Skip to main content
“البرغوثي” يكتب: المصرف المركزي وتأجيل انهيار الدينار الليبي.. الإنذار المبكر في وقت متأخر
|

“البرغوثي” يكتب: المصرف المركزي وتأجيل انهيار الدينار الليبي.. الإنذار المبكر في وقت متأخر

كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي” مقالاً قال خلاله:

رغم كل محاولات مصرف ليبيا المركزي للسيطرة على الوضع النقدي، يبقى الواقع الاقتصادي أكثر هشاشة من أي وقتٍ مضى.

وما يحدث اليوم لا يمكن وصفه بوصفٍ غير أنه تأجيلٌ مؤقت لانهيارٍ محتمل، وليس استقراراً حقيقياً مبنياً على قوة اقتصادية أو مالية.

منذ بداية 2024 ارتفع الإنفاق العام خارج إطار ميزانية موحدة، واستمرت الحكومات في اعتماد سياسة الإنفاق غير المقيّد. ومع غياب الانضباط المالي، بدأت الضغوط تظهر بوضوح على سعر الصرف، وعلى الاحتياطيات، وعلى قدرة المصرف المركزي على الدفاع عن الدينار.

صندوق النقد الدولي حذّر في تقريره الأخير من أن ليبيا تواجه عجزاً مزدوجاً في المالية العامة والحساب الجاري، وأن الاستمرار في الإنفاق المرتفع مع غياب اتفاقٍ سياسي سيضع العملة تحت ضغطٍ متزايد.

ومع أن الاحتياطيات تظهر في مستوى مريح، إلا أن وتيرة استنزافها تسير في اتجاه غير مطمئن، لأن المصرف المركزي أصبح الجهة الوحيدة التي تتحمل كلفة حماية سعر الصرف.

رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى 30% ورفع نسبة السيولة إلى 35% وإصدار شهادات استثمار كلها إجراءات توفر وقتاً إضافياً، لكنها لا تعالج أصل المشكلة. فالعملة لا تنهار بسبب غياب الأدوات النقدية، بل بسبب فجوة مستمرة بين الإنفاق العام وقدرة الاقتصاد الحقيقي على توليد العملة الصعبة. وهذه الفجوة تتسع، والسوق الموازية هي المؤشر الصامت، وكلما اتسعت الفجوة بينها وبين السعر الرسمي زادت كلفة الدفاع عن الدينار، وأصبح تدخل المصرف المركزي أقل فعالية. ومع تراجع الانضباط المالي، يصبح أي انخفاض في أسعار النفط مهما كان صغيراً قادراً على دفع الدينار بسرعة نحو نقطة الانكسار.

الحقيقة التي يجب مواجهتها هي أن المصرف المركزي ينجح في تأجيل الانهيار، لكنه لا يستطيع منعه وحده. وإذا استمر الإنفاق فوق القدرة الحقيقية للدولة، واستمرت الازدواجية، واستمر تمويل العجز دون إصلاحات، فإن الدينار سيدخل مرحلة يصعب فيها على أي سياسة نقدية إنقاذه.

هذا التحذير ليس دعوة للذعر، بل دعوة لفهم أننا نقترب من الحافة، وأن إدارة الأزمة تحتاج توافقاً مالياً ومؤسسياً قبل أن يفوت الأوان

مشاركة الخبر