Skip to main content
"البرغوثي" يكتب عن الأزمات في المصرف المركزي
|

“البرغوثي” يكتب عن الأزمات في المصرف المركزي

كتب استاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي” مقالاً قال خلاله:

لا يكاد يمرّ يوم إلا وتتم مناقشة ملف الأزمات المتتالية التي يمرّ بها المصرف المركزي، منها أزمات جديدة وأخرى قديمة مستمرة، ولكن في صلب عمل السياسة النقدية، فإن ما يهمّ المواطن ويتفاعل معه ويتأثر به هما أزمتان أساسيتان: السيولة النقدية (الكاش) وسعر الصرف.

أزمة السيولة هي في جوهرها نتيجة تراكمات مزمنة تعود إلى اختلالات هيكلية في الدورة النقدية والمالية، غير أن المسؤولية التنفيذية الفعلية في إدارتها تقع على عاتق مصرف ليبيا المركزي، بوصفه الجهة المسؤولة عن توازن العرض النقدي وتنظيم تدفق السيولة داخل النظام المصرفي.

ولذلك، فإن معالجة هذه الأزمة تتطلب حلولًا نقدية وفنية عميقة، لا مجرد إجراءات مؤقتة أو انفعالات وقتية.

أما فيما يتعلق بسعر الصرف، فإن جذور المشكلة لا تنفصل عن السياسات المالية التوسعية للحكومتين في الشرق والغرب، حيث استمرّ الإنفاق بالعجز وتفاقم الدين العام من دون وجود غطاء حقيقي بالإيرادات أو الإنتاج، مما زاد الضغط على النقد الأجنبي وأربك إدارة الطلب عليه.

لذلك، فإن السياسة النقدية مهما بلغت من دقة وانضباط، لا يمكنها وحدها تعويض اختلال السياسة المالية، فالاستقرار النقدي يحتاج إلى تعاون بين الجانبين، وليس إلى تبادل الاتهامات بينهما.

وما زاد المشهد تعقيدًا أن المصرف المركزي، بحسن نية أو بضغط الواقع، قد وضع نفسه في وضع حرج جدًا حين سمح بتداول توقعات متفائلة حول انخفاض سعر الصرف مع بداية شهر أكتوبر، مستندًا إلى إجراءات مساعدة مثل سحب ورقة العشرين دينار، وفتح مكاتب الصرافة، وتخفيض الرسوم (الضريبة) بنسبة 5%، وهي خطوات تنظيمية محدودة الأثر ولا تمسّ جوهر معادلة العرض والطلب على العملة الصعبة.

الحقيقة أن المركزي كان يعتمد على وعود تلقّاها بتقليص الإنفاق العام وضبط المصروفات والاكتفاء بما تمّ إنجازه من مشاريع تنموية، غير أن تلك الوعود لم تُترجم على أرض الواقع، فوجد المصرف نفسه أمام وضع مغاير لما بُنيت عليه تقديراته، ودفع ثمن الثقة الزائدة في الوعود السياسية.

اليوم، يحتاج المصرف المركزي إلى إعادة ضبط خطابه وسياساته وفق معادلة واقعية أكثر تحفظًا ووضوحًا أمام الرأي العام، تقوم على الإدارة الهادئة والعقلانية والواقعية، وإدارة التوقعات بشكل عقلاني وليس اندفاعيًّا، لا بردود الأفعال أو الخطاب الإعلامي ذو الإيجابية المفرطة الذي يسعى للسيطرة على اتجاهات سعر الصرف والاقتصاد.

فالمعركة ليست في كسب الرأي العام مؤقتًا، بل في استعادة الثقة بالتدريج عبر مصداقية الخطوات ووضوح الرؤية، وهي مسؤولية هائلة، لكنها ليست مستحيلة إذا توافَر القرار والشجاعة في قول الحقيقة كما هي

مشاركة الخبر