كتب: محمد ابوسنينة الخبير الاقتصادي مقالاً
كانت مداخلتي فى الجلسة الحوارية، في منصة الكلوب هاوس ( clubhouse ) ، على محاضرة الدكتور محمد أحمد الشحاتي حول اقتصاديات النفط الليبي وافاقه المستقبلية ، كما يلي :
- في الماضي لم يكن يعرف الليبيون الكتير عن واقع قطاع النفط في ليبيا، وكان هذا القطاع يمثل صندوق أسود ، وكانت المعلومات والبيانات المتعلقة باحتياطيات النفط والغاز واستثمارات الاستكشاف والتطوير، وحصص الشركات الاجنبية واتفاقيات الشراكة وشروطها واجمالي الايرادات النفطية، مقتصرة على القائمين على المؤسسة الوطنية للنفط بادارتها المختلفة، وقد استمر هذا الوضع منذ اكتشاف النفط والبدء في تصديره في أوائل الستينات من القرن الماضى .
وكانت أول مناسبة يتكلم فيها المسؤلين عن هذا القطاع ندوة عقدت في اوائل التسعينيات حول بدائل استخدام ايرادات النفط ومستقبل الاقتصاد الليبي ، حيت اجتمع لأول مرة خبراء النفط مع خبراء الاقتصاد حول الموضوع .
- كانت البحوث والدراسات الاستشرافية ، حول مستقبل الاقتصاد الليبي في ظل هيمنة النفط على الاقتصاد ، محدودة باستثناء بعض رسائل الماجستير التي يعدها طلبة الدراسات العليا ، التي تناولت بعض من جوانب اقتصاديات النفط وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية في ليبيا .
- لم يتغير نمط التخطيط للتنمية الاقتصادية طوال العقود السبعة الماضية ، حيت كانت الخطط الخمسية التي أعدت وكذلك الميزانيات العامة للدولة لا تعدو تمرين لتقسيم الايرادات النفطية السنوية على أبواب الميزانية ، فاذا تراجعت الايرادات النفطية تقلص حجم الميزانية وإذا نمت الايرادات لأسباب متعلقة بزيادة أسعار النفط العالمية أو زيادة معدلات التصدير زادت بالتبعية نفقات الميزانية العامة للدولة ، بمعنى أن نمط التخطيط للتنمية كان موجه بالموارد ( resources oriented) ولم يتم اللجوء إلى استخدام أساليب بديلة أو مكملة مثل التخطيط الموجه بالمبادرات والفرص ، مما كرس من الطبيعة الريعية للاقتصاد .
- استمر دعم المحروقات في الاقتصاد الليبي طوال السنوات الماضية ، حتى صارت ليبيا أرخص دولة في العالم في اسعار المحروقات ( البنزين والديزل ) بالرغم من تهريب كميات كبيرة من هذه المحروقات والتي يتم استيراد نسبة كبيرة منها من الخارج.
- محدودية دور القطاع الخاص في قطاع النفط ، لأسباب مختلفة ، ولم يتجاوز دور القطاع الخاص الليبي ولايزال ، انشطة الاعاشة وخدمات التموين والنقل والتأمين ، باستثناء بعض شركات توزيع المحروقات التي اسست امتدادٌ لشركة البريقة لتسويق النفط .
- لم يتطور نشاط التكرير طوال السنوات الماضية ، حيت ظلت مجموعة الشركات الأربع التي تتولى تكرير النفط الخام تهيمن على السوق المحلى ولم يتم تطوير طاقاتها الإنتاجية واستمر الاقتصاد الليبي يعتمد على الاستيراد من الخارج لتوفير احتياجاته من المحروقات بنسبة تجاوزت 75 % في بعض السنوات .
- لم يشهد قطاع النفط أية استثمارات جديدة بهدف تطوير القدرات الاستكشافية والتخزينية لفترة طويلة من الزمن ، ومعظم الأموال التي تم تخصيصها للقطاع وجهت لأغراض تشغيلية ( مرتبات ومصروفات عمومية … ) ، وهو الأمر الذى أكد عليه المتحدث الرئيسي في الجلسة الحوارية ، مما أدى إلى اهلاك البنية التحتية للصناعة النفطية في ليبيا ، الأمر الذي برتب أثار خطيرة على مستقبل صناعة النفط في ليبيا .
- بعد عام 2011 تصاعدت الاصوات المنادية بتنويع الاقتصاد الليبي والتخلص من الطبيعة الريعية للاقتصاد وهيمنة النفط عليه ، تاسيسا على دراسات سابقة نادت بإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي .
حيت أصبح جليا أن الاقتصاد الليبي لم ينجح في استغلال ايرادات النفط في تطوير مصادر دخل بديلة ، وتعثر برامج التنمية ، وزادت درجةً اعتماد الاقتصاد ( الميزانية العامة للدولة ، والواردات السلعية والخدمية ) على ايرادات النفط ، وزيادات حدة انكشاف الاقتصاد الليبي ، مما رتب جملة من المشاكل والتشوهات ، على النحو التالي :
- عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي ، وتعرض الاقتصاد للمزيد من الصدمات نتيجة الاعتماد على ايرادات النفط التي تتبدد من سنة إلى أخرى ، وعدم الاستدامة المالية للدولة وتراكم واستفحال الدين العام المحلي .
– تعرض الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 للابتزاز ، من خلال التدخل في نشاط استخراج وتصدير النفط ، وأصبح اغلاق الحقول وايقاف ضخ النفط الخام وسيلة لتحقيق مطالب بعض الجهات ، أزمة الهلال النفطي كمثال ، دون تقدير للاثار السلبية على خطوط الإمداد واوضاع الحقول النفطية ، ومما ضيع على الاقتصاد الليبي عدة فرص وحرمانه من مداخيل كبيرة بالنقد الأجنبي ، والتأثير سلباَ في الاستدامة المالية للدولة
- عزز الصراع على تقاسم الايرادات النفطية حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي في ليبيا ، مما عطل جهود التنمية ، وتدخل العديد من الجهات للتحكم في ايرادات النفط والسيطرة عليها وتوجيهها في غياب ميزانيات عامة للدولة صادرة بقانون .
وقد انتهى الحوار إلى تباين في وجهات النظر حول مستقبل الاقتصاد الليبي في ظل قطاع النفط وواقع الصناعة النفطية ، بين من ينادي بالاسراع في البدء في تنويع الاقتصاد رأسيا والتخلص من الطبيعة الريعية للاقتصاد وتحييد النفط ، قبل أن يفقد النفط جزءاَ مهماً من سوقه لصالح مصادر الطاقة النظيفة البديلة والتغيرات التكنولوجية السريعة المحابية للحفاظ على البيئة ، فضلا عن أن النفط في حد ذاته مورد طبيعي ناضب ، ومن ينادي بضخ المزيد من الاستثمارات لقطاع النفط لتطوير قدراته الاستكشافية والتصديرية والتخزبنية ، بهدف المحافظة على الصناعة النفطية والاعتماد عليها كمصدر للدخل ، ويحذر من مخاطر الإسراع في تنويع الاقتصاد على مستقبل الصناعة النفطية .
يحدث هذا ، في ظل الفساد المصاحب للتصرف في الايرادات النفطية ، وعدم الرضى عن كيفية توزيع وتخصيص ريع النفط ، و في غياب نموذج اقتصادي كفوء وشفاف لكيفية انفاق الايرادات النفطية بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة .