Skip to main content
"إدريس الشريف" يكتب: هل أصبحت ليبيا أسيرة ما يعرف في اقتصاديات التنمية بالحلقات المفرغة للتخلف؟!
|

“إدريس الشريف” يكتب: هل أصبحت ليبيا أسيرة ما يعرف في اقتصاديات التنمية بالحلقات المفرغة للتخلف؟!

كتب الخبير الاقتصادي إدريس الشريف مقالاً: كيف يمكن كسر هذه الحلقات والفكاك منها للانطلاق نحو النمو الذاتي واللحاق بركب الحضارة المتسارع ؟!

حدد خبراء التنمية الاقتصادية معوقات التنمية في البلدان المتخلفة في مجموعة من العوامل صنفوها إلى عوامل داخلية ، مثل الانفجار السكاني وتدهور النظام التعليمي والصحي وإنخفاض إنتاجية الفرد ٫ وعوامل خارجية تمثلت في اختلال العلاقات الاقتصادية الدولية وتغير إتجاه معدلات وشروط التبادل التجاري الدولي في غير صالح الدول المتخلفة.

واتفق هؤلاء الاقتصاديون على أن الفقر وتدني الدخول هو النتيجة الأساسية لمعوقات التنمية إلا أن بعضهم يرى أن الفقر هو نتيجة وسبب في الوقت ذاته وعلى رأس هؤلاء ( رانجر نيركسه ) صاحب نظرية ( الحلقة المفرغة ) في تفسير تخلف الدول .

ويرى ( نيركسه ) أنه لكسر هذه الحلقة فإن الأمر يتطلب دفعة قوية (Big Push ) بضخ استثمارات هائلة في كل القطاعات ، وبشكل متوازن ، تكسر الحلقة وتدفع البلد للانطلاق نحو النمو الذاتي.

وسنحاول هنا استعارة تحليل (نيركسه) لفهم وتفسير الوضع المتردي الذي وقعت فيه ليبيا وأصبحت غير قادرة على الفكاك منه .

لقد وقعت بلدنا أسيرة حلقات مفرغة من الفقر والتخلف بسبب سياسات خاطئة في إدارة الدولة وتخصيص مواردها استمر لعدة عقود .

هذه السياسات أدت إلى إخراج ليبيا من مصاف الدول الحديثة الصاعدة في طريق النمو وحولتها إلى دولة متخلفة تحتل مؤخرة الترتيب في كل التصنيفات والمؤشرات والتقارير الدولية التي تصدرها المؤسسات والمنظمات والهيئات المعنية بالتنمية الاقتصادية والبشرية والتعليم والرعاية الصحية وجودة المؤسسات وجودة البنية التحتية وبيئة الأعمال والشفافية والتنافسية وغيرها.

وبتشخيص سريع لجوانب الخلل ومكامن الضرر٫ ولأن التشخيص الصحيح للمرض هو بداية علاجه ساتطرق باختصار لعرض ما أعتبره تشخيصا لاعراض الخلل الناتج عن الاخطاء التي أشرت إليها .

يعلم الجميع أن الركائز أو القواعد التي يبنى عليها أي مجتمع حديث يمكن تحديدها في أربع ركائز أو قواعد اساسية

  • وهي أولاً البنية الثقافية والتربوية والتعليمية .
  • والثانية: هي البنية المؤسسية التي تدير شئون المجتمع وتنظم العلاقات بين أفراده .
  • والثالثة: هي البنية المادية ( بنية تحتية، طرق، مطارات، كهرباء، مياه، إتصالات ..الخ ) التي تسهل حياة الأفراد وترفع من مستوى معيشتهم .
  • والرابعة: هي البنية الاقتصادية (هيكل الدخل والإنتاج وكيفية توزيعه ، وتخصيص موارد البلد الاقتصادية )

هذه الركائز مترابطة وكل منها تعتمد على الاخرى وتتغذى من مخرجاتها، والضرر الذي يلحق بإحداها يؤثر تلقائياً في الركائز الأخرى.

فالضرر البالغ الذي لحق بالنظام التعليمي والتربوي الحق ضرراً بالغاً بركيزة المؤسسات التي تعتمد على مخرجات التعليم ، وفساد المؤسسات أدى إلى فساد البنية المادية وإنخفاض جودة مشروعاتها ، وفشل برامج التنمية التي تديرها وتشرف عليها مؤسسات الدولة .

وهذا أدى إلى تخلف الاقتصاد ، وسوء تخصيص الموارد وهدرها ، وسوء توزيع الدخول والفقر هذا الأمر مع فساد المؤسسات أدى مجدداً إلى زيادة تخلف النظام التعليمي والتربوي وهكذا أصبح البلد أسير حلقة دائرية جهنمية مفرغة، تغذي وتعيد إنتاج نفسها ويصعب الفكاك منها.

هذا برأيي هوالتشخيص الصحيح الذي يلمسه كل منا للحالة التي تعيشها البلد حالياً..

كيف يمكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة ؟!

يتفق الجميع ، وأنا منهم ، على أن إصلاح النظام التعليمي والبنية التربوية والثقافية هو البداية ٫ لكن هذا الأمر يتطلب بالضرورة إصلاح المؤسسات التي يوكل إليها تنفيذ عملية الاصلاح..

فمؤسسات الدولة التنفيذية وجهازها الإداري هو أداة تنفيذ السياسات العامة، ولا يمكن توقع نجاح سياسة ،في التعليم أو غيره في تحقيق اهدافها إذا كانت أداة التنفيذ خربة أو متهالكة ٫ وبالتالي فإن عملية الاصلاح عموما يجب أن تبدأ باصلاح المؤسسات المنفذة للسياسات ورفع كفاءة ادائها.

وهذه العملية تبدأ أولاً بإصلاح النظم واللوائح والتشريعات التي تنظم عمل المؤسسات وتحكم الرقابة على أدائها٫ وهذا الشيء هو صميم عمل القيادة السياسية ( الرئيس القادم ) والسلطة التشريعية أو مجلس النواب ..

بعد اصلاح المؤسسات ، والتأكد من كفاءتها في اسنخدام موارد الدولة ، يتم البدء في دفعة قوية في شكل مشروع تنموي طموح ، على غرار خطة التنمية 1968/1963م، وذلك بضخ استثمارات كبيرة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، وعلى رأسها التعليم والصحة والبنية التحتية٫ كل هذه الخطوات يجب أن تبدأ فورا فلم يعد هناك متسع كبير من الوقت.

ونحمد الله أنه لا تزال لدينا الفرصة للاستفادة مما تبقى من عصر النفط لكن علينا أن نبدأ الآن ، وبدون تأخير ، وإلا فإن مستقبل أبناءنا وبلدنا سيكون في خطر ٫ والله من وراء القصد .

مشاركة الخبر