| مقالات اقتصادية
خاص.. “الزنتوتي”: المصارف التجارية دعامة لاقتصاد الوطن وليست طوابير للسيولة وملاذاً للفساد
كتب الخبير المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً قال خلاله:
كلنا نعي دور القطاع المصرفي في الاقتصاديات الوطنية وبدون الدخول في التأطير النظري فهي ببساطة الوسيط بين أصحاب المدخرات من أفراد ومؤسسات من جهة ومقترضي هذه المدخرات (الأموال) من جهة أخرى .
أي أن المصارف التجارية تقوم بقبول الودائع ومنح التمويل للمستثمرين وعن طريق قروض مضمونة أو شبه مضمونة، وهي من تدير هذه الحلقة التمويلية بين المدخرين الصغار والمقترضين وذلك وفقاً لمعايير وأسس فنية تدير من خلالها المخاطر والتحوط لها وفق تلك الأسس والمعايير .
أما في مصارفنا الليبية (عامها وخاصها) (التقليدي منها والإسلامي) وفي معظمها وربما (كلها) ما هي إلا خزائن لجزء محدود من الكتلة النقدية، ولا تقوم بأي دور سواء إستلام المرتبات أو بعض الخدمات والتي من بينها فتح الإعتمادات المزورة وغسل الأموال وخدمة ملاكها الرئيسين بإستغلال أموال مودعيها في تغطية اعتمادات لصالح مالكيها أو أصحاب السلطة والسلاح .
مصارفنا العامة أصبحت تعج بالموظفين الذين لا يعرف معظمهم حتى أبسط قواعد بازل والفاهم منهم سمع ببازل كمدينة سويسرية ربما لا يعرف أنها مدينة تلتقي فيها سويسرا وألمانيا وفرنسا، ولا أعمم .
مصارفنا العامة تعيش تحت نقيضيّ المالك والمراقب فالمالك هو المراقب وما يريده السيد (الكبير أقصد به وصفاً وليس إسماً كبير المركزي) يتم تنفيذه فهو الحكم والخصم ويا مصيبة من يقول لا فلا أحد يجرؤ على قول لا وإن خرجت من فاه أحد بغير قصد فالويل له وتشكيل لجنة إدارة مؤقتة هو الحل السريع ولا أعمم .
مصارفنا الخاصة أيضاً بين المطرقة والسندان مطرقة المركزي والذي يضرب بها كل من لا يأتي في طوعه وسندان (المساهمين الكبار) الذين لا هم لهم إلا تحويل ودائع المودعين إلى أموالاً لهم، يتاجرون بها ويغسلون محرماتهم بأموال حلال ولا أعمم .
وأما مصارفنا (الإسلامية) فهذه لها شأن آخر الإسلام دستورها والإستغلال ديدنها ولا أعمم أكرر لا أعمم، والاستثناء دائماً موجود وعلى محدوديته .
يا سادة هل تعلموا أنه في كل قوانين العالم المصرفية إذا طلب صاحب حساب جاري أي مبلغ من حسابه نقداً ولم يفئ المصرف به فإن له الحق في المطالبة بإعلان إفلاس المصرف .
نحن نجد من يقف في طوابير طويلة ولساعات على أبواب المصارف لكي يستلم جزء من مرتبه والذي يتحدد وفقاً لقرار إداري من المصرف الشيوخ والعجائز وأحياناً تسمع أصوات الرصاص من هنا وهناك .
سادتي الأفاضل نطلب من المواطن أن يودع أمواله بالمصارف ونجعل من المستحيل أن يتصرف بها فالمواطن يكتنز ( الكاش ) في منزله لكي ينعم بحرية التصرف فيه وهو لا يعلم ( أو يعلم ) بأن كل دينار يكتنزه نقداً يفقد جزء منه كلما زاد التضخم ويفقد فرصة إستثمار بديلة من شأنها توفير دخل إضافي له فهو يفضل اختزان ديناره بدلا من مرمطة الوقوف في الطوابير .
هذه حقيقة بنوكنا فلا تحكمها معايير ولا سياسات ولا مساهمة بأي شكل كان في إرساء أي نوع من التنمية المستدامة، أكاد أجزم أن معظم بنوكنا وإذا ما طبقنا عليها بعض المعايير الأساسية المصرفية والمحاسبية ومعايير الحوكمة والامتثال، فإنها تخضع لإفلاس إجباري .
لابد لنا من وقفة دقيقة ومهمة مع مصارفنا وإعادة هيكلتها ليكون لها دوراً أساسياً في الاقتصاد الوطني، ولعلي وبشكل مختصر أرى ما يلي:-
أولا: إعادة هيكلة الملكية للمصارف العامة وذلك بفصل الملكية عن الرقابة وأقترح كمرحلة أولى تكوين شركة قابضة تملك كل مساهمات المركزي في البنوك التجارية تملكها وزارة المالية ثم كمرحلة لاحقة يتم خصخصتها وبيعها للمستثمرين الخواص وبأسعار عادلة .
ثانيا: إعادة هيكلة المصارف من حيث مساهمتها في الإقراض النظيف والمضمون لكل قطاعات الأعمال بالاقتصاد الوطني .
ثالثا: تطبيق المعايير المصرفية الدولية والمعايير المحاسبية الدولية وخاصة معايير بازل جميعها ولو بشكل تدريجي .
رابعاً: ضرورة تحديد أدوات الإقراض، ولتكن على نمط المنتجات الإسلامية والتقليدية وترك الخيار للمقترض.
خامسا: بعد فصل الملكية على الرقابة، عندها فعلا يكون المركزي كبير في مراقبة المصارف وتعزيز دوره في التأكد من ملاءة المصارف المالية والإدارية والامتثال لقواعد الحوكمة.
سادسا: ضرورة تفاعل الحكومة مع ضرورات دور المصارف الحيوي في سوق الإقراض والتنمية وذلك بتفعيل وسائل الضمانات وأهمها تفعيل التسجيل العقاري .
سابعا: مع أنني أعي خطورة التلاعب بالتسجيل العقاري تحت ظروفنا القائمة، إلا أن تفعيل التسجيل العقاري ضروري ومهم ولنتركه مركزياً مرحلياً، وضبطه بمنظومة إلكترونية ذات أمن سيبراني متكامل وتحت إشراف مجموعة من المختصين الصادقين .
ثامنًا: لابد من تفعيل وتكوين اللجان المختصة الحاكمية والامتثال والمراجعة والمخاطر والإقراض وغيرها كلجان إدارة متخصصة في المصارف وتحت إشراف مجالس الإدارة .
هذه بعض الخطوات التي يجب أن تُتخد وغيرها كثير لعل المقام لا يسع إلى ذكرها، وبهذه المناسبة أدعو الجهات المختصة للإعداد والقيام بمؤتمرات وندوات مكثفة بخصوص إعادة هيكلة مصارفنا التجارية للقيام بدورها المأمول .