م و المقدر ب 30 مليار دينار ، حيث بلغت إيرادات هذا العام قرابة 115 مليار دينار وفق لبيانات رسمية عن الحكومة متضمنة لإيرادات النفط المجمدة عن العام 2020 م والمقدرة ب 16 مليار دينار والتي أدرجتها الحكومة ضمن ايراداتها في مشروع ميزانية العام 2021 م (مرفق صورة ).
3- بيان الحكومة بشأن الإيراد والإنفاق حتى سبتمبر المنصرم من العام الحالي والصادر مؤخراً أظهر وفراً قدره 10 مليار دينار .
4- إيرادات الحكومة عن الفترة من 1/1 حتى 30/9/2022 م وفق بيانها الصادر مؤخراً لم يتضمن قيمة مبيعات النفط عن شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين والتي تقدر ب 4 مليار دولار أي ما يعادل 18 مليار دينار والتي لم نورد بعد لحسابها لدى المركزي .
و بالتأكيد هذه الفوائض كافية لتغطية أي عجز محتمل في الميزانية العامة .
وعلى الجانب الأخر الوضع في ميزان المدفوعات ليس سيء بل مطمئن نوعاً ما خاصةً وإن التخفيض المقرر في سعر الدولار طفيف جداً أي قرابة 220 درهم فقط .
فإيرادات النقد الأجنبي خلال الفترة من 1/1 حتى 30/9/2022 و المقدرة ب 17 مليار دولار لم تتضمن كما أسلفا مبيعات شهري أغسطس وسبتمبر المقدرة 4 مليار دولار .
كما إن إستخدامات النقد الأجنبي عن الفترة و التي قاربت من 16 مليار دولار وفق لتقرير المركزي تضمنت إلتزامات مالية بقيمة 4.5 مليار دولار لم تدفع بعد ومن الممكن جدولتها وتقسيطها .
أي إننا أمام فائض مرحلي أو مؤقت في ميزان المدفوعات يقدر ب 9 مليار دولار من الممكن دعمه عبر إيرادات النفط وضبط فاتورة الواردات خلال الربع الحالي والأخير من هذا العام .
وعليه وبناء على ما تقدم نخلص إلى إن قرار مجلس ادارة المركزي له ما يبرره في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة خاصةً مع إرتفاع سعر الدولار مقابل العملات الأجنبية في الاسواق العالمية ، كما إن القرار يتفق مع نص المادة (19) من القانون رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته بشأن المصارف التي تتطلب حضور وتصويت أغلب أعضاءه وتشترط حضور المحافظ أو نائبه وإنعقاد المجلس داخل ليبيا وفي أي من مدنها .
وفي الختام يجب أن نعترف إن تخفيض سعر الدولار رسمياً وبغض النظر عن حجم التخفيض يبقى الوسيلة الوحيدة الممكنة للحد من نزعة الحكومة جراء توسعها في الإنفاق .