Skip to main content
"اشنيبيش": الانقلاب الصامت.. هل يعيد اليوان الرقمي تشكيل النظام المالي العالمي؟
|

“اشنيبيش”: الانقلاب الصامت.. هل يعيد اليوان الرقمي تشكيل النظام المالي العالمي؟

كتب: الأستاذ “أنس اشنيبيش” مقالاً

في مشهد هادئ يشبه أفلام الجاسوسية، وخارج عدسات الإعلام الموجه نحو ضجيج الأسواق، تحدث ثورة مالية قد تغير قواعد اللعبة لعقود قادمة.

هذه المرة، ليست من وول ستريت، بل من قلب بكين، حيث بدأ اليوان الرقمي يشق طريقه نحو إعادة رسم ملامح النظام المالي العالمي.

بينما يتصارع العالم مع تضخم مرتفع، وحروب عملات، وعقوبات اقتصادية، تحركت الصين بخطى مدروسة لتقديم بديل استراتيجي لأكثر شبكات المال نفوذًا: نظام SWIFT.

اليوان الرقمي.. أكثر من عملة

اليوان الرقمي، أو ما يعرف بـ DCEP (Digital Currency Electronic Payment)، ليس مجرد عملة إلكترونية جديدة، إنه مشروع دولة، ومفتاح في يد الصين للتحكم بتدفقات الأموال عبر الحدود، دون الحاجة إلى المرور عبر النظام الغربي التقليدي.

في مارس 2025، أعلنت الصين نجاحها في ربط نظامها للدفع الرقمي بعدة دول من آسيا والشرق الأوسط، ضمن مشروع ضخم يقلص الاعتماد على الدولار، ويفتح أبواب التجارة البينية بلغة مالية جديدة.

من بكين إلى دبي.. في 7 ثوانٍ

في تجربة مذهلة، تمت تسوية عملية تجارية بين هونغ كونغ وأبوظبي باستخدام اليوان الرقمي خلال 7 ثوانٍ فقط — دون الحاجة إلى بنوك وسيطة، ودون المرور عبر سويفت، رسوم العملية؟ أقل بـ 98٪ من المعايير المعتادة.

نعم، ما تقرأه صحيح: لا انتظار، لا تعقيد، لا رسوم خفية.

لماذا الآن؟ ولماذا بهذه السرعة؟

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، والعقوبات المالية المتكررة، بات واضحًا أن من يملك البنية التحتية المالية يملك النفوذ، الصين تدرك هذه الحقيقة جيدًا، وتسعى عبر اليوان الرقمي إلى فك الارتباط التدريجي عن الدولار، وتحقيق ما تسميه “الاستقلال المالي السيادي”
وعبر تقنية البلوك تشين، تحقق الحكومة الصينية مستوى من الشفافية والرقابة والتحكم لا مثيل له

كل معاملة، كل تحويل، كل دفعة — تُسجَّل على دفتر حسابات رقمي لا يمكن التلاعب به. هذه ليست مجرد تقنية لحماية الأموال، بل أداة جيوسياسية دقيقة، تسمح للصين بمتابعة حركة رأس المال لحظة بلحظة، داخليًا وعبر الحدود.

في المقابل، يتساءل البعض: ماذا عن الخصوصية؟ وماذا لو تحول هذا النظام إلى أداة مراقبة كاملة؟

التنين المالي يمد جناحيه

المثير للدهشة ليس فقط التكنولوجيا، بل التوقيت، فبينما تتصارع الاقتصادات الغربية مع تبعات التضخم والركود ومعدلات الفائدة المرتفعة، تتحرك الصين بهدوء نحو بناء كتلة تجارية رقمية جديدة.

اليوم، عشر دول في رابطة “آسيان”، وست دول من الشرق الأوسط — من بينها دول نفطية ذات تأثير كبير — بدأت فعليًا بالتكامل مع النظام الصيني الجديد، متجاوزة النظام الغربي ومحدودية نظام SWIFT.

إنه أشبه بـ “نظام SWIFT 2.0”، لكن بلغة صينية، ومنصة تُدار وفق رؤية استراتيجية طويلة الأمد.

رد فعل الغرب؟

حتى الآن، لا يبدو أن واشنطن أو بروكسل تمتلكان ردًا فعّالًا، العقوبات المالية أصبحت سلاحًا يهدد بخلق بدائل، وليس بالضرورة إخضاع الأنظمة. ومع كل مرة يُستخدم فيها SWIFT كأداة عقاب، تزداد رغبة الدول في التحرر منه.

والصين تعرف تمامًا كيف تلعب على هذا الوتر.

هل نشهد بداية النهاية لهيمنة الدولار؟

لنكن واقعيين، الدولار لن يسقط غدًا، لكنه بدأ يفقد شيئًا من سطوته. وبدخول اليوان الرقمي إلى ساحة المدفوعات العالمية، ليس كعملة فقط، بل كنظام مالي بديل كامل، فإن المعادلة بدأت في التغير.

الصفقة القادمة في الشرق الأوسط؟ قد تتم بعملة رقمية صينية.

مشروع مشترك بين آسيا وأفريقيا؟ لن يمر عبر نيويورك.

وفي هذا العالم الجديد، من يملك البنية التحتية الرقمية، يملك التأثير.

هل الانقلاب الصامت قد بدأ ؟؟

إنه ليس انقلابًا بالمعنى الكلاسيكي، لا دبابات، لا صراخ في الشوارع… لكنه انقلاب مالي — يتم عبر الكود، والخوارزميات، والتحويلات التي لا تُرى.

وفي غضون سنوات قليلة، قد نستيقظ لنجد أن العالم لم يعد “يحول” عبر SWIFT، بل “ينقر” على نظام صيني، أسرع، أرخص، وأكثر كفاءة.

والسؤال الذي يبقى:
هل نحن مستعدون للعيش في عالم ما بعد SWIFT؟

مشاركة الخبر