اقتصاد الحرب هو مجموعة من إجراءات الطوارئ، تتخذها الدول لتعبئة اقتصادياتها خلال فترات الحروب.
وبما أن ليبيا ليست استثناء فإن الاقتصاد الليبي وهو اقتصاد ريعي بامتياز، بات مؤسسًا على أسس اقتصادية تتمثل في وجود مرتب لكل مواطن، منحة من عملة أجنبية تذهب إما للسفر أو للعلاج أو في الإنفاق على مصاريف إضافية للأسر الليبية، ناهيك عن وجود مغتنمي الفرص من التجار والحذّاق الذين يغتنمون أنصاف الفرص لتكوين ثروات مبنية في معظم حالتها على احتكار سلع أساسية وبيعها بأضعاف مضاعفة لمستحقيها، ولا من يسأل طبعا فهذا اقتصاد الحرب، فإن وجدت سلعتك فلا تسأل عن ثمنها، فالبديل متوفر والطلب يفوق العرض وليس فى الإمكان توفير السلع بغير هكذا أسعار هكذا يردد الباعة وهكذا هم نحن نبلع الإجابة حتى وإن ازدريناها في حلوقنا، ولكن (عادي) فهذا هو اقتصاد الحرب.
لكن اقتصاد الحرب في ليبيا يعني أن تتجه جماعات وفي السابق أفراد لإقفال حقول ومرافئ النفط، ولا من مجيب سوى صدى الصوت لنداءات مؤسسة النفط بضياع ملايين الدولارات بمجرد فكرة لمعت في رأس أحدهم بأن إجابة الطلبات تأتي بإقفال (الطابّات)!.
ولكن لا تتعب عقلك في التفكير، فاقتصاد الحرب ثوب فضفاض بوسع المرء ارتدائه متى شاء وخلعه متى أراد.
وعند استطلاعنا لأراء بعض المختصين أكدوا بأن مصطلح “اقتصاد الحرب” لا ينطبق على الوضع الليبي وهو أن الحرب في ليبيا أهلية وليست حربا بين ليبيا ودولة أخرى أي ليس الحرب في مواجهة اعتداء أو غزو خارجي كي تقوم الدولة بتدابير وإجراءات طارئة لتعبئة المجهود الحربي.
و كان رجل الأعمال الليبي “حسني بي” قد أكد لصدى الاقتصادية أن اقتصاديات الحرب تُفقر الطبقة المتوسطة وترهق كاهل المواطن ولكن هناك فئة يمكنها التعايش مع الواقع وأخرى تستغل الأزمة بل تؤجج المناداة بالحرب من أجل مصالحها الآنية أو من أجل إقصاء خصومها المستقبليين.
وتابع بالقول: منذ أيام خرج علينا وزير داخلية الوفاق واتهم أعضاء وقيادات ميليشيات بالتربح من خلال برامج وعقود تموين وهمية، ومنذ شهريْن خرج علينا وزير المالية بعد تهديد ميليشياويين لحياته بسبب رفضه الموافقة على توقيع المستجلبات لعقود تزويد بالملايين.
وأضاف: هاتان واقعتا ابتزاز من “أمراء حرب” يتعدى إجمالي قيمتها 100 مليون دينار، وهذا قليل مما ظهر من كثير ومن الذي لم يظهر جزء من جبهة، والجبهات عدة على امتداد آلاف الكيلومترات ومن جميع الأطراف، بحسب تعبيره.
وتابع بالقول: غنائم الحرب التي تستغل ممن ليس طرف بها وحتى من كل الذين هم طرف بتلك الحرب، مؤكداً أن تكلفة الحرب اليومية تقدر بما لا يقل عن 40 مليون دينار من أجور وتموين وأسلحة وذخائر وسرقات.
و قال “حسني بي”: أستغرب أن تجار الحروب يتعاملون بين بعضهم البعض على ضفتيْ جبهات القتال، وتجار الحروب همّهم الوحيد الإثراء على حساب الفقراء ومن خلال سرقة المال العام والخاص، مشيرا إلى أن بعض الساسة وتجار الحروب شركاء رغم أنهم لا يموتون بالجبهات ولكنهم هم من يوقدون ويأججون نيران الحروب.
و أفاد “حسني بي”: الصرف من ميزانيات الطوارئ لتمويل الحروب لا تخضع للرقابة ولا للحساب “لا حسيب ولا رقيب”، واقتصاديات الحروب ينشط بها جميع أنواع التجارة؛ من تجارة السلاح والمخدرات والدواء والنقل والتموين والدم وحتى تجارة الموت.
وأضاف أن هناك من يتاجر بدم وصحة من يصاب بالجبهات، ويتمنى المزيد منهم لزيادة تربحه، ورأينا ذلك من خلال تضخيم مصاريف لجان الجرحى عام 2011 و 2014 و 2018 والآن، والمؤسف أنه بعد كل حرب هناك إعادة إعمار وقد نذهب بالقول بأن الانتعاش بعد الحرب جزء من اقتصاديات تلك الحروب.
و قال رجل الأعمال الليبي “إن اقتصاديات الحرب هي لا محال فساد وفقر للكثيرين وغنى للبعض، الدم البشرى يباع في أسواق الشعارات المجانية خلال الحروب، كما كنت ولازلت أشمئز من متحدث سياسي وهو يفتتح حديثه بالقول: (اللهم أشفِ جرحانا وأرجع مفقودينا سالمين غانمين) ولا يرجعون لأهلهم ولا لرفاقهم بالجبهات، بينما السياسي يعود لبيته مع أبنائه ولا كأنه يتحدث عن حرب”.