كتب: د.عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي اقتصاديات النقل
الغذاء هو أحد عناصر البقاء للجنس البشري، وهو أحد محددات الأمن القومي أو القوة الذاتية لأي دولة، وفي حال حدوث عجز أو نقص في الطعام أوالماء فإن ذلك يُعد مؤشراً خطيراً لأن له تبعات وانعكاسات لاتُحمد عقباها، وفي هذا الجانب يعتبر الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية في الوطن العربي، فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والموارد البشرية، إلا أن الزراعة العربية لم تحقق الزيادة السنوية المستهدفة في الإنتاج لتغطية الطلب المتزايد على الأغذية، بل وأتسعت الفجوة الغذائية أكثر من ذي قبل وأصبحت الدول العربية تستورد حوالي نصف إحتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية، وفي المقابل تحاول الدول العربية العمل على توفير احتياجاتها من الأغذية وبالأخص في أعقاب الأزمة العالمية التي بلغت ذروتها في العام 2009، إجمالاً يمكننا القول أن دول الوطن العربي باستثناء دول الخليج العربي تمر بحالة حالة عجز أو شبه عجز غذائي تزداد حدتها يوماً بعد يوم، وبعبارة أخرى فالفجوة الغذائية والتي تمثل الفرق بين الكميات المنتجة محلياً والكميات اللازمة للاستهلاك المحلي قد اتسعت بمرور الوقت، وهذا بدوره يُشكل خطراً كبيراً على اقتصادات الدول العربية ويعمل على إضعاف أرصدتها ويعزز مديونياتها ومن ثَم تبعيتها الاقتصادية والسياسية لدائنيها، وما ارتفاع أسعار الحبوب عالمياً وأزمة رغيف الخبز في ليبيا مطلع العام 2021 إلا حلقتين من حلقات العجز الغذائي العالمي.
لقد ظهر مصطلح “الأمن الغذائي” في أواخرالقرن الماضي، وذلك عندما بدأ الباحثون والعلماء في تحويل تركيزهم من العمل على وقف المجاعات إلى قدرة الأسر والبلدان على توفير إمدادات كافية من الغذاء على المدى الطويل، وقد إكتسب هذا المفهوم المزيد من الإهتمام عقب الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائيّة في نهاية العام 2008، وقد حددت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مفهوم الأمن الغذائي في “أن الأمن الغذائي يعني توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة”، ويختلف هذا التعريف عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال اعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محلياً، ولكن هذه التعريفات لم تعد تُجاري روح العصر ولا تواكب التطورات المتسارعة التي شهدها الكوكب منذ مطلع التسعينات وحتى الآن وبالتالي فإن هناك ضرورة لتحديثها.
بحسب تقرير صادر عن صندوق النقد العربي في العام 2018 فإن تصنيف السلع الغذائية الرئيسية في الدول العربية يشمل أربع مجموعات أو فئات بحسب وفرتها ومن الأعلى إلى الأقل وفرة، بحيث تضم المجموعة الأولى السلع التي حققت وفراً، بل وفائضاً للتصدير وهي الأسماك والخضروات، وأن المجموعة الثانية تشمل البطاطس وبعض الفواكه، في حين تضم المجموعة الثالثة اللحوم والأرز والألبان ومشتقاتها والبقوليات، أما الفئة الرابعة والتي تشكل القسم الأكبر من عناصر الفجوة الغذائية في الوطن العربي فهي تضم الحبوب وفي مقدمتها القمح والزيوت النباتية والسكر.
وبحسب نفس التقرير فإن الأمن الغذائي لا بد وأن يتم من خلال التركيز على سياسات فاعلة تعمل بدورها على دعم وتطوير البحوث الزراعية، وعلى زيادة الاهتمام بالتخطيط الزراعي واختيار التركيبات المحصولية الملائمة، وأن ذلك يتحقق من خلال إعداد وتنفيذ خطط وبرامج تشمل حصر ومسح وتصنيف ورصد الموارد الطبيعية الزراعية واستصلاح الأراضي، وتطوير أنظمة الحيازات الزراعية كي تكون أكثر فاعلية، وإقامة شبكات متطورة لرصد وتتبع المياه السطحية والجوفية، والتوسع في استخدام أنظمة الري الحديث، والاستغلال الأمثل للأراضي والأحواض المائية، وهذا يعني ترشيد الزراعة البعلية والحد من توسعها، بالتوازي مع وضع خطط وبرامج لوقف انتشار التصحر، والإنتاج المشترك لبعض مستلزمات الإنتاج بدلاً من إستيرادها من الخارج، والعمل المشترك لمكافحة الملوحة والتلوث، وتطوير محطات الأرصاد الجوية، بالاضافة الى تشجيع الهجرة الى الريف والأماكن البعيدة عن التجمعات السكانية.
أما نظام فاو العالمي للمعلومات والإنذار المبكر فقد تنبأ نهاية شهر أكتوبر 2020 بالوضع الغذائي في ليبيا في العام 2021، وأن محصول إنتاج الحبوب خلال العام 2020 قد كان أقل من المتوسط، وأن عدم الاستقرار السياسي يؤثر بدوره سلباً على الاقتصاد، في حين لازال انعدام الأمن وحالة عدم الاستقرار يزيدان من كلفة مدخلات الزراعة وبالتالي كلفة المنتجات الزراعية والحيوانية، وعليه فإن عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة في ليبيا بحلول العام 2021 سيكون أقل قليلاً من مليون نسمة وبالتحديد عند تسعمائة ألف، لكن على الأرجح أن تكون أرقام شهر يناير 2021 أعلى من هذا الرقم في ظل الأزمات المتفاقمة في ليبيا وآخرها أزمة رغيف الخبز، دون أن نغفل عن شئ مهم وهو أن ليبيا تستورد كل شئ تقريباً بما فيها مكونات الوجبات الغذائية اليومية وباستثناء الخضار وبعض الفواكه الموسمية والتي يتم إنتاجها محلياً.
بحسب تقارير (فاو) ذات الصلة، وتقرير الأمن الغذائي العالمي عن العام 2019Global Food Security Index الصادر عـن The Economist، والذي يقيس الأمن الغذائي بناءاً على ثلاث عوامل أو معايير هي: قدرة المواطنين على شراء الطعام، و مدى توفره، وجودته، فإن سنغافورة قد تصدرت الترتيب عالمياً وبمجموع نقاط قدرها 87.4 % من المؤشر العام تلتها إيرلندا وبمجموع نقاط قدرها 84 % ثم الولايات المتحدة وبمجموع نقاط قدرها 83.7% بالرغم من تراجع مؤشرات جودة ونوعية الطعام في الولايات المتحدة خلال العام 2019، تلتها كل من سويسرا وفنلندا في المرتبتين الرابعة والخامسة عالمياً وبمجموع نقاط قدرها 83.1% و82.9% على التوالي.
أما فيما يخص ترتيب الدول العربية فقد جاءت قطر في المركز الأول عربياً والثالث عشر عالمياً وبمجموع نقاط قدرها 81.2% وبالمناسبة فقد أحتلت قطرالمرتبة الأولى عالمياً ضمن المؤشر الفرعي للقدرة الشرائية للطعام لمواطنيها، في حين جاء الإمارات الثانية عربياً و21 عالمياً وبمجموع نقاط قدرها 76.5%، وجاءت الكويت في المرتبة الثالثة وبمجموع نقاط قدرها 74.8%، بينما جاءت كل من السعودية وسلطنة عمان في المرتبتين الرابعة والخامسة عربياً وبمجموع نقاط قدرها 73.5% و68.4% على التوالي.
من نافلة القول أن القضاء على الجوع هو الهدف الأول لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SDGs والتي تبنتها الأمم المتحدة قبل سنوات قليلة، وأن دول الخليج وبالرغم من مراكزها العالمية المتقدمة في الأمن الغذائي إلا أنها أحست بالخطر وعملت ولازالت تعمل على إنشاء شبكة أمن غذائية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي النسبي لدولها، فمتى تستفيق باقي الدول العربية وتحقق أمنها الغذائي سواء بصورة منفردة أو في صورة تكتلات؟