“أبوسنينة”: المخاطر التي تتعرض لها المصارف التجارية المصاحبة لعملياتها وسبل إدارتها ومواجهتها والحدّ منها

199

كتب: الخبير الاقتصادي “د. محمد أبوسنينة” مقالاً

تتعرض المصارف التجارية، أثناء قيامها بتقديم الخدمات المصرفية، للعديد من المخاطر، صنفتها لجنة بازل للرقابة المصرفية (بازل 2) إلى مخاطر التشغيل، ومخاطر الائتمان، ومخاطر السوق، حيث يرتبط كل نوع من هذه المخاطر بعوامل ينبغي أن تخضع للمتابعة والتقييم المستمر بهدف تفاديها من خلال الالتزام بالسياسات التي يضعها مجلس إدارة المصرف، وعدم تجاوز الحدود الموضوعة لمختلف موشرات السلامة المالية بالمصرف، من جهة، والالتزام بعدم تجاوز السقوف التي تضعها السلطة النقدية للنسب المنفذة للسياسة الاحترازية الجزئية التي تمارسها ادارة الرقابة المصرفية بالمصرف المركزي في إشرافها على المصارف، من جهة أخرى .

وفي هذا الاطار تُلزِم المصارف المركزية المصارف الخاضعة لإشرافها ومراقبتها تطبيق مباديء الحوكمة التي تنص على تكوين لجان تنبثق عن مجلس الإدارة، بعضوية اعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين، حيت صدر عن مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي دليل للحكومة في المصارف الليبية منذ عام 2009 وتطبيقه ملزم لجميع المصارف العاملة، ومن أهم لجان مجلس الادارة التي نص عليها دليل الحكومة لجنة المخاطر التي تتولى مراقبة مخاطر التشغيل ومخاطر الائتمان ومخاطر السوق، التي قد يتعرض لها المصرف، بالإضافة إلى التأكد من عدم وقوع تجاوز للحدود والمدد الزمنية الموضوعة لفجوات الأصول مقابل الالتزامات، كما يعرض على لجنة المخاطر نتائج اختبارات التحمل التي تجرى دوريا لتحديد الآثار المحتملة لما قد يطرا على متغيرات السوق (أسعار الصرف وأسعار العائد)، أو قيام بعد كبار العملاء بسحب ودائعهم كاملة أو نسبة مهمة منها، وذلك من خلال وضع سيناريوهات لهذه المتغيرات وتحديد آثارها على ربحية المصرف، بالإضافة إلى مراجعة وتقييم السياسات المنظمة لمختلف نشاطات المصرف وفي مقدمتها سياسة الرقابة الداخلية والمراجعة والتدقيق، وأمن المعلومات، والتقييم الداخلي لملاءة رأس المال، وخطط استمرارية الأعمال، والتوصية باعتماد سياسات جديدة أو تعديل السياسات السارية وعرضها على مجلس الإدارة .

ومن أهم المخاطر التي تعكف لجنة المخاطر على دراستها، مايعرف بمخاطر التشغيل المترتبة على الأحداث التشغيلية التي تقع أثناء العمل اليومي بالمراكز الرئسية للمصارف أو بالفروع التابعة لها والتي على الإدارة التنفيذية اتخاذ مايلزم حيالها من إجراءات في حينه، وتتولى لجنة المخاطر مناقشتها بشكل دوري وعلى أسس ربع سنوية، من خلال تقارير يعدها قطاع المخاطر الشاملة والإدارات المختصة بالمصرف .

ومن بين الاحدات التشغيلية التي ترتب مخاطر ؛ خيانة الأمانة، الاختلاس، التزوير، السطو، توقف المنظومات، المخاطر المرتبطة باستخدام البطاقات البلاستيكية الإلكترونية الصادرة عن المصرف، العجز بالخزينة الرئيسية أو الخزائن الفرعية، الاخلال بضوابط استخدام بعض وسائل الدفع الإلكتروني، التأخير في تنفيد أوامر التحويل، الإخفاق في متابعة تغدية حسابات المصرف لدى المراسلين (انكشاف الحسابات) وما يرتبه من تعرض المصرف لدفع فوائد، تغدية حسابات بعض زبائن المصرف بمبالغ غير مستحقة لهم بالخطأ، والتعدي على حسابات زبائن المصرف وما يرتبه من رفع دعاوى على المصرف أمام القضاء والأحكام التي تصدرها المحاكم على المصرف، التعدي على الآلات السحب الذاتي التابعة للمصرف وسرقة المبالغ التي تم تغديها بها، تمرير صكوك واردة عن طريق المقاصة ولا يقابلها رصيد يسمح بخصمها لدى الجهات المسحوبة عليها، وتعلية أرصدة حسابات مستفيدة أخرى بقيمتها قبل انتهاء الفترة المحددة للمقاصة أو عدم تقديمها لغرفة المقاصة أصلاً، أو مايعرف بالمقاصة الصفرية، وهي الحالة التي تعرض لها أحد المصارف العاملة وتم اكتشافها في الاونة الأخيرة .

وفي حالة المقاصة الصفرية فان المخاطر المترتبة عليها لا تقف عند المصرف الذي تكتشف به، وإنما يمتد أثرها إلى مصارف أخرى، مما قد يعرض القطاع المصرفي لمخاطر نظامية، وغيرها من الأحداث التشغيلية الأخرى .

هذه الأحداث التشغيلية ترتب خسائر فعلية تتعرض لها المصارف، ومنها ما يستوجب تكوين مخصصات في حينه، كما هو الحال عندما يتعرض المصرف لمخاطر المقاصة الصفرية التي ترتب خسائر فعلية على المصرف، كما ان الإخفاق في الاحتفاظ بنسبة السيولة المقررة أو الإخفاق في الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي الإلزامي المحدد من قبل المصرف المركزي، أو مخالفة أحكام قانون المصارف، يترتب عليه تعرض المصرف المخالف لغرامات مالية وفقا لأحكام القانون رقم ( 1 ) لسنة 2005 وتعديلاته .

ولهذا تولي لجان المخاطر لمنبثقة عن مجالس الإدارة ووحدات الامتثال بالمصارف اهمية كبيرة لمخاطر التشغيل، والعمل على الحد منها، وتناقش مجالس إدارات المصارف التقارير التي تعدها وتعرضها لجنة المخاطر باهتمام كبير وتتخذ حيالها الإجراءات المناسبة في حينه، كما يعتبر من ضمن مسؤليات الرقابة المصرفية بالمصرف المركزي متابعة المصارف والتفتيش الدوري والنوعي عليها للتاكد من الالتزام بأساليب وسياسات ادارة المخاطر وحكومتها، والالتزام بالتعليمات الصادرة عن المصرف المركزي المتعلقة المقاصة، واتخاذ الاجراءات الصارمة تجاه المصارف المخالفة بغية حماية أموال المودعين وسلامتها والمحافظة على حقوق المساهمين بالمصارف، والمحافظة على ملاءة واستقرار القطاع المصرفي، ودرءاً لوقوع مخاطر نظامية قد يتعرض لها القطاع المصرفي بأكمله، وعندما يتبيّن للمصرف المركزي أن المخاطر التشغيلية التي تعرض لها المصرف كانت خسائرها جسيمة، مما يُعرض المصرف لمشاكل مالية تهدد مركزه المالي، عندها قد يلجأ المصرف المركزي لمعاقبة المصرف المعني، و من بين جملة من الإجراءات التي حددها القانون والتي يمكن للمحافظ اتخاذها، إيقاف المدير العام بالمصرف عن العمل أو إعفاء مجلس الإدارة من مهامه، أو كليهما، وتكليف لجنة ادارة مؤقتة للمصرف، وفقاً لأحكام المادة ( 19 ) من القانون رقم (1) لسنة 2015 بشأن المصارف، وذلك دون الإخلال بأحكام المادة ( 62 ) أو بالعقوبات المنصوص عليها في ايِّ قانون آخر .