كتب الخبير الاقتصادي عبد الحكيم التليب عبر صفحته الرسمية على الفيس مقال بعنوان “القروض الحكومية”
كما أكد التليب خلال المقال أن عملية تمويل المشاريع والحركة الإقتصادية هي في حد ذاتها نشاط إقتصادي له أسواقه ووسائله وأدواته الإستثمارية المالية المعروفة مثل أسواق الأسهم والسندات والمصارف والشركات الإستثمارية وغيرها، وهذه الوسائل يطلق عليها أسم ( الأسواق المالية ـ Financial Markets) وهي تمثل العمود الأساسي للإقتصاد الحديث ولا يوجد في هذا العصر إقتصاد واحد ناجح بدون هذه الوسائل، ومثل اي نشاط إقتصادي حقيقي أخر فأن هذه الأسواق تخضع لعوامل وأليات السوق والعرض والطلب، وتخضع أيضا وبطبيعة الحال للقوانين والتشريعات النافذة وللمراقبة الصارمة من طرف الجهات الحكومية المختصة، وهذه الوسائل مصممة لتحقيق أوسع مستوى ممكن من المشاركة والشفافية والتوزيع الأفقي للفرص والموارد والعوائد.
وأضاف التليب أن حكاية ( القروض الحكومية ) أو القروض بضمانات حكومية فأنها مجرد باب أخر من أبواب الفساد والفشل وصنع المشاكل والحساسيات والصراعات، وهو مجرد تطبيق أخر لنظرية أطلق الغراب وأجري تحته الشهيرة، ولا توجد حكومة واحدة مسئولة ومحترمة تسمح لنفسها بالتصرف في أموال الناس ومنحها في صورة قروض او تسهيلات، والنتيجة المؤكدة لتطفل الحكومة على هذا الموضوع هو نشر المزيد من الفساد والمشاكل والحساسيات.
وأشار إلى أن هذه بديهيات ومعلومات عامة يعرفها كل من يمتلك بعض الإطلاع ولا تحتاج الى خبراء، ومهمة الحكومة ليس تقديم القروض بل توفير البيئة الشفافة المحفزة المشجعة ويمكن لها تقديم الإعفاءات الضريبية وغيرها من الحوافز المشابهة، أما على صعيد الدعم المالي المباشر فأن دور الحكومة لا ينبغي ان يتجاوز مستوى ما يسمى بحاضنات الأعمال المصممة لتشجيع وتقديم بعض الدعم للمبادرات الجديدة الواعدة، وهذا النوع من الدعم يتم غالبا عن طريق تنظيم ( مسابقات ) علنية شفافة يشترك فيها أصحاب المبادرات ويتم منح جوائز وتسهيلات مالية وعينية للفائزين، وتتم عملية التقييم بشكل علني شفاف من طرف فرق فنية متخصصة أمام الجميع وليس من خلف الكواليس والأبواب المغلقة.
وقال التليب : احد المحاور الرئيسية لمشروع دولة المواطنة هو توظيف وسائل الأسواق المالية الحديثة بطريقة تتناسب مع الظروف والمعطيات المحلية السائدة في هذا البلد وبما يحقق إنقاد موارد وأموال المواطنين من هيمنة الحكومة وإعادتها الى أصحابها المواطنين بطريقة عادلة وشفافة وبما يحقق بعث نهضة تنموية إقتصادية حقيقية يساهم فيها الجميع ويعود مردودها على الجميع، بينما تعود الحكومة الى ممارسة الدور الطبيعي للحكومات المتمثل في القيام بدور الجهة الحارسة والمنطمة وتتوقف عن الإستحواد والهيمنة على مقدرات وأرزاق وموارد الناس، ويتم تمويل مصاريف الحكومة عبر جباية الرسوم في مقابل الخدمات المباشرة التي تقدمها الحكومة، وكذلك تحصيل نسبة متفق عليها من عوائد النشاط الإقتصادي في صورة ضرائب لتغطية مصاريف الخدمات الغير مباشرة مثل حفظ الأمن والدفاع وغيرها، مع العلم ان الوسائل التقنية الخاصة بالأسواق المالية وصلت الى مرحلة غير مسبوقة من النضج والإثقان وسهولة الإستخدام وإنخفاض التكلفة حتى وصل الأمر على سبيل المثال ببعض الأفراد الى إنشاء وتشغيل سوق للإسهم من حجرة نومهم.
وتابع قائلاً :عندما تتوفر مثل هذه التركيبة والبيئة المحفزة فأن النتيجة الطبيعية المتوقعة هو ظهور بيئة محفزة تنافسية شفافة، وسيكون بإمكان المواطنين الإنطلاق والإبداع والتنافس وبعث المبادرات وتكوين المؤسسات والشركات بمختلف الإختصاصات والإحجام، من المبادرات الفردية الصغيرة الى الشركات المساهمة العملاقة التي تعود ملكيتها للألاف من المساهمين والمستثمرين عبر الوسائل الإستثمارية المعروفة، وسوف تكون هذه المبادرات والشركات قادرة على إستيعاب الالاف من الباحثين عن عمل، وقادرة على تحقيق عوائد ضريبية للدولة بعيدا عن الإعتماد على مصدر البترول، وسيكون بإمكان الدولة إعادة توزيع وصرف تلك العوائد على الخدمات العامة مثل التعليم والأمن والدفاع ورعاية الطبقات الأضعف في المجتمع مثل الأطفال الصغار والطلبة وكبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة وغيرهم.
وأضاف أن هذا هو السبيل لتحقيق التنمية وفتح أبواب الفرص أمام الناس، وليس عن طريق القروض الحكومية التي لا تحقق ألا الفساد والفشل وهدر موارد وأرزاق العباد والبلاد.