في الثالث والعشرون من مايو 2022م قام وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية “محمد الحويج” بإصدار القرار رقم 508 لسنة 2022م والذي بموجبه يُحظر ممارسة الأنشطة التجارية على غير الليبيين، وذلك تنفيذا لأحكام التشريعات المنظمة للنشاط التجاري القاضية بحظر مزاولة كافة الانشطة التجارية بالتجزئة أو بالجملة، وعلى أن تتولى مكاتب الحرس البلدي ومكاتب التفتيش العمالي وكافة الجهات الضبطية اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما يتم ضبطه من مخالفات وعلى وجه الخصوص ممارسة الأجانب لعمليات البيع والشراء مباشرة كانت أو بالنيابة عن الغير، واستئجار المخابز والمحلات التجارية لأنفسهم، والقيام بأعمال الوساطة العقارية .
وفي الأسبوع الماضي قام “الحويج” بإعادة إصدار ذات القرار، وهو ما أثار الجدل في الشارع الليبي بين مؤيد ومعارض، ولمعرفة تفاصيل الموضوع قامت صدى الاقتصادي برصد آراء عدد من القانونيين والاقتصاديين والذين انقسموا كذلك بين آراء مؤيدة ومعارضة .
حيث تحدث المحامي والخبير القانوني “د. صالح الزحاف” في تصريح حصري لصحيفة صدى الاقتصادية حيال هذا القرار قائلًا: هذا القرار يهدف للحد من المنافسة التجارية المباشرة للوافدين سواء إن كانوا عرب أو أجانب وهذا النوع من النشاط هو نشاط تجاري وليس إستثماري، وبالتالي لا يتعارض مع قانون الاستثمار الأجنبي أو الوطني حيث أن العمل التجاري دائمًا هو قصير الأجل والاستثماري متذبذب من ثلاث سنوات فما فوق وبالتالي لا تعارض بين هذا القرار وقانون الاستثمار الأجنبي .
مُضيفاً: وإن كان حقيقة ربما سيؤدي إلى انتقال الرخصة إلى رخصة وصورية والعمل الصوري من الطرف الليبي وبقاء النشاط للطرف الأجنبي، كما أن هذا مرض تعاني منه الشعوب التي ابتليت بالقطاع العام وسيطرت الوظيفة بالقطاع العام على الثقافة الوطنية وبالتالي الحل الجذري هو محاربة القطاع العام والكسل الوظيفي الذي يعاني منه المجتمع الليبي بكامله.
أما أستاذ الاقتصاد “أ.د. عمر زرموح” فقد حدد في تصريحه لصدى أهم النقاط من وجهة نظره، حيث قال:
1- هذا القرار كما هو مبين مضى عن صدوره عام تقريبا (منذ 23 مايو 2022) وبذلك قد يكون هذا التعليق متأخرًا، كما قد أصبح الطعن فيه صعبًا كون القرار قد تحصن ما لم يثبت القضاء غير ذلك.
2- في قانون علاقات العمل رقم 12 لسنة 2010 أجازت المادة الأولى منه للأجانب الدخول مع الليبيين في الشراكة حيث نصت المادة على الآتي: ((وتكون الشراكة بينهم ويجوز أن تكون مع غير الليبيين)) ويقصد بكلمة ((بينهم)) أي بين الليبيين، كما نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن العمل: ((يقوم على مبدأ المساواة في الاستخدام فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم من الأجانب المقيمين)).
مُضيفاً: وبذلك لم أجد في قانون العمل ما يمنع الأجانب المقيمين إقامة قانونية من ممارسة العمل في ليبيا إذا توفرت فيهم الشروط المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية ولم أجد ما يمنعهم من القيام بأعمال البيع والشراء التي يمنعها قرار السيد وزير الاقتصاد.
وفي النقطة الثالثة علق “زرموح” قائلًا: قانون علاقات العمل المشار إليه يميز الليبيين عن الأجانب بالنص في المادة الثانية منه على أن العمل ((حق لكل المواطنين ذكوراً وإناثاً وواجب عليهم))، ويفهم من ذلك أنه من الناحية الاقتصادية إذا كانت هناك بطالة فتكون الأولوية في التوظيف لليبيين عند تساوي المؤهل والخبرة والكفاءة، وهذا التمييز مقبول وهو معمول به في الدول المتقدمة مثل بريطانيا وغيرها بل إن تلك الدول تدقق وتشدد على أسباب دخول أراضيها من قبل أي أجنبي عندما يطلب تأشيرة دخول.
4- من الناحية الاقتصادية فإن ليبيا تحتاج للعمالة الأجنبية على كافة المستويات ولذلك أستغرب هذا الحظر وخاصة أن قرار السيد وزير الاقتصاد لم يوضح ما يبرر الاستثناء من المادتين 1، 2 من قانون علاقات العمل وهما صريحتان كما ذكر سابقا.
كذلك صرح الخبير الاقتصادي “محمد الطاهر يوسف” لصحيفة صدى الاقتصادية حصريًا في ذات الموضوع، حيث قال: منشور وزارة الاقتصاد في ذاته تنظيم لدور العمالة الوافدة ولكن السؤال الذى يفرض نفسه ممارسة الوافدين للأعمال المختلفة وتواجدهم في حلقات الاقتصاد الوطنى نشاهده منذ زمن والمؤسف أن مشاركتهم دون ظوابط رغم أن أجورهم جدا معقولة وفى ظنى أن فئة قليلة من العاملين الأجانب فقط تخضع لقانون الضرائب في حين يشاركون المواطن فى شرائح (سلع + خدمات) مدعومة .
قال كذلك: والملاحظ أن هذا المنشور الذى أصدره السيد وزير الاقتصاد صدر منذ سنة ولم نرى له أثرٍ على الأرض واللوائح والقوانين أيضًا واضحة ولكن رأينا التعدى عليها في وضح النهار وعلى عيون كل الأجهزة الضبطية، يا ترى ما الذى يجعل الأجهزة الرقابية والضبطية غير قادرة على إلزام العمالة الوافدة الالتزام بقواعد التواجد على أرض الوطن من خلال إتباع الإجراءات الواجبة للتواجد .
أستطرد بالقول: في ظني أنه غياب واضح وتقصير من أجهزة الدولة فى معالجة أمر العمالة الوافدة أو العاملين الأجانب لظروف عدة منها عدم تنظيم الدخول من خلال إصدار تأشيرات أو التسجيل عند الدخول ومعرفة طبيعة العمل ومكان العمل والإقامة بما يضمن عدم التعدى على القوانين وعدم مصادرة حقوق المواطن وغياب أجهزة الدولة عن متابعة نشاطاتهم وتسفير من تراه مخالف للقوانين واللوائح .
ختم الحديث قائلًا: الأمر في تصورى لا يكفيه منشور من وزارة أو رأى من ناشط سياسى أو اعتراض من مواطن الأمر يحتاج إلى إعادة بث الروح فى الأجهزة على كل المستويات وإلزامها ممارسة واجباتها دون تقصير وفقًا للقوانين السارية على كل تراب الوطن بل تمكينها من الإمكانيات المادية للقيام بعملها على أكمل وجه، ناهيك على ضرورة توعية المواطن ذاته فى شأن التعامل مع الوافدين أو التستر عليهم أو مشاركتهم دون موافقة مسبقة من السلطة المختصة، وفى جميع الأحوال علينا الإقرار بأن إعمار الوطن بحاجة للعمالة الوافدة في غياب عمالة محلية كافية خاصة في مشاريع التنمية وبالتأكيد العمالة الوافدة من الدول المجاورة (دول شقيقة وصديقة) هي عمالة متوفرة بل والأقل تكلفة ولكن يجب أن تكون عمالة ماهرة تكون بصماتها ظاهرة على سلم التنمية الاقتصادية، وليست جموع قادمة فقط للاستهلاك .
ومن جهته قال عضو مجلس نقابة محاميين طرابلس “علي مروان” في تصريحه: هذا القرار يعتبر قرار جيد ومن المفترض أن يصدر قبل هذا الأوان خاصةً وأن هذه النشاطات التي نص عليها القرار تحتاج إلى تراخيص مزاولة حيث أن مزاولتها بدون تراخيص تشكل جرائم في القانون الجنائي، كما أن القانون التجاري نظمها في جوانب أخرى، وبالتالي فإن إقامة الأجانب داخل الأرض الليبية لا تتيح لهم ممارسة مثل هذه الأعمال خاصةً البيع والشراء ونقل الملكية، فهذه التصرفات تخص الليبيين والذين يحملون الجنسية الليبية وأغلب هذه التصرفات مرتبطة بشرط توافر الجنسية الليبية.
مُضيفاً: وهناك نقطة ثانية فيما يتعلق بالمحلات التجارية والمخابز وغيرها، وبالذات المخابز فهي مسألة مربوطة بالأمن الغذائي وهو مربوط بالأمن الوطني أو القومي، وكذلك القيام بأعمال الوساطة العقارية، ولا أتصور أن يكون هناك شخص أجنبي يقوم بوساطة عقارية خاصةً وأن القانون الليبي يمنع تملك الأجانب للعقارات وما بالك التوسط في البيع والشراء العقاري .
قال كذلك: هذه الأمور من المسلمات ولكن واقع الحال هو ما جعل وزير الاقتصاد والتجارة يُصدر هذا القرار باعتبار أن هناك من الأجانب يزاولون هذه المهن وبدون ترخيص.
اختتم بالقول: الأولى الآن هو ضبط كل من يخالف، ومنحهم هذا لا يعني أنهم يقومون بهذه الأعمال ولكن يجب تقنينها وتطبيق الجزاءات حتى يحد من مخالفة الأجانب لهذه النصوص القانونية والقرارات الصادرة من وزارة الاقتصاد.
وعلق الخبير الاقتصادي “عزالدين عاشور” في ذات السياق قائلًا: وجهة نظري حظر بعض المهن على الأجانب أمر لايتم بهذه الطريقة الأصل أن كل المهن يمارسها كل الناس سواء المحليين أو غير المحليين ولكن الدولة ينبغى أن تنظم دخول الأجانب إليها عبر الوسائل المتعارف عليها عالمياً، إما عن طريق تأشيرات العمل أي تكون لديه تأشيرة عمل أو للمقيمين إقامة دائمة المفترض أن يُسمح لهم ممارسة أي عمل .
مُضيفاً: جعلوا المشكلة تتفاقم ومن بعد يتم منعهم بقرارات إدارية وهذا غير صحيح، أي عند القول بأن بعض المهن يحظر ممارستها من قبل الأجانب مسألة صعب تطبيقها، ولكن قد تم منذ البداية تنظيم دخول الأجانب بتأشيرات عمل منضبطه والسماح لهم بإقامة دائمة وممارسة الأنشطة الموجودين فيها، كما أنه لا يوجد دولة في العالم تمنع بعض المهن على الأجانب.
وقال خلال حديثه أيضًا: الأجانب موجودين في كل الدنيا في إمريكا وكندا وألمانيا وغيرهم من الدول، ولكن أحيانًا الأجنبي يتم الاستفادة منه ولكن يتم من قبل تنظيم تدفق العملة الأجنبية عن طريق نظام التأشيرات ومن بعد يمارس المهنة، وعلى سبيل المثال إن تم إعطاء الأجنبي تأشيرة سياحية وقام بالعمل داخل دولتك حينها عاقبه حيث يعتبر مخالف للقانون لكن هذه الطريقة أعتقد من الصعب تطبيقها أيضًا حتي من ناحية إنسانية ليست لائقة، كما أن كل الدول تسمح بالإقامة الدائمة وممارسة أي نشاط.
وبحسب “عاشور” فإن القرار كان ينبغي أن يُخصص فيه الحظر على الذين لا يملكون تأشيرات عمل ويمارسو الناشط الاقتصادي فقط .
وفي تصريح الخبير الاقتصادي “وحيد الجبو” لصدى قال: القرار صحيح وفي وقته ولكن آليات التنفيذ صعبة، حيث إن ضعف الإدارة الرقابية أدى إلى استمرار العمالة الأجنبية في الأعمال التجارية حتي الآن وعدم تنفيذه وخاصةً العمالة الأفريقية المنتشرة بشكل واضح في كل نواحي البيع والشراء وفي كل الأسواق الليبية .
وبحسب “الجبو” فإن الصحيح هو تنظيم دخول العمالة الأجنبية بالتأشيرة والبطاقة الصحية، وليس كما يحدث الآن من فوضي واختلاط الهجرة غير الشرعية وهم عشرات الآلاف زاحفين من جنوب البلاد عبر الحدود الليبية مع القادمين للعمل وبدون جوازات السفر أو أي أوراق ثبوتية
وكذلك المطلوب هو الضغط على كبار وصغار التجار وشركات التسويق لتفضيل العمالة الليبية قبل الأجنبية
وتحرير عقود عمل رسمية للعمال الليبين لحماية حقوقهم،
وليس كما يجري الآن حيث يوظف العامل الأفريقي بالدرجة الأولي لأعمال البيع والشراء بحجة أن الليبين لا يعملون وكسالي والأفريقي يقبل أقل الأجور.
ختاماً علق “الجبو” قائلًا: يجب أن تكون الأفضلية لليبيين وبعقود، والعقد شريعة المتعاقدين وفي حالة إخلال العمالة الليبية بشروط العقد يمكن السماح للمحلات التجارية الاستعانة بعمال دول الجوار .
وفيما يتعلق بذات القرار تحدثت المحامية “ثريا الطويبي” في تصريح حصري لصحيفة صدى الاقتصادية قائلة: بتاريخ 23 مايو 2022 أصدر وزير الاقتصاد والتجارة القرار رقم 508 والذي نص على تنفيذًا لأحكام التشريعات المنظمة للنشاط التجاري القاضية بحظر مزاولة كافة الأنشطة التجارية بالتجزئة أو بالجملة على غير الليبيين، وعلى أن تتولى مكاتب الحرس البلدي ومكاتب التفتيش العمالي وكافة الجهات الضبطية اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما يتم ضبطه من مخالفات”.
قالت كذلك: وبالرجوع للقانون رقم 23 لسنة 2010 نجده لم يحظر النشاط التجاري على الأجانب إلا في التشاركيات التي نص على أن يكون كل الشركاء ليبيين، كما نص في المادة 9 فقرة 2 على أن يفترض في الزوجة الأجنبية التي تحترف مزاولة النشاط التجاري داخل الجماهيرية إنها تمارسه بإذن زوجها وهذا يؤكد سماح القانون الليبي للأجانب بمزاولة النشاط التجاري بدون تحديد، هذا وقد نصت المادة 2 من القانون رقم 10 لسنة 1989 بشأن حقوق العرب المقيمين بليبيا على أن يكون للعرب المقيمين في ليبيا كافة الحقوق والواجبات المقررة للعرب الليبيين، وهذا يمنح الحق لحاملي الجنسيات العربية بالعمل في ليبيا وممارسة النشاط التجاري.
وبحسب “الطويبي” فإن اللجنة الشعبية العامة في سنة 1990 قد أصدرت القرار 49 بشأن الضوابط المنظمة لحقوق وواجبات العرب في ليبيا والذي نص في المادة 5 للعربي المقيم في الجماهيرية العظمى أن يتقدم إلى الجهة المختصة للحصول على رخصة لمزاولة عمل أو مهنة أو حرفة أو صناعة في الداخل وذلك على النحو الذي تحدده اللوائح المنظمة للرخص، وبالتالي كان على الوزير أن يستثني العرب من القرار.
استطردت بالقول: وإذا نظرنا إلى العاملين بالمحال التجارية فهم لا يعتبرون تجارًا ولا يمارسون أعمالًا تجارية إنما هم عاملون بأجر، إبتداءً من الشيال وحتى العامل الذي يحصل المال ويسلم البضاعة نيابة عن صاحب العمل، ما هم إلا عُمال بأجر وليسوا تجارًا يمارسون عملًا تجاريًا، ولكن من مبدأ الدفع بالليبيين للعمل الخاص وممارسة النشاط التجاري بالأصالة فكان من الواجب أن يعمم بالالتزام بالضوابط التي حددها القانون وتنظيم العمالة الوافدة بمنح الإقامة وأخذ الإذن بالعمل والقيد في مكاتب العمل واتخاذ الإجراءات التي يقررها القانون كما نص عليه قانون العمل رقم 12 لسنة 2010، وهذا ما يتم في كل العالم.