Skip to main content
أمين صالح يكتب: هيئة الاتصالات خارج نطاق الاتصالات
|

أمين صالح يكتب: هيئة الاتصالات خارج نطاق الاتصالات

كتب المدون التقني “أمين صالح” مقالاً قال فيه: هيئة الاتصالات خارج نطاق الاتصالات

عند كتابة مقالة رأي حول تقنية المعلومات، تحاول أن تجمع العديد من الأفكار والأخطاء ووجهات النظر والمشاكل، وتمزجها بالكثير من التجارب والخبرات المحلية والعالمية.

وعند زيارتي الأسبوع الماضي لمنتدى حوكمة الإنترنت بالعاصمة الرياض، سمعت وتداخلت في العديد من النقاشات، وشدتني جملة قالها أحد أفراد مؤسسة برازيلية اسمها CGI تعني بنماذج متعددي المصلحة في تقنية المعلومات. قال: “إن الحكومة والوزارة لا تقودان التطوير والتنمية في تقنية المعلومات والاتصالات، بل المجتمعات هي من تفعل ذلك، ودور الوزارات الناظمة هو تكوين سياسات تنظيمية تطور وتنمي القطاع، وتنسقه مع القطاعات الأخرى“.

أثناء حديثه معي مباشرة، جلت بتفكيري في حالة “الهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية”. بكادر وظيفي يفخرون به، يتجاوز عدد العاملين فيه 2000 شخص، مع ميزانيات بعشرات الملايين تشمل مرتبات ومكافآت وأعمال تطوير. ومع ذلك، الانعكاس وفق ما شاهدته يكاد يكون صفرًا. هناك فروع وسفريات ولجان وتصوير، لكن المخرجات محدودة جدًا.

يظن بعض الموظفين أن الهيئة يجب أن تتاجر وتنافس وتربح، وهذا ما يؤدي إلى نظرة حسد وكراهية تجاه الشركات الخاصة والعامة.

التحديات والمشاكل التي تواجه الهيئة

• ضعف التنسيق بين الإدارات المختلفة داخل الهيئة.

• غياب رؤية استراتيجية واضحة لتطوير القطاع.

• الاعتماد على بيروقراطية زائدة تؤثر على سرعة اتخاذ القرارات.

• تأثير النزاعات السياسية والصراعات المسلحة على أداء الهيئة، ما أدى إلى وجود مراكز قوى داخل وخارج الهيئة من مختلف الأطراف سواء قطاع خاص أو عام أو حتى أفراد، والنتيجة صفر.

• قلة الاستثمار في تدريب وتطوير العاملين.

• الاعتماد على تقنيات قديمة وعدم مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.

• ضعف التحول الرقمي في تقديم الخدمات للمواطنين.

• التوظيف بناءً على العلاقات الشخصية لموظفين غير ذوي كفاءة، بالإضافة إلى تأثيرات قبلية واجتماعية في اتخاذ القرارات، حتى في أبسط الأمور الإدارية مثل الفصل والإجازة، مما يصل إلى التراخيص والرسوم. وأدى ذلك إلى تحول الهيئة إلى مكان لحل أزمة البطالة عبر تغييرها إلى بطالة مقنعة.

• انشغال العديد من الموظفين بتكوين “الترندات” والمشروعات بناءً على الرغبة لا الاحتياج، ودون النظر إلى الأسباب والمسببات والنتائج أو إجراء أبحاث.

• غياب البحث العلمي والميداني والتنسيق فيه، وعدم وجود نتائج حقيقية.

• غياب الشفافية في معالجة شكاوى المواطنين أو استفساراتهم.

• عدم تشجيع الاستثمار في قطاع الاتصالات من قبل القطاع الخاص، مع توجيه الأعمال فقط للقطاعات الحكومية، وهو أمر أشار ديوان المحاسبة الليبي إلى احتمال ارتباطه بالفساد.

• تعيين مسؤولين غير مؤهلين في مناصب قيادية بسبب المحاصصة.

• غياب التعاون مع القطاع الخاص المحلي أو الدولي أو المجتمع المدني وحتى الوزارات داخل البلاد.

• عدم محاسبة المسؤولين عن الإخفاقات الإدارية أو الهدر المالي.

• بطء التحرك في الأوقات الحرجة التي تتطلب استجابة سريعة، نتيجة التكدس الوظيفي وغياب المحاسبة.

الحاجة إلى إصلاح شامل

كثيرة هي الأخطاء التي يصعب على شخص واحد من زاوية واحدة أن يعددها. فما بالك إن تم تكوين تقرير فني رقابي محاسبي عن الهيئة؟ هل سيتم تفكيكها وإعادة بنائها؟ قمت بمحاولات عديدة للإصلاح عبر مختلف المستويات، ولكن للأسف، فشلت حتى في ظل قيادة داعمة لهذه الأفكار. الخلل موجود في الإدارة الوسطى وحتى بين الموظفين. وهنا، لا ألوم أي طرف، فلكلٍّ أسبابه. أصبحنا نبرر للفساد والخراب ونضع له أسبابًا. كثيرة هي الأسئلة، وأصبحنا فيوقت لا نستطيع أن نجد الأسئلة حتى نصل للبحث عن إيجاد أجوبةمالم نجد.

رؤيتي لما يجب أن تكون عليه هيئة الاتصالات والمعلوماتية وفق ما اعلم وتعلمت

1. تقليص عدد الموظفين

يجب أن يكون عدد موظفي الهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية بحد أقصى 50 موظفًا، جميعهم من أصحاب التخصص والخبرة، ويتمتعون بعقلية حضارية، مع رواتب مجزية تتراوح بين 1500-3000 دولار شهريًا.

2. إطار عمل الهيئة

تعمل الهيئة في مجال تكوين أفضل السياسات واللوائح ومسودات القوانين وتطبيقها، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

3. مجلس استشاري

يتم دعم الهيئة بمجلس استشاري بدون أي مقابل مادي أو منافع شخصية أو مؤسسية، ويتكون من:

ثلاث جامعات أو كليات أو معاهد متخصصة (قابلة للزيادة).

الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات.

الهيئة العامة للمعلومات.

ثلاث جمعيات مجتمع مدني.

ثلاث شركات حكومية.

عدد من شركات القطاع الخاص (حسب الموضوع والاهتمام).

مركز الاتصال الحكومي.

يُرشح كل طرف مندوبًا عنه، على أن يمنع تضارب المصالح أو وجود منفعة شخصية. يكون لهذا المجلس دور استشاري ورقابي.

4. استقلالية الهيئة

يجب أن تبتعد الهيئة عن المتاجرة أو تعارض المصالح أو المحسوبية. ويجب أن تمتنع عن المنافسة التجارية أو الاستفادة المباشرة من الأسواق، بل تعمل على تشجيع الاستثمار عن طريق خفض الرسوم والضرائب في المجالات المستهدفة.

5. الدقة والشفافية

يجب أن تتحلى الهيئة بالدقة والشفافية، مع نشر التقارير بشكل دوري، وأن تكون قدوة في تقديم الخدمات بعيدًا عن الشخصنة أو التصرفات غير المسؤولة.

إن إصلاح هيئة الاتصالات والمعلوماتية يتطلب رؤية شاملة وعملًا جماعيًا يهدف إلى تجاوز الأخطاء المتراكمة وبناء منظومة تواكب التطورات التكنولوجية العالمية وتخدم مصالح الوطن والمواطن. تحقيق هذا الهدف يبدأ بإعادة تعريف دور الهيئة، تقليص حجمها إلى الكفاءات المؤهلة، وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة. من خلال الابتعاد عن البيروقراطية والفساد إن وجد مؤكدا، والتركيز على تطوير السياسات ودعم الابتكار، يمكن للهيئة أن تصبح نموذجًا يُحتذى به في الإدارة والاستدامة. الطريق ليس سهلاً، لكنه ممكن بإرادة صادقة وتعاون فعّال بين جميع الأطراف. بهذا، نضع الأسس لقطاع اتصالات قوي يسهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي ويدعم التنمية المستدامة.

مشاركة الخبر