كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني
تناولت قبل نهاية شهر ديسمبر الماضي موضوع التخبط في إدارة الملف الاقتصادي الليبي، وقلت في حينها أن الحديث عن تجارة العبور اعتماداً على موقع ليبيا الجغرافي هو موضوع يتم اثارته بين الفينة والأخرى ومنذ عصر المملكة، وهذا الطرح غير واقعي قياساً الى الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، وأن ليبيا بحاجة لبنية تحتية في الطرق والسكك الحديدية والاتصالات والمصارف قبل كل شئ ليتم بعدها الشروع في تطويرالموانئ والمطارات، وحتى إن تم تبني هذا الطرح فهو بحاجة إلى تمويل وبالمليارات، والتمويل بحد ذاته هو بحاجة إلى دراسة وتأني بغض النظر عن طريقة التمويل.
إن اي فكرة هي بحاجة الى بيانات يتم صياغتها في صورة أهداف قابلة للقياس وواقعية التطبيق وضمن وعاء زمني يحدد البدايات والنهايات لتصبح واقعاً معاشاً، وللقارئ المتمعن ان يدرك وبعيداً عن التمويل ومصادره أن البنية التحتية للاتصالات اولاً ثم الطرق البرية ثانياً والنظام المصرفي ثالثاً هي الاساس وبدونها لا يمكن الشروع في أي مشاريع وطنية كبرى، بل وبدونها لايمكن أن تكون هناك أي تنمية مكانية في عموم البلاد، وإذا ماتمت هذه الخطوات وبشكل صحيح وضمن تخطيط سليم فانه من السهولة عندها الكلام عن إنشاء المدارس والجامعات والموانئ والمطارات..الخ كخطوة تالية، ثم التحدث عن تجارة العبور والتنوع الاقتصادي البديل للريع كخطوة لاحقة وبشرط أن يتم كل هذا ضمن خطوة تنموية شاملة.
وفي ذات السياق لقد أوضحت أن مشكلة ليبيا تكمن في إدارة الموارد المتاحة وليس الموارد في حد ذاتها، وبعبارة أخرى فإن الشرط الأساسي لنجاح أي تطوير أو حتى مجرد التفكير في استحداث بديل أو بدائل حقيقية للاقتصاد الليبي الريعي هو توفر إرادة حقيقية وتخطيط سليم وكوادر وطنية متخصصة بعيداً عن أشباه المتعلمين والنفعيين والمهرجين وهو الذي نراه واقعاً في ليبيا ومنذ سنوات طويلة، ومازاد الطين بلة هو تكريس فكرة المناطقية والجهوية، وكل هذه العوامل مجتمعة شدت ولا زال تشد ليبيا للوراء كل يوم.
في الاثناء أنهت الشقيقة مصر المرحلة الأولى من طريق بري داخل أراضيها وبطول 1155 كيلومتر وبكلفة 1.6 مليار دولار وهو جزء من طريق بري يربط شمال إفريقيا بجنوبها و بطول 10228 كيلومتراً، وهو بالمناسبة أول طريق يربط بين بلدان قارة كاملة ، ويمرعبر 9 دول أفريقية من مصرفي الشمال مروراً بالسودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي والجابون لينتهي في جنوب أفريقيا، وعند الانتهاء من الطريق في العام 2024 سيكون بإمكان أي تاجر توريد بضاعته عن طريق الموانئ المصرية على شاطئ البحر الاحمر أو البحر المتوسط ثم ارسالها لاي دولة تقع على طول هذا الطريق وبكل سهولة، وتجدر الاشارة إلى أن نقل البضائع من الموانئ المصرية على شاطي المتوسط إلى جنوب أفريقيا سيكون بين 4 او 5 ايام فقط عوضاً عن اسبوعين أو ثلاث اسابيع تحتاجها السفن للمرور من البحر المتوسط إلى غرب افريقيا ثم إلى جنوبها.
الشقيقة مصر وضعت أيضاً مخططاً ومنذ سنوات لإنشاء عدد من الموانئ الجافة داخل تراب الجمهورية والتي ستكون جاهزة قبل الانتهاء من مشروع الطريق الافريقي، وبذلك تكون مصر قد أرست قاعدة صحيحة وسليمة لتنويع اقتصادها (المتنوع اصلاً) بل وزادت من الدخل القومي الذي سينعكس ايجاباً على حياة مواطنيها.
على النقيض من ذلك تماماً فإن ليبيا ومنذ سنوات عديدة استحدثت مناطق حرة وأخرى للتبادل التجاري ولكن قرارات انشائها بقيت حبيسة الادراج والسبب هو غياب الإرادة لفعل ذلك بالتوازي مع غياب الكوادر الوطنية المؤهلة والصادقة والتي تقدم مصلحة الوطن على مصلحتها، وإذا ماأفترضنا جدلاً أن خطط الإنشاء هذه صحيحة وواقعية وبنيت على اساس علمي فان تنفيذها على أرض الواقع سيكون صعباً لاسباب قانونية تتعلق بنزع الملكية والتعويضات، بالإضافة إلى الحاجة الماسة والفورية لشبكة طرق حديثة ومنظومة اتصالات وطنية فاعلة وحديثة وهي الخطوة الضرورية والتي لابد أن تسبق إنشاء هذه المناطق.