كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة عبر صفحته مقالاً بعنوان: المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات والمنظمات العامة والخاصة.
لا يتوقف دور المؤسسات والشركات والمنظمات ( العامة والخاصة على حد سواء) على تحقيق الاهداف التي أنشأت من أجلها والتي تحددها نظمها الأساسية وعقود تكوينها وتراخيص مزاولة نشاطها، وهناك دور اخر مهم لهذه الكيانات يعرف بالمسؤولية الاجتماعية ( social responsibility )، فلا يقتصر دور الشركة التي تزاول نشاطا اقتصاديا ( انتاجيا او خدميا ) على تعظيم ارباح اصحاب حقوق الملكية وخدمتهم وفقا لعقد تأسيسها، وانما هناك مسؤولية اخلاقية واجتماعية عليها القيام باستحقاقاتها ، تفرضها طبيعة النشاط الذي تزاوله والبيئة التي تعمل فيها، وغير أن المسؤولية الاجتماعية تعتمد على المبادرات الحسنة والانتماء الوطني ولا يتم فرضها بقانون.
فلا يكفي أن تقوم المؤسسة او الشركة بدفع الضرائب التي تحددها القوانين السارية إلى الحكومة ممثلة في وزارة الخزانة، او أن تقوم بدفع الرسوم الواجبة على نشاطاتها ، ولا يكفي أن توفر فرص عمل للعاملين بها أو المساهمة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي ، بل عليها واجب اخلاقي تجاه المجتمع الذي تعمل فيه ، ودور في تحقيق التنمية المستدامة .
وتعرّف المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، بأنها ” تقيّد الشركة أو المؤسسة بتنفيذ كافة أعمالها بطرق لا تلحق ضرر بالعملاء او المجتمع ككل، على حد سواء، بالإضافة إلى التزامها بتكريس جزء من مواردها لتحفيز الجهود الوطنية الرامية للتطور “.
والمسؤولية الاجتماعية، تعرف ايضا ، انها عقد بين المنظمة والمجتمع الذي تعيش فيه ، تلتزم بموجبه المنظمة بالقيام بالكثير من الانشطة الاجتماعية مثل : – – محاربة الفقر
-مكافحة التلوث
-ايجاد فرص عمل
-حل الكثير من المشاكل الصحية ، والسكنية ، والمواصلات .
-دعم ورعاية النشاطات الاجتماعية والثقافية والعلمية
ومثل ما هناك مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق المنظمات، هناك مسؤولية اجتماعية للشركات ، وهناك مسؤولية اجتماعية للمؤسسات، العامة والخاصة على حد سواء. ومبعث الاهتمام بالمسؤلية الاجتماعية في مختلف الدول، وخاصة الدول النامية، يرجع لعجز الكثير من الحكومات عن تقديم الخدمات اللازمة لمواطنيها ، فيأتي دور الشركات الخاصة لتعويض هذا العجز، والذي ينعكس ايجابيا على مكانة هذه الشركات في المجتمع وتحسين معدلات ادائها وزيادة ارباحها، من جهة، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، من جهة اخرى .
أنّ ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع هو غياب الاهتمام به ، وقلة الوعي بأهميته، وعدم ادراك بعض القائمين على بعض المؤسسات والشركات للدور الاجتماعي لمؤسساتهم، وثلوث البيئة، وانتهاك حقوق المستهلك والمواطن في كثير من الحالات في مجتمعنا الليبي، فضلا عن عدم وجود مساهمات ملموسة، في اطار خدمة المجتمع، يتم تقديمها من قبل مختلف الشركات والمؤسسات والمنظمات العاملة في ليبيا.
ولم تكرّس الاجهزة الرقابية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني جهودها في سبيل ترسيخ الدور الاجتماعي للمؤسسات والشركات والمنظمات العاملة، وتوضيح اهميته في الحد من انتشار الفقر ومساعدة الحكومات في الاطلاع بمسؤولياتها.
وأن وجدت بعض النشاطات الثقافية و الاجتماعية المحدودة التي تساهم في تنفيذها ورعايتها بعض المؤسسات والشركات، غير انها بعضها لا يراعي قواعد الحوكمة المؤسساتية ، وممارسات ومعايير التشغيل العادلة ، وقضايا المستهلك، وينعكس ذلك في عدم رضا افراد المجتمع عن اداء الكثير من المؤسسات والشركات واتهامها بالفساد والمحاباة ، واتساع الفجوة بين اصحاب هذه المؤسسات والشركات والقائمين عليها والعملاء والمستهلكين والمواطنون بصفة عامة، مع تراجع مستويات المعيشة والخدمات في الكثير من المناطق لعدم تمكن الدولة من تحقيق التنمية المكانية المتوازنة المطلوبة لمختلف الاسباب ، مما زاد من معدلات الفقر والعوز.
ولكون هذه المؤسسات والشركات والمنظمات العامة والخاصة العاملة في ليبيا تعتبر المستفيد الاكبر في نشاطاتها من ايرادات النقد الاجنبي المتولد عن تصدير النفط الخام والغاز ، والذي يعتبر المصدر الوحيد للدخل في ليبيا وملك لكل الليبيين ، فقد صارت مسؤولية هذه المؤسسات والشركات في خدمة المجتمع أمر تمليه مقتضيات المصالح المشتركة لمختلف الاطراف ، وواجب اخلاقي تمليه ضرورات التعايش السلمي المجتمعي في البلاد، وهنا لسنا بصدد الحديث عن ما يقوم به بعض الخيّرين ، كأفراد وبشكل شخصي ، من رعاية للمحتاجين والفقراء من باب الصدقات التي لا يفصح عنها اصحابها ، والتي لازالت قائمة والحمد لله في هذا البلد ، ولا عن ما تقوم به الجمعيات الخيرية من جهود مضنية في خدمة الايتام والفقراء والمحتاجين ورعايتهم.
ما نعنيه هنا هو المسؤولية الاجتماعية المسكوت عنها، والتي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة ، والتي كان على المؤسسات التي تدير الاموال والشركات التي تنتج السلع والخدمات ان تدركها وتقوم بها، واسهاما منها في تطوير المجتمع ، والمشاركة في تحقيق التنمية المستدامة ، او ما يمكن ان نسميه “الضريبة الاجتماعية”.
فهذه مؤسسة تمارس نشاطها بجوار حي سكني لا يناله منها سوى الضوضاء والتلوث السمعي والبصري ، وهذه شركة تمارس نشاطها بجوار قرية او بداخلها ولم تقدم خدمة او تساهم في تدليل مشكلة صحية او مواصلات في القرية او الوسط الذي تعمل فيه او توفر فرص عمل لبعض السكان، وهذا مصرف تنتشر فروعه في وسط الاحياء السكنية ، يحتفظ بأموال الناس لديه بدون مقابل، لا ينال سكان الحي الذي يعمل فيه، او المنطقة ، سوى الزحام وتعطل حركة السير والفوضى المصاحبة لتردد بعض العملاء والتلوث السمعي والبصري . وهذه قرية نائية، في الريف الليبي ، تفتقر الى ابسط الخدمات، ولا توجد بها شبكة لتوصيل مياه الشرب، بل تفتقر لمياه الشرب التي يضطر سكانها لشرائها ونقلها من مسافات بعيدة، وتمر من فوقها الاسلاك الناقلة لكهرباء الضغط العالي او من تحت اراضيها تمتد انابيب نقل النفط والغاز، ولم يلتفت احد لاحتياجات سكان تلك القرية، وهذه شركة تنتشر ابراج تقوية تغطيتها للاتصالات في الاحياء السكنية وفوق اسطح المباني العامة والخاصة، وهذه شركة تعظم ارباحها من خلال تسويق منتجاتها التي تحتكر استيرادها او توزيعها في مناطق شاسعة من الدولة ، ولا تهتم بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه عملاءها والمجتمع الذي تعمل فيه بطريقة شفافة ومنظمة وفقا لقواعد الحوكمة المؤسساتية ، وهذه شركة ترمي مخلفاتها ونفاياتها دون مراعاة لمتطلبات حماية البيئة، ولا تتحمل تكاليف ازالة اثار التلوث الدي تحدته.
ولا يكفي ان تتصرف المؤسسة او الشركة على نحو يتسم بالمسؤولية والمساءلة امام اصحاب حقوق الملكية وتحقق ارباحا لصالحهم متجاهلة لمسؤوليتها تجاه المجتمع، ولكن ينبغي ان تضطلع بمسؤولياتها امام اصحاب المصلحة الاخرى بمن فيهم الموظفون بها والعملاء والحكومة والمجتمعات المحلية وحتى الاجيال القادمة .
موضوع المسؤولية الاجتماعية مقنن دوليا، وليس مجرد ترف فكري ، وتمارسه العديد من الشركات والمؤسسات في مختلف الدول، وتحكمه معايير بما في ذلك معيار ايزو 26000 الذي يقدم مواصفة دولية اطلقتها المنظمة الدولية للمعايير لإعطاء ارشادات حول المسؤولية الاجتماعية ، والتي تستخدمها مختلف المنظمات ( مؤسسات ، شركات، منظمات ) في كلا القطاعين العام والخاص.
وتتمثل الركائز الاساسية التي يستند اليها معيار ايزو 26000 حول المسؤولية الاجتماعية في الآتي:
الحوكمة المؤسساتية
حقوق الانسان
الممارسات العمالية
البيئة
ممارسات التشغيل العادلة
قضايا المستهلك
الاشتراك في تنمية المجتمع
وتهدف هذه الارشادات الى دمج ممارسات المسؤولية الاجتماعية ضمن الخطط الاستراتيجية والأنظمة والممارسات لهذه المنظمات، وتلتزم به العديد من الشركات والمؤسسات الدولية الكبرى في الدول الصناعية المتقدمة وبعض الدول النامية، والدول العربية مثل السعودية، والامارات العربية، والجزائر، ومصر.
وتتخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات في الدول الصناعية اشكال متعددة، كان تقوم شركات تصنيع السيارات بتطوير محركات للسيارات تقلل من انبعاث ثاني اكسيد الكربون بهدف الحفاظ على البيئة، أو تقوم بعض الشركات بالتحول الى مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من الطاقات المتجددة والنظيفة، للتقليل من الاعتماد على الكهرباء التي يتم توليدها باستخدام الوقود الاحفوري، أو التوجه نحو تصنيع الوقود الحيوي، كل ذلك في اطار الالتزام بالمسؤلية الاجتماعية، والمحافظة على البيئة. بالإضافة إلى رصد مبالغ ضخمة لصالح بناء المستشفيات التي تعنى بعلاج الأمراض السرطانية وامراض الاطفال ، وتأسيس وتمويل مراكز للأبحاث لتطوير الادوية ومكافحة الامراض المستعصية.
وهناك مجال واسع ودور كبير يمكن ان تمارسه المؤسسات والشركات الكبرى( الصناعية والخدمية والمالية ) في ليبيا ، شريطة الالتزام بمبادئ حوكمة المؤسسات، ومن بين المؤسسات والشركات ، على سبيل المثال لا الحصر، التي يتوقع ان تؤدي دورا مهما في تنمية المجتمع في اطار المسؤولية الاجتماعية :
- شركات الاتصالات ( المدار و ليبينا )
- الشركة العامة للكهرباء
- المؤسسة الوطنية للنفط والشركات التابعة لها
- الشركة الوطنية للحديد والصلب
- الشركة الوطنية للموانئ
- شركة المنطقة الحرة
- شركة الليبية للطيران القابضة ( الليبية والافريقية )
- الشركة العامة للبريد
- شركات القطاع الخاص الصناعية والتجارية
- المصارف التجارية والاسلامية
- شركات التأمين المساهمة
- المجمعات الصناعية المملوكة للدولة
- شركة الاستثمار الوطني
- الصندوق الليبي للاستثمار
- المجمعات والمركبات السياحية
وذلك بأن تخصص هذه المؤسسات والشركات ، ضمن ميزانياتها التقديرية وخطط أعمالها مبالغ ترصد للصرف منها على اسهاماتها في تنمية المجتمع في اطار المسؤلية الاجتماعية ، على أن تفصح هذه المؤسسات والشركات عن ذلك ضمن ما تعرضه من تقارير و في حساباتها الختامية ، في اجتماعات جمعياتها العمومية السنوية ، لأخذ الموافقة اللازمة ، وفقا لما تقضي به قواعد الحوكمة ، ومن تم تتولى مجالس إدارات هذه المؤسسات والشركات اتخاذ القرارات المنفذة لصرف هذه المبالغ ، وتتولى الإدارات التنفيذية وضعها موضع التنفيذ ، وتظهر ضمن التقارير السنوية لهذه المؤسسات ، تحت بند المسؤلية الاجتماعية .
وإذا كانت اللوائح التي تحكم عمل هذه المؤسسات والشركات لاتسمح لها بالقيام بما تستوجبه المسؤلية الاجتماعية فيجب مراجعة هذه اللوائح وتعديلها على النحو الذي يمكنها من القيام بهذا الدور الاجتماعي المطلوب والمهم.
وإذا كان للمؤسسات والشركات الوطنية التي تم الاشارة اليها دور فعلي قد قامت به في اطار مسؤليتها الاجتماعية تجسد على أرض الواقع ، فيجب ذكره والاشادة به لتقتدي به المؤسسات والشركات الوطنية الاخرى .
ولتحفيز هذه المؤسسات والشركات ، لكي تقوم بدور مهم في هذا المجال ، يمكن إعفاء الجزء من الدخل الذي يخصص للمسؤولية الاجتماعية من ضريبة الدخل التي تجبيها الخزانة العامة على ارباح هذه الشركات والمؤسسات ، وذلك بموجب تشريع يصدر بالخصوص .