كتب المدون التقني “أمين صالح”: شهادة موجعة عن قطاع الاتصالات الليبي
أشارككم اليوم شهادة شخصية عن واقع قطاع الاتصالات في ليبيا، وشركات مجموعة القابضة للاتصالات، عن فترة عاصرتها بالكامل.
وإن شهد هذا القطاع انهيارًا في السنوات القادمة، فاعلموا أن مجلس الإدارة للفترة 2021–2024 كان السبب الرئيسي وراء ذلك بفتحه الأبواب لطامعين والفساد والمجموعة الخارجة عن القانىن بشكل مباشر او غير مباشر..
سأستغل الهامش المحدود من حرية التعبير الذي توفر خلال الشهرين الماضيين للكتابة، قبل أن يعود الطغيان مجددًا بصور مختلفة. ويفرض عليّ الصمت، كما فعلت إدارة القابضة للاتصالات في السنوات السابقة، حين لجأت إليها بعد تلقي تهديدات جدية. وللأسف، باركت الإدارة تلك التهديدات بصمتها، بل بمحاولتها منعي من الكتابة.
يعلم الله ومن هم في الدائرة الضيقة أن التهديدات لم تتوقف منذ عام 2019، وأصبحت جزءًا من واقعي اليومي، أتعامل معها بوعي وتقدير حقيقي لحجم الخطر.
لكن ما يميز مجلس الإدارة السابق – بشكل سلبي – عن ما قبله أو بعده، هو أنه فتح أبواب قطاع الاتصالات أمام أطراف غير مؤهلة أو مرتبطة بمصالح خاصة، فحوّل هذا القطاع الحيوي إلى ما يشبه البقرة الحلوب لمجموعة مارقة أحيانًا، أو واجهة لمراكز نفوذ إدارية وسياسية في أحيان أخرى، أو وسيلة لتغذية شركات وهمية لا تقدم أي قيمة حقيقية.
وخلال عامي 2023 و2024، تراجع التركيز على التطوير، وتحسين الشبكات، وخدمات المستخدمين، وتحول الاهتمام داخل القابضة للاتصالات إلى كيفية صرف أكبر قدر ممكن من الأموال. وقد صدرت مراسلات من رئيس المجلس تُلزم شركة ليبيانا بسداد نفقات لصالح القابضة، تخصم من أرباحها، حتى استُنزف الثلث المخصص من الأرباح، ثم بدأوا في استهلاك أرباح السنوات القادمة! التي لم تجنى بعد.
اليوم، نقف أمام مشهد حرج: شركات اتصالات مهزوزة، هشة، تفتقر إلى الرؤية والاستدامة.
ولن أخوض في تفاصيل جميع الشركات، لكن بعضها وُضعت تحت إدارة شركات تستنزف 8% من صافي الأرباح دون مبرر، وشركات أخرى منحت حصريًا خدمات القيمة المضافة (VAS)، وأخرى احتكرت عقود التطوير والدعم الفني، بينما أُقصيت شركات وطنية ذات كفاءة لصالح أخرى تابعة لمصالح معينة.
حتى شركات النظافة، والإعاشة، والسفر والدعاية والاعلان والخدمات، والسياحة نالت نصيبها من العبث. وإن كنا قد سخرنا من “الخروف المحشي” بقيمة 17,500 دينار، فإن ما حدث في القابضة للاتصالات هو فوضى بمليارات الدنانير.
لقد ابتعدتُ عن القطاع نهائيًا في منتصف عام 2023 بسبب تصاعد التهديدات وضبابية المشهد، لكن يؤلمني ما آل إليه حال هذا المجال، ولهذا أضع بين أيديكم بعض النقاط التي أراها ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه:
ما الذي يحتاجه قطاع الاتصالات الليبي اليوم؟
1. تقليص المصروفات غير الضرورية، وخاصة تلك التي لا تسهم في تحسين الخدمات أو تطوير البنية التحتية.
2. إلغاء الحصريات في العقود وفتح المجال للمنافسة العادلة بين الشركات.
3. كسر احتكار القطاع لبعض الخدمات، والانفتاح على السوق بشفافية بعيدة عن الفساد والمحسوبيات.
4. إيقاف تمويل أي مؤسسة حكومية تُغطّى نفقاتها من الخزانة العامة.
5. استعادة الكفاءات والخبرات الوطنية التي تم تهميشها خلال السنوات الماضية.
6. محاسبة الفاسدين ومن تورط في استنزاف المال العام قانونيًا وإداريًا.
7. إلغاء اللجان الشكلية والفوضوية، والإبقاء فقط على ما يخدم العمل ويعزّز الحوكمة.
8. تركيز الاستثمارات على الخدمات التي تحقق عائدًا حقيقيًا، مع تخصيص 10–15% فقط للمسؤولية المجتمعية، لا العكس.
9. تدريب جيل جديد من الكوادر الشابة، وفتح المجال أمام شركات ناشئة صغيرة تتبع القابضة (3–10 موظفين) بدعم من رؤوس أموال مغامرة (VC).
10. الاستقلالية، ثم الاستقلالية، ثم الاستقلالية، وهذا لا يتحقق إلا بدعم حقيقي من الحكومة والجهات الرقابية.
في الختام.. فإن قطاع الاتصالات ليس رفاهية، بل هو عصب التطور الوطني، وركيزة من ركائز السيادة الرقمية والأمن المعلوماتي. ما نراه اليوم من فوضى وقرارات كارثية ليس نتيجة أخطاء عشوائية، بل نتيجة ممنهجة لسوء إدارة وتضارب مصالح، آن الأوان لمواجهته.
هذه الكلمات ليست هجومًا، بل صرخة من شخص كان لسنوات قريبًا من هذا القطاع، ولديه القدرة على الكتابة والتعبير..ويتألم من المسار الذي سُحب إليه بفعل الجهل أو التواطؤ أو الطمع إنقاذ القطاع واجب وطني، وتركه للانهيار جريمة بحق كل ليبي، فإما أن نستيقظ اليوم، أو نتحمل جميعًا وزر الغد