Skip to main content
"البرغوثي": انخفاض سعر الدولار لا يعني تحسن الاقتصاد
|

“البرغوثي”: انخفاض سعر الدولار لا يعني تحسن الاقتصاد

كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي”: انخفاض سعر الدولار لا يعني تحسن الاقتصاد

يعتقد كثيرون أن انخفاض سعر الدولار أو استقرار سعر الصرف هو مؤشر واضح على تحسن الاقتصاد. لكن الحقيقة الاقتصادية البسيطة تقول إن سعر الصرف نتيجة وليس سببًا، ولا يمكن اعتباره معيارًا دقيقًا لصحة الاقتصاد إذا كانت بقية المؤشرات تسير في الاتجاه المعاكس.

في ليبيا، حتى لو تحسن سعر الصرف لأسابيع أو أشهر، فإن ذلك لا يعني أن الاقتصاد قد تعافى، بل في الغالب يعكس تدخلًا نقديًا مؤقتًا، وليس تحسنًا حقيقيًا في الإنتاج أو الاستثمار أو الاستقرار المالي.

الاقتصاد متدهور حتى لو تحسن سعر الصرف

أي دولة لا تنتج ما يكفي ولا تصدّر وتعتمد على مصدر واحد للدخل مثل النفط، ستبقى عرضة للأزمات حتى لو كان سعر الصرف مستقرًا. سعر الصرف قد ينخفض شكليًا عندما يقوم المصرف المركزي بضخ الدولار، لكن جميع المؤشرات الأساسية كالبطالة، وضعف القطاع الخاص، وغياب الصناعة، وضعف الأمن الاقتصادي تبقى مكانها. تحسن السعر لا يعني توفر فرص عمل، ولا يعني تنويع الدخل، ولا يعني نمو الإنتاج المحلي. هو فقط ارتياح مؤقت على مستوى الأسعار سرعان ما يتبخر إذا لم يتم تعزيزه بإصلاحات حقيقية. هذا ما تؤكده دراسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول الدول الريعية التي تعتمد على التدخل النقدي بدل الإصلاح الاقتصادي الشامل.

الإنفاق الحكومي المنفلت وتمويل العجز كارثة مستمرة

ليبيا تعاني من إنفاق حكومي ضخم وغير منضبط، أغلبه يذهب للباب الثالث (التنمية) والباب الأول (المرتبات) والباب الرابع (الدعم)، وليس للاستثمار.
وعندما تعجز الإيرادات النفطية عن تغطية الإنفاق، يتم اللجوء إلى:
1- خلق الدينار من العدم (Monetary Expansion)
2- تمويل العجز عبر خلق أموال من العدم أو بيع جزء من احتياطيات النقد الأجنبي.
3- الضغط على المصرف المركزي لتوفير السيولة.

هذا يعني ببساطة توليد وطباعة دينار بدون زيادة في الاقتصاد الحقيقي.
ووفقًا لمبادئ الاقتصاد النقدي، فإن زيادة عرض النقود دون زيادة في الإنتاج تؤدي إلى:
1- تضخم
2- تدهور القوة الشرائية
3- زيادة الطلب على الدولار
4- ارتفاع الأسعار

قوة العملة ليست سعرها

هناك خلط شائع بين ارتفاع سعر العملة وقوة العملة. قوة العملة تعني:
1- اقتصاد متنوع
2- صادرات قوية (صادرات في قطاعات حيوية)
3- إنتاج محلي
4- فائض تجاري (تصدير أكثر من الاستيراد)
5- احتياطيات مستقرة
6- قطاع خاص نشط
7- استقرار سياسي وتشريعي.

أما سعر العملة في ليبيا فهو نتيجة مباشرة لضخ الدولار وليس قوة الاقتصاد، وهو هش ويمكن أن يتغير بسرعة بمجرد حدوث أي اضطراب سياسي أو مالي. والدليل على ذلك، هناك دول كثيرة لديها عملة مستقرة جدًا لكنها ذات اقتصاد ضعيف لأنها تعتمد على تدخل المصرف المركزي وليس على الإنتاج الحقيقي.

القطاع الخاص ظلّ القطاع العام

القطاع الخاص الحقيقي هو الذي ينتج ويصدر ويخلق وظائف ويبتكر ويساهم في الناتج المحلي، لكن في ليبيا، القطاع الخاص يعتمد على الإنفاق الحكومي ويعيش على التوريد فقط، ولا يملك بيئة تشريعية تحميه، ولا يمتلك قدرة تنافسية، ولا يستطيع مزاحمة السوق السوداء، ويتأثر بالكامل بتغييرات سعر الصرف. لذلك، حتى ولو تحسن سعر الصرف، فالقطاع الخاص لا يستفيد فعليًا لأن استقراره مرتبط باستقرار الإنفاق العام، وليس بتحسن الإنتاج.
غياب قطاع خاص حقيقي ومستقل يعني أن الاقتصاد سيبقى هشًا مهما استقر الدولار.

تحسن سعر الصرف ليس علامة تعافٍ اقتصادي، بل هو انطباع قصير الأجل ينتج عن تدخل نقدي من المصرف المركزي. أما الاقتصاد الحقيقي فلا يتحسن إلا عندما ينضبط الإنفاق العام ويتوقف خلق الدينار من العدم وتمويل الدين العام، وعندما يتم تنويع مصادر الدخل، ويتم بناء قطاع خاص حقيقي منتج ومستقل، وعندما يتم إصلاح المالية العامة ويتم رفع الكفاءة، وتتوقف المضاربة، ويُفعَّل القانون، ويبدأ الإنتاج الحقيقي (زراعة، صناعة، خدمات، طاقة، لوجستيات).
بدون هذه الخطوات، سيبقى سعر الصرف مجرد رقم جميل فوق سطح هش يمكن أن ينهار في أي لحظة.

مشاركة الخبر