Skip to main content
"أبوسنينة" يكتب: دعوة لمراجعة المواقف والقناعات لإنقاد الوطن
|

“أبوسنينة” يكتب: دعوة لمراجعة المواقف والقناعات لإنقاد الوطن

كتب: الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة مقالاً

اليْسَ الخوف من الجوع والحروب ( اطعمهم من جوع وامنهم من خوف ) هو اكثر ما يشغل بال الناس ، ويتبع ذلك توفير بقية الخدمات ، ومن خلال استقراء الواقع الليبي ، واستذكار المنعطفات التاريخية التي مرت بها البلاد و ما يحاول البعض عرضه اليوم أو الوصول إليه وتكريسه أو تقديمه كحل وحيد – وهو في تقديري ، مع كامل الاحترام لاصحابه ، لا يعدو  ان يكون لأسباب سياسية ومصالح ضيقة ، ويفتقر لبعد النظر والتفكير الاستشرافي الاستراتيجي .

موقف متأثر إلى حد كبير بحالة الإحباط المتولدة عن المحاولات غير الجادة والمعيبة للتصدي للازمة التي تمر بها البلاد – وهو الدعوة الى تقسيم البلاد إلى ولايات أو العودة إلى النظام الاتحادي الذي عفى عنه الزمن في ليبيا . 

نجد هذه الدعوة  اخطر ما يتهدد امن واستقرار ليبيا ومستقبلها ويعرض حياة الناس لمخاطر غير محسوبة ، ويفتح المجال امام الصراعات المحلية واطماع الدول الاجنبية .

ذلك أن تقسيم البلاد إلى ولايات أو العودة إلى النظام الاتحادي ، تحت أي ظرف ، سيخلق كيانات هشة وغير محددة ، إذ لم تعد الأقاليم التاريخية الثلاثة التي عرفها الليبيون عشية الاستقلال  والتي كانت تحت سلطة الادارة البريطانية والفرنسية والتي أنتجت ثلاث ولايات كونت المملكة الليبية المتحدة هي فقط الأقاليم الاقتصادية التي يجري الحديث عنها اليوم  والتي لن تتردد في المطالبة لتكون  ولايات على غرار طرابلس وبرقة وفزان .

هذه الولايات ستكون فقيرة و عاجزة عن تلبية احتياجات  الناس بها ،  حتى وإن وقع تحت سيطرتها ، بحكم الجغرافيا ، بعض الموارد ، ولكنها  لن تمتلك كل الموارد اللازمة للحياة واستقرارها . وستكون في حاجة إلى ما كانت تتمتع به في السابق في ظل الدولة الواحدة ، ولن تجده سِلماً ، إلا بتكاليف باهظة ، وهي نتيجة تحتمها الجغرافيا والضغوط الاجتماعية والتركيبة السكانية والكيفية التي تتوزع وفقاً لها الموارد الاقتصادية الطبيعية على امتداد رقعة ليبيا الشاسعة .

وليعلم أولئك المنادين بالعودة للنظام الاتحادي أن تركه والتخلي عنه في أوائل الستينيات من القرن المنصرم كان نتيجة لطبيعة الموارد الاقتصادية التي اكتشفت في ليبيا ، وفي مقدمتها النفط الخام ، الذي تقتضي اقتصادياته أن يدار من قبل جهة واحدة ويستفيد منه الجميع ، ولن يجدي تقسيم ايراداته على ولايات ، لأنه لن تكون هناك ايرادات كافية ومستدامة لتقسيمها  ، و لإن جدوى الاستثمار يرتبط بحجم المشروع ، وأن معظم ما يحتاج إليه الناس ويوفر خدمة للجميع ويحقق التنمية  الاقتصادية يتمثل في مشروعات كبرى وسلع عامة غير قابلة للتجزئة .

أما الخدمات المحلية والطرق الزراعية والمياه والصرف الصحي والتنمية المكانية فبالامكان تقديمها  من خلال سلطات محلية وبلدية تعطى صلاحيات واسعة ينص عليها وينظمها قانون الحكم المحلي ويضمنها الدستور ، وقطاع خاص وطني يشارك في انجازها وتنفيذها ، ولا تتطلب إيجاد سلطة تشريعية محلية من غرفتين ومجلس تنفيذي  ( مجلس وزراء  محلي ) وبيروقراطية على مستوى كل ولاية لاقرارها.

كما يقتضي العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الموارد  ( نفط وغاز ومياه وموارد وخامات معدنية طبيعية وإنتاج زراعي وحيواني وثروة سمكية وبحرية ) ووصولها للجميع استغلال هذه الموارد بشكل مشترك ،  وبناء اقتصاد متنوع يشارك فيه ويستفيد منه الجميع ، وفقاً لنظام إداري لا مركزي ، وتكامل استعمالات الموارد في ظل دولة ليبيا الواحدة، وليس المتحدة .

ولا خيار أمام الليبيين إلا العيش المشترك على هذه الأرض والتوافق عليه ، والحفاظ على تماسك الدولة ووحدتها ، وهو الأمر الذي تمليه ظروف الأزمة الحالية وواقع عدم الاستقرار .

ولن يتحقق التعايش المشترك أو الاستقرار في ظل التقسيم أو النظام الاتحادي كما يزعم البعض، والمنطق الاقتصادي يدعو إلى التكامل والاندماج والاستغلال الأمثل للموارد من قبل حكومة رشيدة  لا مركزية ، ومصرف مركزي واحد له فروع وصندوق سيادي واحد يضمن حق الأجيال القادمة وقطاع خاص وطني يقيم المشروعات ويقدم الخدمات .

فلنطالب جميعاً بقيام ليبيا الدولة ( دولة القانون والمؤسسات ) وهو ما تسعى  مختلف الدول المحافظة عليه في عالم اليوم الذي لامكان فيه للدول القزمية الهشة، غير هذا لا يوجد ما يضمن عدم اندلاع الحروب ، والتدخل الأجنبي ، وانتشار الفقر  والبطالة ، والصراع على الموارد من أجل البقاء ، وستكون الكلمة  ، في هذه الحالة ، للمغالبة وليس للتوافق .

مشاركة الخبر