Skip to main content
"البرغوثي" يكتب: اقتصاد ليبيا في عالم يتحول إلى التعددية القطبية.. فرصة أم انكشاف؟
|

“البرغوثي” يكتب: اقتصاد ليبيا في عالم يتحول إلى التعددية القطبية.. فرصة أم انكشاف؟

كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي” مقالاً قال خلاله:

في الوقت الذي تتصاعد فيه التحولات الجيوسياسية العالمية نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، تتزايد الأسئلة حول موقع الاقتصادات الهشّة والريعية — وعلى رأسها الاقتصاد الليبي — في هذا السياق المعقّد. هل نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة التموقع؟ أم أمام انكشاف أعمق نتيجة غياب الرؤية الاقتصادية السيادية؟

أولًا: من الهيمنة الأحادية إلى التعددية القطبية

لقد وُلد النظام الدولي الحالي من رحم الحرب الباردة، وترسخ مع أحادية الهيمنة الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي. لكن ما نعيشه اليوم هو بداية نهاية هذه المرحلة، حيث نشهد صعود مراكز قوى متعددة:

  • الصين كقطب صناعي–تكنولوجي
  • روسيا كقطب عسكري–طاقوي
  • الاتحاد الأوروبي كقطب مؤسسي–تنظيمي
  • قوى إقليمية ناشئة: الهند، تركيا، البرازيل، وإيران

يتجه العالم نحو توازن غير مستقر، لكنه يفتح بابًا لما يمكن تسميته بـ”المرونة الاستراتيجية للدول الطرفية”، ومنها ليبيا.

ثانيًا: ملامح انكشاف الاقتصاد الليبي في هذا التحول

رغم غزارة الموارد الطبيعية، يواجه الاقتصاد الليبي هشاشة حادة تتمثل في:

  1. تبعية مفرطة لعائدات النفط (أكثر من 90٪ من إيرادات الدولة)
  2. اقتصاد ريعي غير مولّد للثروة الحقيقية أو العمل المنتج
  3. غياب تنويع اقتصادي فعلي، وانكماش شديد في القطاعات غير النفطية
  4. مؤسسات مالية ومصرفية غير متصلة بالعمق الإنتاجي أو الابتكار التكنولوجي

في ظل التعددية القطبية، يصبح هذا الانكشاف أكثر خطورة، خصوصًا مع تصاعد الحروب التجارية، وإعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية، وتقلبات أسعار الطاقة نتيجة الاصطفافات الجديدة.

ثالثًا: ما الذي يعنيه التحول العالمي لليبيا؟ (تحليل الفرص)

رغم التحديات، هناك فرص استراتيجية يمكن لليبيا أن تستثمر فيها بحكمة:

1. الحياد الاقتصادي النشط

التحرر من الاصطفاف السياسي، والتعامل الاقتصادي البراغماتي مع مختلف الأقطاب — من الصين إلى تركيا إلى أوروبا — بما يخدم المصلحة الوطنية.

2. جذب الاستثمارات متعددة المصدر

استبدال الاعتماد على شريك واحد (أو مسار سياسي واحد) بنموذج تعدد الشركاء الاقتصاديين، وخلق مناطق حرة ومشاريع مشتركة في الطاقة المتجددة، البنية التحتية، والخدمات اللوجستية.

3. إعادة تموضع في السوقين الإفريقية والمتوسطية

تحوّل ليبيا إلى عقدة وصل بين إفريقيا وأوروبا — لوجستيًا وتمويليًا — ممكن إذا تم تطوير الموانئ، المصارف، والنقل العابر للحدود.

رابعًا: ما المطلوب الآن؟ (خطة استجابة وطنية)

1. رؤية اقتصادية جديدة

يجب أن تتجاوز ليبيا التفكير النفطي القصير الأجل، نحو بناء اقتصاد منتج ومتنوع قائم على:

  • التكنولوجيا
  • الزراعة الذكية
  • التصنيع المحلي
  • الخدمات المالية الإسلامية والرقمية

2. مركز قرار اقتصادي سيادي موحّد

إن الانقسام المؤسسي يضعف القدرة على التفاوض الاقتصادي مع القوى الكبرى. المطلوب هو مجلس وطني أعلى للاقتصاد، مستقل عن الاستقطاب السياسي، يبني استراتيجية اقتصادية في عالم متغيّر.

3. إصلاح مصرف ليبيا المركزي والمؤسسات المالية

لا يمكن الحديث عن استقلال اقتصادي دون إصلاح النظام المصرفي، وتفعيل دوره كأداة للتمويل التنموي، لا مجرد موزّع لعوائد النفط.

ليبيا، الواقعة على تخوم المتوسط، في قلب شمال إفريقيا، وعلى خط اشتباك دولي متصاعد، تملك أوراقًا ناعمة وصلبة في عالم يتغيّر. لكنها تحتاج إلى عقل اقتصادي استراتيجي يُدرك أن التعددية القطبية ليست تحديًا فقط، بل أيضًا فرصة لإعادة التموقع خارج الظل، وبناء اقتصاد سيادي مستند إلى الإنتاج لا التوزيع، وإلى الابتكار لا الريع

مشاركة الخبر