نشر الخبير الاقتصادي عبد الحكيم التليب مقالاً تحت عنوان “عندما يخاف الميت من الموت !!” ..
وتحدث التليب في هذا المقال عن ما يسمى بالدعم السلعي ، ودعم الكهرباء والوقود وكيفية إنهائها وإرجاع السيطرة والموارد إلى الشعب والمواطنين ، وننقل لكم هذا المقال لقراءته .
“إنهاء مهزلة ما يسمى بالدعم السلعي، وإعادة المليارات التي تهدر حاليا على دعم الكهرباء والوقود وغيرها من المواد إلى أصحابها الشرعيين الذين هم جميعا مواطنو هذا البلد، وإنهاء كابوس هيمنة الحكومة الفاشلة على موارد الناس وأرزاقهم ومقدراتهم وتركهم في حالهم لكي يحلوا مشاكلهم بإنفسهم ويبنوا بلدهم كما تفعل كل الشعوب الواعية التي تحترم نفسها .
هذه بديهيات ومطالب منطقية مشروعة لا يعترض عليها إلا شخص غائب عن الوعي، خاصة عندما تقترن هذه المطالب المنطقية المشروعة مع مشروع نهضوي شامل يشتمل على وسائل وأدوات استثمارية علمية عملية مؤهلة ليس فقط لحل المشاكل المضحكة مثل انقطاع الكهرباء وزحمة الوقود والعلاج وغيرها، ولكنها مؤهلة أيضا لبعث نهضة تنموية حقيقية تستوعب الجميع وتشغل الجميع بما يؤدي إلى حل المشاكل الأخرى الجانبية الطارثة مثل ظواهر الانفلات الأمني والبطالة والفراغ والمشاكل الاجتماعية وغيرها، وكل شئ موضح ومشروح في ( مشروع دولة المواطنة عبر الإطار العملي لمبادئ الحكومة الصغيرة).
ومع ذلك، ورغم أن الموضوع من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يختلف حوله عاقلان أو تتناطح فيه عنزتان، مع كل ذلك فإنه لا تزال هناك جماهير عريضة من السادة الخبراء والبسطاء، والمخططين والمتصدرين والمفوهين الذين يعترضون بحجة أنهم خائفون على المواطن المسكين “البسيط” الطيب القلب، وبحجة ان الوقت مازال غير مناسب لرفع الدعم وإنهاء كابوس الحكومة الأبوية، على اعتبار أن سيادة المواطن البسيط مازال بسيط، ولم يبلغ شن الرشد بعد، ولا يزال يحتاج إلى من يرعاه ويطعمه في فمه بالملعقة ويمارس الوصاية عليه، وعلى مقدارته وأمواله، ويجعله يتقلب في الحر والرطوبة بدون كهرباء لمدة 20 ساعة متواصلة.
الفائدة الوحيدة التي تحصل عليها سيادة المواطن البسيط هي أن مقدراته وأمواله نُهبت وحاضره ومستقبله يلعب به الفهلويون والفاشلون الذين أفرزتهم نفس جموع المواطنين البسطاء الذين يتولون تسديد الفاتورة الباهضة والذين يحبون القشور حبا جما.
أذكر أن أحد السادة الخبراء من أعضاء نادي ( #هضا_ما_يمشيش_معانا) الشهير سخر من فكرة الانتقال إلى نظام التأمين الصحي لأنه حسب وجهة نظره فإن المواطنين سوف لن يقبلوا بسداد أقساط التأمين الصحي الشهرية التي لا ينبغي أن تتجاوز بضع مئات من الدينارات شهريا عن العائلة، ولكن نفس هؤلاء المواطنين مستعدون لتسديد عشرات ومئات الآلاف دفعة واحدة “كاش داون” عندما يصيبهم المرض ويجدون أنفسهم مضطرين للعلاج، مع ملاحظة ان نظام التأمين الصحي الذي نقصده وندعو إليه لا علاقة له مطلقا بالشعوذة والتدجيل التي تحدث حاليا في ليبيا تحت مسميات “التأمين الصحي”!!!
ونفس القصة تتكرر مع موضوع تحرير سعر صرف الدينار الليبي وجعله متاحا للجميع ولكل من يطلبه، وإنهاء مغامرات مغارة المصرف المركزي والأربعمائة حرامي.
والخلاصة، أمام مواطني هذا البلد واحد من خياريْن؛ إما أن يكبروا ويشبوا عن الطوق وينتزعوا مصيرهم ومقدراتهم بأيديهم، ليس بالفوضى ولكن عبر مشروع وطني نهضوي حضاري علمي عملي محدد وقابل للقياس كما تفعل كل الشعوب الواعية، أو أن عليهم التقليل من البكائيات والتحلي بالمزيد من الصبر والتحمل، إلى أن يقضي الله أمرا، والله غالب على أمره.