Skip to main content
خاص.. "زرموح": اقتصادياً هل فعلاً ليبيا بخير؟
|

خاص.. “زرموح”: اقتصادياً هل فعلاً ليبيا بخير؟

قال أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية “أ.د.عمر زرموح” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية مُعلقاً حول خطاب محافظ مصرف ليبيا المركزي رقم (11/1201) الموجه لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بتاريخ 2024/03/21: تناول خطاب المحافظ جملة من القضايا الاقتصادية المهمة والمثيرة التي تستحق الوقوف عندها ومناقشتها، وفيما يلي نتناول هذه القضايا في إطار ما نعتقد أنه صواب ويخدم مصلحة الاقتصاد الليبي.
أولاً: قضية تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية الاقتصادية في عقد الخمسينات وقبل اكتشاف النفط في ليبيا، قال الاقتصادي الأمريكي بنيامين هيجنز Benjamin Higgins عن ليبيا ما خلاصته إن الاقتصاديين لم يعودوا في حاجة للبحث عن نموذج نظري الاقتصاد الفقر والتخلف، فهذه ليبيا تجمع داخل حدودها كل عناصر الفقر والتخلف التي يمكن أن توجد في أي مكان في العالم. وبعد أن عدد أهم هذه العناصر قال: إذا أمكن قيادة ليبيا إلى نمو اقتصادي مستدام فإنه If Libya can be led to a sustainable economic growth, there يوجد أمل لكل دولة في العالم is hope for every country in the world بهذه العبارات القاسية كان الوصف الحقيقي لواقع الاقتصاد الليبي غداة الاستقلال وقبل ظهور النفط، وبقدر قسوة العبارات وقسوة الواقع كان يجب أن يكون التحدي من أبناء ليبيا البررة لخوض معركة التنمية الاقتصادية فماذا حصل ؟ لقد اكتشف النفط وبدأ تصديره ابتداءً من الربع الأخير من عام 1961 ومن ثم تغلبت ليبيا على واحد من أكبر المختنقات التي كان يمكن أن تعرقلها في الإنطلاق نحو تحقيق التنمية الاقتصادية وذلك بأن توفر مصدر التمويل.

مُضيفاً: بالفعل فقد قامت الدولة الليبية باعتماد وتنفيذ الخطة الخمسية الأولى 1963 1968 التي ركزت على البنية الأساسية للاقتصاد فكانت هذه الخطة حقيقة هي الخطوة الأولى الرائعة لمسار طويل يقود لتنويع مكونات الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم تنويع مصادر الدخل وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في كل المجالات، فهل استمر هذا المسار الطويل أم انقطع وتعرقل وفشل ؟


تابع بالقول: اليوم وبعد نصف قرن من الزمان نجد أن الإجابة المرة عن هذا السؤال هي أن مسار التنمية الاقتصادية في ليبيا بالفعل انقطع في عام 1969 ثم استؤنف في عام 1973 ثم تعرقل في عام 1978 ثم أظهر فشله اعتباراً من عام 1982 وثبت لدى كل متابع أن إرادة التنمية لم تكن متوفرة لدى القيادات السياسية بعد عام 1969 ولا تمثل لها أولوية، وذلك رغم المحاولات القليلة التي نفذها بعض المخلصين وخاصة في قطاع التصنيع لكنها كانت محاولات مشتتة غير متكاملة مع بقية قطاعات الاقتصاد فلم تخلق أثراً يذكر على تنويع مصادر الدخل وبقي الاقتصاد الليبي إلى اليوم اقتصاداً ريعياً معتمداً بشكل كلي تقريباً على قطاع النفط. عليه.. وبالنظر إلى الواقع الذي نعيشه وخاصة في السنوات العشر الأخيرة، فإنه قد يصبح من الجدل العقيم أن نتحدث اليوم وتجادل عن رؤية لتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية الاقتصادية، ليس تقليلاً من أهمية مثل هذا الطموح لكن لأنه أصبح الآن خيالاً بعيد المنال بعد أن أثبتنا فشلنا في تحقيقه على مدى 55 سنة (1969-2023) ودخلنا في حروب داخلية وافتعال مشاكل اقتصادية فتغير الواقع المعاش ولم تعد معطياته وأرضيته تدعم الانطلاق للتنمية وهي المعطيات المتمثلة في الانقسام السياسي والمؤسسي والحروب والتشرد والأزمات الاقتصادية المفتعلة مثل القطع المتعمد للنفط، وخلق الأسواق السوداء للنقد الأجنبي ولقد كان من الممكن ألا يسمح بها المصرف المركزي إذا انتهج سياسة رشيدة لسعر الصرف والتزم بتعهده لصندوق النقد الدولي منذ عام 2003 بعدم السماح بتعدد أسعار الصرف وهو التعهد الذي نشاهد الآن أن المركزي ينقضه للمرة الثانية، وإذا التزم المركزي بتحقيق أهداف وظيفته في الاستقرار النقدي بدلاً من خلق الاضطرابات النقدية كما حصل خلال الأشهر الستة الأخيرة، إن التفكير في إيجاد رؤية لتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية الاقتصادية كان أقرب للواقع لو تفضل مصرف ليبيا المركزي بصفته مستشاراً للدولة بهذه الرؤية عام 2012 وليس الآن أي قبل أن تتداخل الأزمات والمشاكل السياسية الحالية التي اجتثت معطيات عام 2012 اجتثاثاً، لقد كان من الممكن أن يبنى على معطيات عام 2012 كل الطموحات والرؤى التنموية الجميلة.

قال كذلك: الآن، علينا أن نعيش الواقع ونتفهم أولوياته وأن نبتعد عن الخيال، إن الانطلاق من الواقع الحالي يحتم علينا وضع الأولويات الآتية:

  1. إنهاء حالة الحرب إلى الأبد.
  2. تحقيق الأمن.
  3. توحيد المؤسسات السياسية والإدارية وعلى رأسها المصرف والسطلتان التشريعية والتنفيذية.
  4. توحيد المؤسسة العسكرية وبناء القدرة على حماية الحدود.
  5. إرساء ثقافة احترام القانون ونقطة البدء في ذلك هي قمة الهرم التشريعي.
  6. الاستفتاء على الدستور الذي تعرقل منذ عام 2017 لا لشيء إلا لأنه يتعارض مع مصلحة شخص. قبل تحقيق هذه الأولويات فإنه لا مجال للحديث بواقعية عن تنويع مصادر الداخل وتحقيق التنمية الاقتصادية. وهذا بطبيعة الحال لا يعطي أي مبرر لأحد أن يخرج عن السلوك الاقتصادي الرشيد في إدارة مؤسسته؛ لا مجلس نواب، ولا حكومة، ولا مصرف مركزي، ولا غيرها فكل هؤلاء، وبصرف النظر عن مشكلة الشرعية، عليهم كحد أدنى، واجب الالتزام بمصلحة الاقتصاد الليبي التي هي مصلحة الشعب بأكمله وليست مصلحة شخص بعينه.
    والخلاصة؛ إن ليبيا فعلاً بخير من جهة توفر الموارد النفطية وغير النفطية التي تمتلكها والتي تؤهلها لحل كل مشاكلها القائمة وتؤهلها بعد ذلك لخوض معركة التنمية الاقتصادية بجدارة. لكنها ليست بخير من جهة العابثين بهذه الموارد المسببين للحروب والمزعزعين للاستقرار الأمني والمصرين على الانقسام المؤسسي والعابثين بالتشريعات إصداراً وتنفيذاً، والمعرقلين للاستفتاء على مشروع الدستور الجاهز للاستفتاء منذ نحو سبع سنوات وليست بخير من جهة المتعنتين الباحثين بإصرار على مصالحهم الشخصية النفعية الضيقة سواء كانوا جاهلين أم متجاهلين لحقيقة أن رفعة الوطن تعني رفعة كل أفراده دون استثناء.
مشاركة الخبر