شهد هذا الأسبوع نهاية تراجيدية لإرتفاع أسعار صرف العملات بالسوق الموازي الليبي، وقد سجلت أسعار الصرف جميعها انخفاضاً كبيرا وسط عديد علامات الاستفهام عن الأسباب التي قادت الى استرداد الدينار الليبي لمعظم قيمته بشكل مفاجئ
اجراءات حكومية ونقدية
بداية العام بدأ مصرف ليبيا المركزي في اتخاذ عدد من الإجراءات والقرارات لتوفير الدولار للأسر الليبية عبر الاستمرار في برنامج بيع النقد الأجنبي لأرباب الأسر الليبية الذي كان قد سنَّه في عام 2017 بتوفير 400 دولار للفرد الواحد، لكن عام 2018 شهد زيادة في هذه القيمة مخصصاً 500 دولار للفرد والسماح بتحويل المبلغ من حساب الى اخر بشرط أن يكون بذات المصرف ومن المتوقع ان يكون المبلغ لهذه العملية ما يزيد على ثلاثة مليارات ونصف المليار ، وقتها كان سعر صرف الدولار بالسوق الموازي يتراوح ما بين 8 الى 9 دنانير ثم بدأت أسعار الصرف حينها بالاتجاه نزولاً
تزامنت قرارات مصرف ليبيا المركزي مع قرارات اتخذها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عبر وزارة الاقتصاد والصناعة للموافقة على اعتمادات لحوالي 3715 شركة لتوريد مواد مختلفة ومتنوعة بقيمة تقارب 3.5 مليار ونصف المليار رافعة القيود التي كانت تضعها في السابق على كثير من المواد بالإضافة الى إيداع القيم، وقد ألزم الوزارة بتقديم تقارير تفصيلية حول متابعة الموازنة الاستيرادية لعام 2017 والتي قامت بدورها بوضع ضوابط عديدة حول عملية التقدم لنيل الاعتمادات وعدم التغيير فيها أيا كانت الظروف مخاطبة أصحاب الشركات والمصارف التجارية وانشاء منظومة الكترونية للاعتمادات بالتعاون مع مركز التوثيق والمعلومات الاقتصادي وتمكين المصارف التجارية ومصرف ليبيا المركزي من الولوج اليها بسهولة للتحقق على حد سواء، مما رآه البعض محاولة لضبط الوضع المنفلت الذي كان يحوم حول موضوع الاعتمادات المستندية بالسنوات الأخيرة
تهاوي أسعار صرف العملات ” أرآء “
يقول المحلل الاقتصادي “مختار الجديد” الأستاذ بكلية الاقتصاد جامعة مصراته أن القيمة المتوقع صرفها في عام 2018 من قبل مصرف ليبيا المركزي حوالى 7 مليار دولار وهذا ما لم يحدث منذ أربعة سنوات حسب قوله
ويعزز كلام “الجديد” رأي العديد من الاقتصاديين الذي يقولون إن هذه القيمة الكبيرة من النقد الأجنبي التي ينوي مصرف ليبيا المركزي طرحها للتداول لن يستطيع التجار شرائها، وبهذا يفرض المركزي قوته وسيطرته على السوق الموازي ويهبط بالأسعار الى سعر مقارب للسعر الرسمي
رصدنا رأي ” حسني بي” رجل الأعمال الليبي الذي قال إن مشكلة ليبيا الاقتصادية هي عدم وجود سياسة نقدية لدى مصرف ليبيا المركزي، وهو ما سبب في ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق الموازي، ولكن ما نشاهده اليوم من انخفاض سعر صرف الدولار هو بسبب ما يعرضه مصرف ليبيا المركزي من قيمة كبيرة للدولار في السوق الليبي، ولكن نحن نحتاج الى توفير 18 مليون دولار لندخل في استقرار اقتصادي في مستوي دول كالأردن
يقول ” مصباح العكاري” الخبير المصرفي إننا شاهدنا الدولار في اليومين الماضيين بقيمة 4.50 دينار وهي نتيجة فعلية لطرح قيمة 7 مليار دولار في السوق، وهذا ما تدعمه نظرية العرض والطلب، وما يحصل في هذه الأيام أن مصرف ليييا المركزي عرض قيمة كبيرة من الدولارات في السوق بعد عدم طرحه لعامين 2016 و 2017 وهو السبب الرئيسي لإرتفاع أسعار الصرف بالإضافة الى غياب سياسية نقدية وانقسام مصرف ليبيا المركزي
انعكاسات هبوط سعر الصرف على السلع
قال رجل الأعمال ” حسني بي ” إن انعكاسات هبوط سعر صرف بالسوق الموازي ستكون فورية على مستوي القطاع التجاري فنحن نتعامل مع شركات في السوق الليبي خفضت أسعار منتجاتها بنسبة 40 % فورا مضيفا أن سبب ارتفاع الأسعار هو أن سعر الصرف كان في حدود 9 دينار والأن هو في حدود 4 دينار ونحن نتجه في اتجاه افضل
تأثير كارثي على القطاع الخاص
عديد الاقتصاديين يرون أن تأثير سعر الصرف سيكون كارثيا على القطاع الخاص خصوصا في أثارها على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويرون ان هذه مسؤولية مصرف ليبيا المركزي الذي لم يضع استقراراً في سعر الصرف وعرّض التجار الى هذا الخطر الكبير حيث ان كثيراً منهم اشتروا بضائعهم بسعر السوق الموازي واليوم هم يرون هذا الانخفاض الكبير ولن يستطيعوا التعويض ولكن هذا التأثر سيكون خفيفا ويكاد لا يكون موجوداً على أصحاب الشركات الذين تحصلوا على اعتمادات بالقيمة الرسمية وهي 1.40 دينار ..
مستقبل سعر صرف الدولار .
تجمع كثير من الآراء على استمرار انخفاض سعر صرف العملات الاجنبية في السوق الموازي وخصوصا سعر صرف الدولار الذي يتم الاعتماد عليها كثيرا في تحديد أسعار السلع كافة، كما تتفق على عدم رجوع اسعار الصرف التى كانت تُسجل خلال العامين الماضيين 2016 و 2017 وهما اللذان شهدا ارتفاع أسعار الصرف وصولا الى 10 دينار مقابل الدولار الواحد، وسيكون سعر الصرف خلال الفترة القادمة ما بين 5 الى 6 دينار متأرجحا بين السعرين حسب رأيهم
لكن محافظ مصرف ليبيا المركزي ” فرحات بن قدارة” كان له رأي مختلف لما يحصل هذه الايام في السوق الموزاي انخفاض سعر صرف الدولار حيث رأى أن ما حدث من تراجع سريع في سعر الدولار غير ناجم عن سياسة نقدية نشطة من المركزي بسبب عدم وجودها ببساطة حسب قوله معتقدا أن كبار المضاربين في السوق الموازي هم وراء هذا الانخفاض لأسباب تخدم مصالحهم وانهم أحجموا عن الطلب للتأثير في سعر صرف الدولار بالهبوط وذلك ليتمكنوا من جمع ما سيُطرح في السوق من دولارات بسعر متدن وسيتدخلون لطلب الشراء عند السعر الذي يرونه مناسبا متوقعاً أن هذا الانخفاض سيستمر لشهرين، وسيعود السعر الى ما فوق الثمانية دنانير من جديد مضيفاً أن هذه العملية ستؤدي الى خروج التجار الصغار من السوق وزيادة الفوضى النقدية وتعميق حالة عدم الاستقرار مطالبا المركزي بالتدخل وسحب زمام المبادرة من المضاربين عبر اتخاذ سياسة نقدية مرنة والتدخل التدريجي بالسوق عبر ما يعرف بالسعر الخاص .
نهاية أسبوع شهدت هبوط سعر صرف الدولار الى ما دون الخمسة دنانير لأول مرة منذ 2016 وهو العام الذي بدأ فيها سباق صعود سعر صرف العملات المحموم ويتفائل العديد من المراقبين بتحسن المشهد الاقتصادي الليبي وانعكاسه على المواطن الليبي على مستويات انخفاض أسعار السلع وتوفر السيولة المالية فهل ستكون هذه هي نهاية المشهد الأقتصادي المتازم ؟