| مقالات اقتصادية
الترهوني يكتب: الخزان العائم سلوق: قصة حزينة تُروى ومسمار آخر يدق في نعش القطاع البحري الليبي! الجزء الثاني
كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني
استمر الخزان خارج السيطرة لأيام وهو في عرض البحر، الأمر الذي حذا برئيس مصلحة الموانئ إلى التشبث مجدداً بموقفه والمتمثل في عدم جر الخزان إلى أي من الموانئ الليبية وقد شاطره في رأيه مدير ميناء طبرق البحري الذي أبدى جملة من الملاحظات تحُول جميعها دون تراكي الخزان في ميناء طبرق التجاري أو رصيف الحريقة أو القاعدة البحرية، وفي غضون ذلك قام مالك الخزان بالتنسيق مع ركن القوات الجوية والضفادع البشرية لإرسال عدد طائرتين عموديتن بالإضافة إلى تنسيقه مع الشركة الليبية للمواني والتي أرسلت القاطرة ايراسا للمشاركة في إنقاذ الخزان، وبالطبع فإن هذا الأمر أستغرق اياماً وخلال فصل الشتاء، في الاثناء قامت إدارة المصلحة بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة والتي توجهت إلى مدينة طبرق قبل نهاية شهر ديسمبر، ووسط كل هذه الأحداث المتلاحقة والمتسارعة تدخل النائب العام مشكوراً بعد أن تكونت لديه صورة لما يحدث وأعتبر أن الخزان سلوق هو (سفينة مهملة Derelict vessel)، وللأمانة فان تدخل النائب العام قد حفظ شيئاً من ماء الوجه لليبيا عموماً والقطاع البحري الليبي خصوصاً، وأصدر تعليماته بجرالخزان إلى طبرق حيث يضم خليج طبرق ميناء طبرق التجاري ورصيف الحريقة والقاعدة البحرية.
وحيث أن طول الخزان أطول من أي رصيف تجاري فقد تم الإتفاق بين جميع الأطراف والمتمثلة في المالك وآمر القاعدة البحرية واللجنة المشكلة من مصلحة الموانئ بالخصوص على ربطه إلى رصيف القاعدة البحرية، ومع قرب وصول الخزان لخليج طبرق تكفل المالك بالتعاقد مع قاطرة إيطالية وعدد من القاطرات التابعة لشركتي الانقاذ والليبية للموانئ، وتم أولاً قص الجسر Yoke في خليج طبرق ثم تم جر الخزان إلى رصيف القاعدة والذي تم بسلام يوم الاثنين 17يناير 2022، وبذلك يكون فصل درامي آخر وأرجو أن يكون الأخير قد أنتهى ليبدأ بعدها فصل جديد وطويل بعض الشئ إلا وهو المعركة القانونية والتي من المفترض أن تحدد مسؤولية كل طرف من الأطراف بداءاً من شركة مليتة للنفط والغاز مروراً بمصلحة الموانئ وصولاً إلى مالك الخزان، وهنا وجب التنويه إلى نقطة غاية في الأهمية وهي إصرار المالك وحتى قبل إصدار شهادة الجر على دخول الخزان إلى المياه الإقليمية الليبية وذلك لإحضار ورشة تضم عناصر وطنية ليبية تقوم بقص الجسر الذي أصبح عائقا لعملية جر الخزان أو دخوله لأي ميناء إلا أن طلبه قوبل بالرفض من قبل رئيس المصلحة للأسباب المذكورة في المقال، وفي كل الأحوال لقد أثبتت الكفاءات الفنية الوطنية والشركات البحرية الليبية الخاصة منها والعامة قدرة وبراعة في التعامل مع الخزان وفي طقس شتوي.
إن وجود الخزان بوضعه الحالي في رصيف القاعدة البحرية طبرق وإن كان بشكل مؤقت هو ليس نهاية القصة، لأن وضعه ليس آمناً على الإطلاق وهو ما أكد عليه مدير ميناء طبرق في كتابه الموجه لرئيس مصلحة الموانئ مطلع العام 2022، وفي كل الأحوال فالخزان بحاجة إلى وجود قاطرة واحدة بالقرب منه وعلى مدار الساعة وبالأخص في الأحوال الجوية السيئة لأن طريقة ربطه بوضعه الحالي خطرة، كما أنه بحاجة إلى معدات إطفاء حريق، وأن الصعود للخزان يتم عبر سلم المرشد ولمسافة عمودية تزيد عن 25 متر وهذا بحد ذاته خطير ومخالف لكل التشريعات والاعراف البحرية، كما أن الخزان قديم وهو من النوعية ذات البدن الاحادي Single hull ويجب أن لا ننسى أنه ظل مربوطاً مع نقطة الربط SPM في عرض البحر لسنوات طويلة وأن أي من عمليات التحويض لم تتم عليه خلال مدة ربطه، وبالتالي فالضرورة تقتضي إجراء معاينة للبدن وقياس نسبة تآكله، وهل هناك إمكانية حدوث تسرب Leakage لترسبات النفط الخام في خزاناته من عدمها Sludge، وكل هذا قد يؤدي وفي أي لحظة إلى حدوث كارثة بيئية لا تحمد عقباها، وهنا يطرح السؤال الثالث نفسه وهو:- ماهو الحد الأدنى من إجراءات السلامة التي تم اتخاذها أثناء وبعد تراكي الخزان بسلام، وهل هي ضمن خطة متكاملة؟
من نافلة القول أن أبسط ابجديات التخطيط وإدارة المخاطر والأزمات تحتم على جميع الاطراف التقدير المسبق لكل المخاطر المنظورة منها والمتوقعة، فأين كل الاطراف المعنية بقصة الخزان من هذه الابجديات، وهذا بدوره يفسر كيف تحولت عملية فصل خزان وجره من عمل روتيني إلى قضية رأي عام تولاها النائب العام بنفسه، وهنا يطرح السؤال الرابع نفسه وهو أين الثغرات والاخطاء والقصور في كل مرحلة من المراحل أي منذ طلب المالك رخصة الجر وإلى هذه الساعة، وماذا لو لم يتدخل النائب العام فمالذي كان سيحدث، وماهي الكوارث التي كانت ستحدث في البحر المفتوح أو على سواحل ليبيا من جراء سوء إدارة عمل بحري عادي كاد أن يتحول إلى كارثة؟
خلاصة القول، على الرغم من أن الوقت قد حان لإعادة النظر في اختصاصات السلطة البحرية وبالاخص الاذونات والتراخيص البحرية وجعلها أوسع وأشمل من ذي قبل إلا أن قضية الخزان سلوق أوضحت أن جميع الأطراف قد إكتفت بردات الفعل ، أي أنها عالجت الاعراض وتركت أصل المشكلة ولا عذر لأحد منهم في ذلك ، وهذا يدعونا للقول صراحةً أن العمل البحري في ليبيا هو بحاجة لمبادرين يقومون بالفعل وليس الاكتفاء بردات الفعل، وعلى العكس من ذلك فقد أوضحت هذه القضية قدرة العناصر الوطنية البحرية على العمل والإبداع متى اتيحت لها الفرصة.
إن ماتم تناوله في هذا المقال ليس سراً وهو معلوم لدى أغلب المهتمين بالشأن البحري الليبي ولا يعدو أكثر من كونه قمة جبل الجليد في قضية تحولت من عمل روتيني إلى قضية رأي عام، وهذه دعوة صادقة مني لابناء القطاع البحري الليبي الذي يعاني بل ويئن (وهي حقيقة مجردة رغم قبحها ومرارتها) في أن يهبوا هبة رجل واحد لانتشاله مما يعانيه، وفي الختام يبقى الأمل في الله وحده سبحانه وتعالى فهو خالقنا وهو القادر على تغيير كل شئ وإليه المصير .