
| أخبار
البنك الدولي خفض تصنيف ليبيا من الدول ذات الدخل المتوسط العالي إلى الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى بسبب تدني دخل تصدير النفط
رصدت صدى الاقتصادية مقالة للدكتور ” محمد أبوسنينة” المستشار الاقتصادي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي تحدث فيها عن هوية الاقتصاد الليبية استناداً على الورقة البحثية التي قدمها فى مؤتمر حول الهوية الوطنية في ليبيا نظمه مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازى بالتعاون مع مؤسسة “فان فولن هوفن” وجامعة ليدن الهولندية والذي عقد فى تونس خلال الفترة ( 29-30 ) أكتوبر 2018، حيث استعرض في مقالته ملخص الورقة وكانت على النحو التالي :
تناولت الورقة ثلاثة مباحث رئيسة: هوية الاقتصاد الليبي، دور الثقافة الريعية في تشكيل الشخصية الليبية، وأثر التهميش الاقتصادي في عرقلة المصالحة الوطنية، ونستعرض فيما يلي ملخص مبحث هوية الاقتصاد الليبي:
تتعدد المواقف والرؤى حول هوية الاقتصاد والمعايير التي ينبغي الاستناد إليها في تحديد الهوية، وبصفة عامة يحتاج تحديد الهوية الى نمط ظاهر وثابت قابل للرصد حتى يمكن للباحث تصنيف الاقتصاد ووضعه ضمن مجموعة اقتصادات تشترك في سمات وخصائص محددة تتعلق بطبيعة وحجم الموارد المتاحة لديها وأسلوب ونمط تخصيص هذه الموارد وإدارتها والمستفيد النهائي من العائد والمردود المتأتي من استغلال هذه الموارد والتى تفضي الى تحديد طبيعة النظام الاقتصادي السائد ومن ثم تحديد النشاط الاقتصادي الذى يعرف من خلاله الاقتصاد بين الاقتصادات العاملة والمنافسة، وفي هذا السياق يرد ذكر الاعتبارات التالية:
– هل هوية الاقتصاد رأسمالية أم اشتراكية أم أن الاقتصاد مختلط ؟
– هل يعتبر الاقتصاد اقتصاد سوق اجتماعي تضطلع فيه الدولة بالرعاية والإعانة لرعاياها، بصرف النظر عن حجم ونوعية الموارد الاقتصادية المتاحة ؟
– هل يعتبر الاقتصاد زراعي أم صناعي ومن ثم تعتبر الدولة صناعية أو زراعية ، أم أن الاقتصاد خدمي ، ويعتمد التصنيف في هذه الحالة على القطاع الذي يقود التنمية ؟
– هل هوية الاقتصاد تقوم على العولمة والحداثة، كما هو الحال في إمارة دبي مثلا ، أم أن الهوية تحدد في سياقها الاجتماعي والتاريخي كما هو الحال في إمارة أبوظبي ؟
– هل تصنف هوية الاقتصاد ضمن ما يعرف بالطريق الثالث الذي يعتمد التوازن بين الرأسمالية بكامل أدواتها، وبين الرعاية الاجتماعية كما هو الحال في الدول الاسكندنافية ( السويد والنرويج والدنمارك ) باستثناء النرويج التي يعتبر اقتصادها ريعي، غير أن قطاع الأعمال بها يقوم بمهام الإنتاج والتوزيع والدعم والإعانات في ظل حرية اقتصادية كاملة فى هذا المجال ؟
وفي ذات السياق يثار موضوع إعادة بناء الهوية او تحديثها، ومن هذه الزاوية لا يمكن غض النظر عن الواقع المحلي والعالمي، اذ لا يمكن الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية التقليدية المرتبطة بمعدلات النمو الاقتصادي وهيكل الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد فى الحكم على هوية الاقتصاد، بل يجب الأخذ في الاعتبار مدى التوافق بين الواقع المعاش وبين ما تنص عليه الدساتير والقوانين واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي المعتمدة، إن وجدت، إذ كتيراً ما يعزى غياب الهوية الاقتصادية، أو صعوبة تحديدها، إلى الانفصام بين الواقع (لمؤشراته المختلفة) وما تنص عليه وتقضي به الدساتير والقوانين السارية.
وفي الحالة الليبية، وبمراعاة الجدل القائم حول الهوية، وعلى النحو الذي تم استعراضه في مقدمة هذا الملخص، هل يكفي الاعتماد على الوصف التقليدي لليبيا من حيث طبيعة وحجم الموارد الاقتصادية المتاحة، خصائص الموقع، حجم الاقتصاد، وعدد السكان، لتحديد هوية الاقتصاد الليبي؟ أم أن للتغيرات الهيكلية التي شهدها الاقتصاد الليبي والمنعطفات التاريخية التي مرت بها ليبيا دورا في تحديد هوية الاقتصاد الليبي في ظل عدم التوافق بين التطور الذي شهدته مؤشرات التنمية الاقتصادية، بصفة عامة، وأساسات الاقتصاد الكلي، من جهة، وحالة عدم الرضا والتراجع في مستوى المعيشة وتقلص الطبقة الوسطى فى المجتمع ، من جهة اخرى ؟
كما يثير موضوع تحديد هوية الاقتصاد اشكالية مهمة تتعلق بما إذا كنا بصدد تحديد هوية الاقتصاد الليبي وفقا للواقع الحالي للاقتصاد الذى وجدناه واقعا مشوها غير واضح المعالم، وفي غياب لدور المؤسسات التي باتت منقسمة على نفسها وصارت عاجزة عن إدارة الأزمة بكفاءة؟، أم أننا بصدد تحديد ما ينبغي أن تكون عليه هوية الاقتصاد الليبي فيما لو أحسنت إدارة موارده؟، وهي الإشكالية التى يهتم بها علم الاقتصاد فى سياق عرض الموضوعات والتعبير عنها، حيت يتم التمييز بين طريقتين للعرض، وهما :
العرض أو البيان الموضوعي ( Positive Statement ) والعرض او البيان المعياري ( Normative Statement ) .
فالتعبير الموضوعي عن هوية الاقتصاد الليبي يتناول الواقع وحده ، وهو الذي يمكن التثبت منه بالدليل الذى يؤيده أو يفنده، ومن تم الإنهاء الى أن هذا التوصيف أو التحديد للهوية صحيح أو غير صحيح، أما الأسلوب المعياري فيهتم أو يتضمن غالبا ما يجب أن يكون عليه الحال، وما ينبغي أن تكون عليه هوية الاقتصاد الليبي، والصيغ المعيارية تعكس إلى حد كبير المواقف الانسانية والأخلاقية تجاه قضية معينة، وعلى هذا الأساس فإن ما يتم التوصل إليه بالنسبة لهوية الاقتصاد الليبي يخضع إلى حد كبير لتقديرنا للأهمية النسبية تلك المتغيرات المحددة للهوية، بمعنى اخر يعتمد تحديد هوية الاقتصاد الليبي على رؤيتنا لما ينبغي أن يكون عليه اُسلوب استغلال الموارد الاقتصادية وكيفية توظيفها والفرص الممكنة أمام الاقتصاد الليبي فيما لو أحسنت إدارته مقارنة بأساليب وأنماط إدارته الحالية .
وفي مقالة أخرى نشرها المستشار “محمد بوسنينة” على صفحته الرسمية حيث استكمل الموضوع وتناول فيه الخصائص المميزة للاقتصاد الليبي وتطور مؤشراته منذ اكتشاف النفط فى أوائل الستينيات من القرن المنصرم والبدء في تصديره على أسس تجارية عام 1963، كما استعرضت تطور هيكل الناتج المحلي الإجمالي الذي يُبين نسبة مساهمة مختلف القطاعات الاقتصادية في هيكل الإنتاج، وهيكل الناتج المحلى الإجمالي بشقيه الإنتاج غير النفطي والإنتاج النفطي خلال الفترة 1963-1917، وتطور هيكل الإنفاق العام وهيكل الإيرادات العامة خلال الفترة 2010-2017، موضحا النتائج الخاصة بتحليلاته فيما يلي
1- إن الطبيعة الريعية للاقتصاد الليبي لا تعبر عن هويته، ولا ينبغي أن تكون كذلك ، في ظل ما يطرأ على استخراج وتصدير النفط الخام من تغيرات وتذبذب أسعاره وفقا لمعطيات سوق النفط العالمية، فضلا عن أن النفط مورد طبيعي ناضب ولا يوفر فرص عمل إلا لنسبة محدودة من السكان نظرا لأن الصناعة النفطية تتصف بكونها كثيفة بعنصر رأس المال، بالرغم من أن مساهمة الإنتاج النفطي فى الناتج المحلى الإجمالى تقدر بنسبة 65% فى المتوسط خلال الفترة 1963-2017، وإن الإيرادات النفطية تساهم بنسبة تتجاوز 90% من مجمل إيرادات الميزانية العامة للدولة ، غير أن هذه المساهمة ليست مستدامة، حتى إن تصنيف ليبيا من قبل البنك الدولي، من حيث متوسط دخل الفرد، قد تم تخفيضه من مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط العالي ( upper- middle income ) الى مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى ( lower- middle income ) بسبب تدني الدخل المتأتي من تصدير النفط .
2- الموقع الجغرافي لليبيا لا يعبر عن هوية اقتصادها، رغم أهميته ، اذ لا يتعدى الموقع كونه مورداً من الموارد التي ينبغي توظيفها اقتصاديا ً.
3- بالنظر الى المؤشرات القطاعية التي تم استنباطها ، لا يمكننا تصنيف ليبيا دولة زراعية حيث لا تتجاوز نسبة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 5% من إجمالي مساحة البلاد ولا تتجاوز نسبة العاملين فى قطاع الزراعة 4.2% من حجم القوى العاملة في الاقتصاد، وبالمثل لا يمكننا اعتبار ليبيا دولة صناعية نظرا لتدني نسبة مساهمة القيمة المُضافة للصناعات التحويلية فى الناتج المحلي الإجمالي حيث لا تتجاوز هذه النسبة 4.5% فى المتوسط خلال الفترة 2000-2016، كما أن نسبة القوى العاملة فى الصناعة، بما فى ذلك الصناعات الاستخراجية ، لا تتجاوز 20% من إجمالي القوى العاملة فى الاقتصاد، ومن ناحية أخرى نجد أن نسبة مساهمة قطاع الخدمات الإنتاجية ( التجارة والنقل والمواصلات والمطاعم والتمويل والتأمين ) فى هيكل قطاع الخدمات كانت في حدود 15% بينما كانت مساهمة قطاع الخدمات الاجتماعية ( الإسكان والمرافق والخدمات الحكومية : التعليم والصحة والخدمات الأخرى ) في حدود 85 % خلال عام 2016، وتعتبر هذه النسب التي تم الوقوف عليها في مختلف القطاعات ضئيلة بالمقارنة بالمؤشرات المعيارية المتعارف عليها والتي يمكن من خلالها تصنيف الدولة او تحديد هوية اقتصادها .
4- لم يكن النظام الاقتصادي السائد مستقراً واضح المعالم وذو مرجعية فكرية محددة، فقد شهد النظام الاقتصادي في ليبيا ، الذي يحدد العلاقة بين مختلف عناصر الإنتاج وأساليب الإنتاج ونمط تخصيص الموارد، عدة توجهات و تغيرات منذ الاستقلال حيث تراوح النظام الاقتصادي المتبع بين الاقتصاد الحر المدار إلى نظام التخطيط المركزي ذو التوجهات الاشتراكية ، إلى نظام اقتصادي مختلط يجمع بين ممارسات اقتصاد السوق غير المنظم ، من جهة، والاقتصاد الموجه الذي يهيمن فيه القطاع العام الذى لا يتصف بالكفاءة ، على جل النشاط الاقتصادي ، من جهة أخرى، وبالرغم من صدور القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري والقانون رقم 9 بشأن تشجيع الاستثمار اللذين يكرسان النشاط الاقتصادي الحر ، الا ان الواقع يؤيد ما تضمنته هذه التشريعات حيث كانت ولا زالت الهوة واسعة بين النصوص التشريعية والتطبيق العملي على أرض الواقع ، وذلك لعدم توفر المقومات اللازمة لتفعيل هذه القوانين ، من جهة ، وعدم توافق هيكل ومعطيات الاقتصاد الليبي مع ما تنص عليه هذه القوانين، فهوية الاقتصاد لا تصدر بقانون .
وأضاف “أبوسنينة” “عليه يمكننا القول ان الاقتصاد الليبي لم تكن له هوية محددة، فهو اقتصاد كان ولا يزال يعاني تشوهات ، حيث يعادل القطاع غير الرسمى فى النشاط الاقتصادي أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تكرس هذا الوضع بعد عام 2011 فى ظل غياب الدور الكامل للدولة وانتشار الصراعات طوال السنوات السبع الماضية، ولعل اقرب وصف للاقتصاد فى ليبيا خلال تلك الفترة هو ما يعرف باقتصاد الحرب Libya,s War Economy الذي يتخد المظاهر التالية :
– اكتساب الدخل من خلال الابتزاز والتهريب
-.استباحة موارد الدولة وافتراسها .
– البيع المباشر للسلع من خلال التهريب عبر الحدود.
– اتساع دائرة السوق السوداء والأسواق الموازية . من ناحية اخرى فان
وأضاف “أبوسنينة” بأن ما ينبغى أن تكون عليه هوية الاقتصاد الليبي وطبيعة نظامها الاقتصادي ، لا زال يشكل مسالة جدلية تتباين حولها وجهات النظر ، حتى بين الاقتصاديين ، وذلك للأسباب التالية :
1- الاقتصاد الليبي في حاجة الى إعادة هيكلة على النحو الذي يكفل تنوع الاقتصاد وإيجاد مصادر بديلة للدخل يستعاض بها عن الدخل المتولد من استخراج وتصدير النفط غير القابل للاستدامة ، وهو المطلب الذي نادت به كل الدراسات التى أعدها خبراء الاقتصاد منذ تسعينيات القرن المنصرم .
2- عدم التوصل الى دستور توافقي ، يحدد طبيعة النظام الاقتصادي للدولة ونظام الحكم والعلاقة بين مؤسسات الدولة ووظائفها ويوفر الضمانات الدستورية .
3- المؤسسات القائمة تحتاج لإصلاح نظمها وأساليب عملها بحيث تصبح مؤسسات احتوائية كفوءة توفر الحوافز اللازمة لدعم اقتصاد إنتاجي ومشاركة المواطنين في تحقيق التنمية والاستقرار .
وقال “أبوسنينة في مقالته “لو سلمنا جدلا بأن هذه المحددات والمعوقات التي تقف حائلا دون تحديد الهوية المنشودة للاقتصاد الليبي يمكن تجاوزها او تحقيق متطلباتها يمكننا القول بأن النظام الاقتصادي في ليبيا يتحدد مستقبلا على النحو التالي :
“ الاقتصاد الليبي اقتصاد حر ، يعتمد التنافسية و يحقق العدالة الاجتماعية ( اقتصاد اجتماعي ) ويستفيد من الوفورات التي تقدمها اقتصاديات المعرفة ، يقوم على شراكة حقيقية بين القطاع العام والقطاع الخاص ويهدف إلى تحقيق الرفاهية للمواطنين ، وتلتزم فيه الدولة بما يلي :
1- تهيئة الظروف والبيئة المناسبة لممارسة النشاط الاقتصادي الحر ، وتبتعد الحكومة عن ممارسة نشاطات الإنتاج والاستيراد والتوزيع ، وتسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة والتوازن بين المناطق والأقاليم وتبني نظام للحكم يقوم على اللامركزية الادارية والمالية والحكم المحلي .
2- تكفل الحقوق الانسانية الاساسية الثلاثة : حق الملكية ، حق العمل ، حق التنقل .
3- منع الاحتكار وحفظ حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع ، وتوفير وفتح المخططات اللازمة للتوسع العمراني والصناعي والحرفي امام القطاع الخاص .
4- حماية رأس المال الوطني من التأميم ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحفيز وتشجيع المستثمرين الخواص والاستثمار الأجنبي .
5- ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة والالتزام بالشفافية في كافة المؤسسات العاملة والوحدات الاقتصادية العامة والخاصة .
6- تطوير استراتيجية للحماية الاجتماعية وفقا لأفضل الممارسات ، توفر الأمان الاجتماعي للمواطنين المعوزين والفئات الهشة وبناء شبكة حماية للحيلولة دون وقوع المواطنين تحت خط الفقر .
واختتم ” أبوسنينة” بأن هذه المبادئ تشكل القيم الإطار العام للنظام الاقتصادي المأمول في ليبيا ، والتي ينبغي تعزيزها بنصوص صريحة في دستور البلاد . وهو النظام الكفيل بإفراز هوية اقتصادية تعبر عن اقتصاد تنافسي متنوع منفتح يعتمد على مقوماته الذاتية ( intrinsic elements ) والتنمية البشرية ، متميز في إنتاج الطاقة البديلة والمتجددة وخدمات