ذكر البنك الدولي اليوم يوم الخميس الماضي أن ليبيا تحاول جاهدة التعامل مع الأزمات الثلاث المتزامنة وهي الحرب الأهلية وجائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت مؤخرا وعلى الرغم من تراجع حدته منذ عام 2021، فقد تسبب النزاع المسلح في إنهاك الاقتصاد الليبي حيث بلغت تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى حوالي نصف قيمته للعام 2010 قبل بدء النزاع.
وبحسب البنك الدولي أن على الرغم الجهود الكبيرة المبذولة فقد واجه النظام الصحي في ليبيا المنهك بسبب عقد من الصراع تحديات كبيرة في توفير الرعاية الصحية وضمان جودتها وسط اشتداد تأثير الجائحة وعلى الرغم من تسجيل انخفاض ملحوظ في حالات الإصابة وعدد الوفيات من الجائحة منذ مارس عام 2022، إلا انه لا يزال معدل التطعيم منخفض تم تطعيم 32.3 في المائة من السكان وتم تطعيم 17 في المائة بالكامل بحلول نهاية شهرمايو عام 2022 وبالإضافة إلى ذلك، ازداد الأمن الغذائي سوءا بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من نقص في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع في أسعارها في السوق المحلية.
وأكد البنك من جانبه تم تسجيل زيادة في إنتاج النفط في عام 2021 بمتوسط 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بـ 0.4 مليون برميل يوم ًيا في عام 2020 بعد رفع الحصار على صادرات النفط الذي كان مفروضاً في غالبية 2020. إلا أن مع تأجيل الانتخابات الوطنية التي كانت مقررة في ديسمبر 2021 والتي تزامنت مع زيادة حالة عدم اليقين
السياسية والأمنية، تراجع إنتاج النفط خلال الربع الأول من عام 2022 إلى مستوى أقل بنسبة 4.4 في المائة من متوسط عام 2021 كما واصل الانتاج تراجعه خلال الربع الثاني من هذه السنة.
وأضاف البنك أنه على الرغم من أوجه القصور الكبيرة التي يواجهها المصدران الرئيسيان للبيانات المتعلقة بالأسعار، إلا أنهما يقدمان رواية متسقة عن زيادة الضغوط التضخمية خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 والمصدران الرئيسيان للبيانات هما المعدل الرسمي للتضخم في مؤشر أسعار الاستهلاك ومعدل تضخم سلة الحد الأدنى للإنفاق1 الذي يتم قياسه من قبل مبادرة ريتش REACH Initiative و من المرجح أن تكون تقديرات الأرقام الرسمية للتضخم في مؤشر أسعار الإستهلاك أقل من المعدل الفعلي للتضخم لأنها تعتمد على البيانات التي تم جمعها بشكل أساسي في مدينة طرابلس .
وأشارت البنك الدولي إلى أن نظرا للصعوبات المرتبطة بجمع البيانات في جميع أنحاء البلاد في مشهد سياسي وأمني معقد كما يعاني معدل تضخم سلة الحد الأدنى للإنفاق من أوجه قصوره الذاتية بما في ذلك النطاق الضيق للمنتجات التي تشملها السلة ومسائل مرتبطة بشمولية التمثيل الوطني في احتساب المعدل، وعدم دقة التقديرات بسبب الاعتماد في القياسات على أدنى سعر متاح لكل منتج في السلة وبغض النظر عن كل هذه المسائل فإن الأرقام المستمدة من هذه المصادر تكشف عن ضغوط تضخمية متزايدة، حيث سجل معدل التضخم الرسمي ما يقدر بنحو 2.8 في المائة في عام 2021 مقارنة بـ 1.4 في المائة في عام 2020 و 2.2- في المائة في عام 2019.
كما أن في عام 2022، سجل معدل التضخم ارتفاعا تدريجيا ليصل إلى 5.7 في المائة في مارس 2022 مقارنة بنفس الشهر من عام 2021، وبحلول مايو 2022 سجل معدل تضخم سلة الحد الأدنى للإنفاق نسبة أعلى بـ 32.2 في المائة مما كان عليه في مايو 2021 وبـ 49.5 في المائة مما كان عليه في مارس 2020 مع بداية جائحة كورونا وتعد أسعار السلع الأساسية الأغذية والمشروبات والسكن والكهرباء والمياه والغاز وغيره من أنواع الوقود والنقل .
وتابع البنك بالقول أن المساهم الرئيسية في ارتفاع وذلك معدل التضخم الرسمي في ليبيا منذ عام 2021 حيث ساهمت الاضطرابات في سلاسل التوريد بسبب الصراع الداخلي والتدابير الصحية المتعلقة بجائحة كورونا والاعتماد على مصادر بديلة مكلفة لتزويد المياه وتوليد الكهرباء في زيادة الأسعار كما ساهمت الأزمة الروسية الأوكرانية في الضغوط التضخمية في الأشهر الماضية من خلال تأثيرها على أسعار المواد الغذائية، حيث تعتمد ليبيا بشكل كبير على واردات القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا 54% .
واردات القمح، و65 في المائة من واردات الشعير، و72 في المائة من واردات الذرة2 وعلى إثر اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، ارتفع معدل تضخم الأغذية في سلة الحد الأدنى للإنفاق ليصل إلى 40.6 في المائة على أساس سنوي في أبريل 2022 قبل أن يتراجع إلى 31 في المائة في مايو 2022، وهو معدل لا يزال مرتفعا كما بلغ متوسط تكلفة الأغذية في سلة الحد الأدنى للإنفاق في مايو عام 2022 مستوى أعلى بنسبة 14 في المائة عن ما كان عليه قبل الأزمة في فبراير 2022 وسجلت أرخص علامة تجارية للطحين ارتفاعا في اسعارها بنسبة 17 في المائة في مايو 2022 مقارنة مع فبراير 2022، بينما سجلت أسعار الكسكس والخبز في مايو عام2022 ارتفاعا بنسبة 80 في المائة و34 في المائة، على التوالي مقارنة بفبراير 2022. تترجم كل هذه الأرقام إلى ارتفاع في معدل التضخم وانخفاض في الاستهلاك وهو ما يمكن أن يفاقم أوضاع الفقر والجوع التي تعاني
منها الأسر ذات الدخل المحدود والتي تعتمد بشكل أساسي على شراء الأغذية.
وأوضح البنك أن ميزان المالية العامة شهد مسارا عكسيا حيث تحول من عجز يساوي 64.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى فائض يساوي 10.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 و يعود ذلك إلى القفزة التي سجلها إنتاج النفط وأسعاره وانخفاض سعر الصرف حيث أن الكثير من النفقات وخاصة الأجور مقومة بالدينار الليبي، في حين أن 98 في المائة من الإيرادات في عام 2021 كان مصدرها النفط المقوم بالدولار الأمريكي ونتيجة لذلك، ارتفع الإنفاق الحكومي بالدينار الليبي بنسبة 87 في المائة في عام 2021 مع ارتفاع الإنفاق في جميع الفئات أو البنود الرئيسية للميزانية إلا أنه نظرا لإنخفاض سعر الصرف بنسبة 70 في المائة في يناير عام 2021، فقد انعكس ذلك الى انخفاض بنسبة 44 في المائة في الإنفاق بالدولار
الأمريكي.
وقال البنك تتميز توقعات الإنفاق الحكومي لعام 2022 بحالة عدم اليقين حيث أنه في ظل عدم اعتماد الميزانية، تقوم حكومة الوحدة الوطنية بالإنفاق على البنود الأساسية أجور ومرتبات موظفي الخدمة المدنية والتحويلات الاجتماعية والدعم استنادا إلى قاعدة 12/1، مع قدر محدود من المساءلة والشفافية و تزيد موافقة مجلس النواب مؤخرا على ميزانية حكومة الإستقرار الوطني من الضغط على مصرف ليبيا المركزي فيما يتعلق بتحويل الأموال إلى الحكومتين المتنافستين كما أن تراجع عائدات النفط وقرار الاحتفاظ بالإيرادات في حساب المؤسسة الوطنية للنفط في المصرف الليبي الخارجي بدلاً من تحويلها إلى مصرف ليبيا المركزي.
ووفقا للبنك يعد حجم الدين العام في ليبيا كبيرا ولكن يمكن إدارته طالما تواصل إنتاج النفط وتصديره ففي نهاية عام 2021، قدر حجم الدين العام بمبلغ 156 مليار دينار ليبي، وهو ما يمثل 83 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في حين أن الدين العام محلي ومقوم بالدينار الليبي تتأتى الإيرادات الحكومية في المقام الأول من صادرات النفط المقومة بالدولار الأمريكي و من المتوقع أن سهولة تأمين خدمة التزامات الدولة ازدادت منذ عام 2021 بسبب الزيادة في عائدات النفط والانخفاض الكبير في سعر الصرف الرسمي
في أوائل عام 2021.
كما سجل كل من الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري في ليبيا انتعاشا في عام 2021 وأوائل عام 2022 بفضل تعافي صادرات وإيرادات النفط في عام 2021، تضاعفت صادرات ليبيا أكثر من ثلاثة أضعاف مع ارتفاع أسعار النفط العالمية وانتعاش أحجام صادرات النفط بعد رفع الحصار الذي تم فرضه في عام 2020 على محطات تصدير النفط ونتيجة لذلك و على الرغم من مضاعفة واردات السلع مقارنة بعام 2020، تشير التقديرات إلى ان الميزان التجاري قد سجل فائضا بنسبة 21.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 مقارنة بعجز قدره 14.7 في المائة في عام 2020
وبالمثل، عكس الحساب الجاري مساره حيث تحول من عجز بنسبة 15.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى فائض بنسبة 21.1 في المائة في عام 2021. وتكشف البيانات المتعلقة بتجارة السلع لشهري يناير وفبراير 2022 عن فائض تجاري قدره 5.3 مليار دولار أمريكي .
ولا يزال صافي الإحتياطيات من العملة الأجنبية بمستوى مريح وتشير التقديرات إلى أن مستوى الاحتياطيات الليبية لا يزال يعمل حيث وصل في عام 2021 عند حدود 46 شهرا من الواردات و3.7 ضعف عرض النقد M2، وذلك بفضل تواصل تدفق الدولار الأمريكي على شكل عائدات تصدير النفط، ومنذ تخفيض سعر الصرف في يناير عام 2021، تقلصت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء بشكل كبير حيث ظل السعر الرسمي مستقرا نسبيا طوال عام 2021 .
المتوسط خلال الفترة 2016-2020:
وتطرق البنك إلى أن انخفاض قيمة العملة بدأت تزداد حيث شهد الدينار انخفا ًضا بنسبة 7.4 في المائة منذ يناير عام 2021 انخفاض بنسبة 4.6 في المائة منذ نهاية عام 2021 كما تتواصل أزمة السيولة في ليبيا مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الأسر والشركاتكما تتميز الآفاق الاقتصادية بحالة عدم اليقين حيث أنه من المستحيل التنبؤ بالنتائج الاقتصادية بأي درجة من الثقة بسبب شدة حالة عدم اليقين التي تعتمد على التطورات السياسية والأمنيةومع ذلك، إذا تمكنت ليبيا من الحفاظ على مستويات إنتاج النفط وصادراته أو زيادتهما مقارنة بعام 2021، أو على الأقل تجنب وقف الإنتاج والتصدير لفترات طويلة فقد تستفيد من الارتفاع الكبير لأسعار النفط العالمية، مما سيترجم إلى نمو اقتصادي قوي وإيرادات مالية أعلى وتدفق للعملة الأجنبية وهو ما من شأنه أن يؤثر إيجاباً على كل من الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري وميزان المالية العامة.
ووفقا للبنك يتمثل الخطر السلبي الرئيسي في الانزلاق مجددا إلى مربع العنف والصراع المسلح كما يشكل تفشي فيروس كورونا وظهور متحورات جديدة خطرا آخربالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى مزيد من الاضطرابات في سلاسل التوريد وزيادات أكثر حدة مما هو متوقع في أسعار المنتجات الزراعية ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى رفع أسعار السلع المستوردة الأخرى، مما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين ومن المحتمل أن يؤدي إلى تراجع الاستهلاك وتفاقم مشكلة الأمن الغذائي وزيادة استخدام آليات المواجهة السلبية من قبل الأسر ذات الدخل المحدود.
كما يمكن أن يؤدي وجود حكومات متنافسة في شرق وغرب البلاد والمفاوضات الجارية حول إدارة واستخدام عائدات النفط إلى تعقيد عملية الإنفاق الحكومي وبالتالي الحد من قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة وتمويل المشاريع الإنمائية ويمكن أن يؤدي حدوث تباطؤ في معدل النمو العالمي بشكل أكثر مما هو متوقع إلى خفض الطلب العالمي على النفط مما يؤدي إلى انخفاض الصادرات وانخفاض الإيرادات الحكومية وتراجع النمو الاقتصادي وميزان المالية العامة وميزان الحساب الجاري، إلى جانب تراجع الاحتياطيات من العملة الأجنبية .