قال أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية “أ.د.عمر زرموح” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية: استيراد الوقود بالمبادلة وقضية رفع الدعم بصرف النظر عن رسالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط المشار إليها في كتاب المحافظ فإني على يقين بناءً على تقرير ديوان المحاسبة لعام 2022 أن هذه المؤسسة أصبحت ترعى العبث بحقوق الشعب الليبي في ثروته النفطية من خلال استيراد النفط بالمقايضة، ومن خلال التهريب الذي تجاوز كل الحدود، وهنا أطالب النائب العام بفتح تحقيق مع المسئولين في المؤسسة وفي شركة البريقة وتطبيق القانون رقم (2) لعام 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية، وفي الأثناء أطالب الحكومة بكسر الجمود في مسألة رفع الدعم بالبدء، كما ذكرت في مقالة سابقة برفع سعر المحروقات بنسبة %67% وبالتوازي العمل على حماية الحدود من انتهاكات المهربين، إن حماية الحدود يجب أن تكون فوق كل الخلاقات السياسية بحيث يتولى كل طرف حماية الحدود التي يسيطر عليها ذلك أن ليبيا هي وطننا جميعاً وأن النفط هو حق للشعب الليبي بأكمله دون تمييز وأن تهريبه هو ضياع الحقوق كل فرد من أفراد الشعب الليبي.
قال كذلك: إن تخصيص ما يعادل 8.5 مليار دولار لاستيراد الوقود بالمبادلة هو في تقديري العبث بعينه، وبدلاً من أن يعترض المصرف على هذا نجده يعتبره من المسلمات وكأن شيئاً لم يكن، إن استيراد الوقود يجب أن يمر عبر القنوات المتعارف عليها قانوناً وأن يخصص لها المبلغ المعقول القريب مما كان ينفق خلال السنوات الماضية، إن مثل هذا العبث يمثل مشكلة لا يجوز للحكومة أن تسمح بتكرارها مهما كانت الظروف ويجب على المؤسسة الوطنية للنفط أن تذعن لقانون النظام المالي للدولة ولوائحه، وأصول وقواعد الإنفاق الحكومي ولا يجوز لها أن تتجاوز المخصصات المعتمدة في الميزانية بأي حال من الأحوال.
مُضيفاً: تحديد حجم الاحتياطيات من النقد الأجنبي
المقصود باحتياطيات النقد الأجنبي المملوكة للدولة الليبية القطاعين العام والخاص مجموع صافي الأصول الأجنبية الظاهرة في قائمة المركز المالي للمصرف المركزي والقوائم المالية للمصارف التجارية الليبية مضافاً إليها صافي الأصول الأجنبية الخارجية أي الموجودة خارج ليبيا مثل الشركات التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار خارج ليبيا، والمقصود بالأصول الأجنبية هي كل العملات الأجنبية القابلة للتحويل وما في حكمها مثل الذهب ووحدات حقوق السحب الخاصة والأسهم والسندات الأجنبية وأذونات الخزانة الأجنبية بصرف النظر عن الغرض من اقتنائها، ويلاحظ أن خطاب المحافظ عن احتياطيات النقد الأجنبي ينحصر في تلك الظاهرة في قائمة المركز المالي لمصرف ليبيا المركزي مستبعداً المصارف التجارية رغم أنها تقع تحت سلطته النقدية وفقاً للقانون، وعلى هذا الأساس سوف يؤخذ في الحسبان هنا احتياطيات النقد الأجنبي لكامل الجهاز المصرفي شاملاً المصرف المركزي والمصارف التجارية، وسوف أستبعد ما يتعلق بالمؤسسة الليبية للاستثمار من أصول أجنبية تقع خارج ليبيا لعدم توفر بياناتها لدي حالياً، وبالاطلاع على النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي عن الربع الرابع نجد من الجدول رقم (3) أن صافي أصول النقد الأجنبي في 2023/12/31 كانت 394.0801 مليار دينار لدى المصرف المركزي يضاف إليها 10.2650 مليار دينار لدى المصارف التجارية أي ما مجموعه 404.3451 مليار دينار وباستخدام سعر الصرف 4.7873 دينار للدولار كما هو معطى في ذات التاريخ بالجدول رقم (35) يتضح أن قيمة هذه الأصول الأجنبية 84.4620 أو لأقرب رقم صحيح 84 مليار دولار وهو نفس الرقم الذي أعلنه رئيس الحكومة ولم ينفه المحافظ وإن كان قد وصفه بأنه غير دقيق، وربما يقصد بعدم الدقة اختلافه عن قيمة صافي الأصول الأجنبية بعد استبعاد المصارف التجارية التي لديها من هذه الأصول ما يعادل (10.265) 4.787 = 2.1442 مليار دولار)، ومما يجب ذكره هنا أن احتياطيات ليبيا في التاريخ المذكور أكبر من
84 مليار دولار لأن هذا الرقم لا يشمل الأصول الأجنبية الخارجية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وفي هذا السياق يلاحظ أن الخطأ بالمصرف قد قال إن هذه الاحتياطيات من النقد الأجنبي (84) مليار دولار) لا يملكها المصرف المركزي كلها وإنها ليست كلها قابلة للاستخدام مثل غطاء العملة وأن القابل للاستخدام ينحصر في الاحتياطي الحر (أو السائل) وقيمته فقط 29 مليار دولار وهو لا يكفي من وجهة نظره.
تابع بالقول: يمكن التعليق على هذه الفقرة الأخيرة كالآتي:
1/ إن من المسلم به بوجه عام هو أن أي أصل نقدي أو مالي بل حتى الأصل الثابت يمكن أن يكون قابلاً للتحويل إلى أي شكل آخر من أشكال الأصول وأن المشكلة في ذلك لا تكمن في عدم إمكانية التحويل بل في تكلفة هذا التحويل التي قد ترتفع أو تنخفض بحسب الظروف. ومن المؤكد أنه إذا ألجأتنا الضرورة لذلك فإن مبدأ الرشد الاقتصادي في إدارة الأموال يجعلنا قادرين على اتخاذ القرار
الصحيح.
2/ أخذاً في الحسبان النقطة السابقة، دعنا نعتبر المقصود بعدم القابلية للاستخدام مساهمة ليبيا في صندوق النقد الدولي، هذه المساهمة موجودة ضمن غطاء العملة ولم يقل أحد باستخدامها لغرض آخر، وعلى كل حال فهي ذات قيمة صغيرة نسبيا ما يعادل 788.8 مليون دينار وفق آخر بیان نشر عنها في النشرة الاقتصادية للربع الثاني من عام 2016 وهذه القيمة تساوي 0.71% من صافي الأصول الأجنبية في ذات التاريخ، أما بقية عناصر غطاء العملة فهي تختلف ويفترض أنها قابلة للاستخدام بتحويلها إلى أي شكل من أشكال الأصول الأخرى، بل وتخفيضها من غطاء العملة ذاته، ولتوضيح هذه النقطة الأخيرة دعنا نفترض على سبيل المثال، أن إحدى الشركات المحلية طلبت من مصرفها التجاري فتح اعتماد بقيمة 10 مليون دولار مما يلزما أن تدفع حسب الإجراءات المتبعة حالياً 50 مليون دينار مقابل ذلك بفرض أن سعر الصرف 5.00 د.ل. $)، وبذلك يقوم المصرف التجاري بشراء هذه الدولارات من المصرف المركزي وتحديداً من إدارة العمليات المصرفية وللتبسيط سأتجاهل العمولات واختلافات أسعار الصرف بين التجاري والمركزي)، يدفع التجاري لإدارة العمليات المصرفية مبلغ 50 مليون دينار ويحصل على 10 مليون دولار. تدخل 50 مليون دينار الإدارة العمليات المصرفية وسيكون هناك احتمالان؛ الأول: إذا كان المركزي يحتاج للسيولة النقدية بالدينار فسوف يبقى المبلغ في هذه الإدارة ولن يتأثر غطاء العملة والاحتمال الثاني: أن المركزي لديه ما يكفي من الدينارات لتسيير أعماله فتحيل إدارة العلميات المصرفية 50 مليون دينار لإدارة الإصدار مقابل 10 مليون دولار تسحب من غطاء العملة وبالتالي تصبح إدارة العمليات المصرفية متوازنة لا لها ولا عليها من الناحيتين النقد المحلي والنقد الأجنبي)، وأما إدارة الإصدار فتقوم بتخفيض قيمة العملة المصدرة بما يعادل 50 مليون دينار وبالتالي يتوازن لديها مجموع الأصول مع مجموع الخصوم، أي أن غطاء العملة قد يستخدم بالشكل المذكور والمسألة تعتمد على إدارة المصرف المركزي لأصوله، وهذا الاستخدام لا ينفي أن غطاء العملة ليس من حقوق الملكية للمصرف المركزي فهو بالتأكيد من حقوق من يحملون العملة المصدرة فهم عندما يعيدون جزءاً منها للمركزي فإنما يسترجعون جزءاً من حقوقهم، وهذه النقطة الأخيرة تثبت كيف يخسر حامل الدينار أمواله عند
تخفيض قيمته.
3/ الوجه الآخر للاستغراب القول بأن هذه الاحتياطيات لا يملكها المصرف كلها. وللتوضيح أقول إن المصرف المركزي يدير الأصول الأجنبية وكل موجوداته بصرف النظر عن ملكيتها، وللتوضيح أكثر نعلم أن وحدة القياس في القوائم المالية للمصرف هي الدينار الليبي وليس الدولار أو غيره من العملات الأجنبية، كما أن الملكية تقاس بحقوق الملكية في جانب الخصوم وليس بموجودات بعينها في جانب الأصول أي حتى حقوق الملكية هي ملكية على المشاع وليست ملكية أصل بعينه، وعلى هذا الأساس دعنا نطرح الموضوع بشكل آخر في السؤال الآتي: كم حجم أصول المصرف المركزي التي يديرها وكم يمتلك من تلك الأصول؟ وبالعودة إلى نفس النشرة الاقتصادية للربع الرابع العام 2023 نجد أن الجدول رقم (5) الذي يبين أصول وخصوم المصرف المركزي يبين أيضاً أن مجموع الأصول التي يديرها المصرف كما هي في 2023/12/31 بلغت 587 مليار دينار كما يبين الجدول رقم (6) أن حقوق الملكية 1.5 مليار دينار فقط أي أنه يمتلك نسبة لا تذكر من أصوله التي يديرها وهذا في ذاته شيء طبيعي في القوائم المالية للمصارف، بل ويؤكد حقيقة أن المصرف المركزي يدير هذه الأصول ولا يملكها كلها بل لا يملك منها إلا الجزء اليسير ولهذا يصبح التحجج بعدم ملكية المصرف لكل الأصول الأجنبية ليس في محله. ولقد رأينا سابقاً أن غطاء العملة بالكامل (45) مليار دينار يملكه من يحمل الدينارات المصدرة من أشخاص طبيعيين واعتباريين ومصارف فهو بداهة ليس مملوكاً للمركزي.
4/ في هذا السياق يجب أن أشير إلى أن حقوق الملكية الظاهرة في الجدول (6) بمبلغ 1.5 مليار دينار قد لا تمثل الواقع لعدة أسباب أهمها: (أ) مع الأخذ في الحسبان أن المصرف المركزي ليس مؤسسة ربحية إلا أنه يحقق أرباحاً ولم تظهر هذه الأرباح في حقوق الملكية.
(ب) إن تغيير سعر الصرف في 2020/12/16 أدى مؤكداً إلى وجود فروق إعادة تقييم وهي ينبغي أن تدرج ضمن حقوق الملكية إلى أن تتخذ السلطة التشريعية قراراً بكيفية استخدامها ومع ذلك لم تظهر ضمن حقوق الملكية.
(جـ) أن هناك إشارة إلى وجود احتياطيات أخرى في ذات الجدول رقم (6) لكنها لم تدرج أيضاً ضمن حقوق الملكية، إن المشكلة هنا هي في عدم الشفافية إذ أن كلاً من الأرباح وفروق إعادة التقييم والاحتياطيات الأخرى وهي كلها من حقوق الملكية قد وردت في الجدول رقم (6) ضمن بند مكون من ثلاثة عناصر سمي مخصصات واحتياطيات وخصوم أخرى بقيمة 279.3 مليار دينار ومن ثم يصعب فصل هذه العناصر عن بعضها ذلك أن المخصصات ليست من حقوق الملكية كما أن الخصوم الأخرى تحتاج لتحليل مكوناتها لكي يمكن تصنيفها.
5/ فيما يتعلق بالاحتياطي الحر بقيمة 29 مليار دولار ففي تقديري ليس من الحكمة الاقتصادية أن يحتفظ المصرف المركزي بمثل هذا الحجم من احتياطيات النقد الأجنبي في شكل سيولة نقدية كما ورد في خطاب المحافظ، ذلك أن هذا المبلغ يعد عاطلاً لا يأتي بأي عائد، ورغم أن المصرف المركزي ليس مؤسسة ربحية كما أشير سابقاً وكما هو معروف لكن لابد أن يكون سلوكه في إدارة أصوله اقتصادياً، لذلك فالصحيح من الناحية الاقتصادية هو استثمار هذا المبلغ (29) مليار دولار) استثمارات متنوعة بأجال طويلة ومتوسطة وقصيرة ثم قصيرة جداً لسهولة تسييلها عند اللزوم وأن يحتفظ المصرف بمبلغ من النقد الأجنبي يحدده بناءً على دراسته لمشكلة السيولة الربحية.