Skip to main content
الثليب يكتب مقالاً بعنوان: "مشاريع للكهرباء"
|

الثليب يكتب مقالاً بعنوان: “مشاريع للكهرباء”

كتب: الخبير الاقتصادي “عبد الحكيم الثليب”

المتداول هو أن شركة الكهرباء الحكومية تشترط الحصول على 3 مليار دينار لحل مشكلة الكهرباء، تخصيص هذا المبلغ الطائل قد يؤدي إلى حل جزئي مؤقت للمشكلة لبضعة أشهر، ومن الممكن أن تقل ساعات طرح الأحمال من 10 ساعات حاليا الى ربما 3 ساعات، وسيستمر ذلك لمدة حوالي 6 أشهر، ثم يعود طرح الأحمال من جديد إلى 10 ساعات أو أكثر، وستطالب شركة الكهرباء الحكومية والتي هي شركة عامة وخاصة في نفس الوقت، ستطالب بثلاثة مليارت أخرى.

مبلغ 3 مليار يكفي لإقامة عشرة مصانع ضخمة حديثة لتصنيع الألواح الشمسية داخل ليبيا، وعشرة مصانع أخرى لتصنيع البطاريات داخل ليبيا، وعشرة مصانع أخرى حديثة لتصنيع ملحقات منظومات الطاقة الشمسية مثل الأنفرتر وغيرها داخل ليبيا، وإنتاج هذه المصانع من منظومات الطاقة الشمسية سيكون بالإمكان بيعها بالإقساط للمواطنين، وسوف يكفي هذا الإنتاج في خلال سنة واحدة لتغطية حوالي 40٪ من احتياجات ليبيا من الكهرباء، وفي السنة الثانية سوف تكون نسبة التغطية أكثر من 90٪، وتنتهي بذلك مشكلة الكهرباء بشكل جذري في ليبيا وإلى الأبد، وستنتهي المعاناة وسنوفر عشرات المليارات وسيقل التلوث.

وفي نفس الوقت سيتم تأسيس صناعة محلية لمعدات ومنظومات الطاقة الشمسية، ومن يدري فقد تصبح ليبيا مركزا أقليميا أو حتى عالميا لتقينات الطاقة البديلة، وستظهر شركات ليبية تكتسب الخبرة وتنتقل إلى المنافسة العالمية، على الأقل في الدول المجاورة وأفريقيا، وسوف تتوفر آلاف من فرص العمل والاستثمار، وربما ستبدأ ليبيا في تصدير الكهرباء الى أوروبا.

هذا كله ليس خيال بل هو أرقام وسيناريوهات واقعية إلى أبعد الحدود، إلا أن فرص تحقيق هذه السيناريوهات الواقعية الممكنة والمتاحة ستبقى ضئيلة أو معدومة، ليس بسبب قلة الموارد أو قلة الشمس التي تشرق على ليبيا، او صعوبة التقنيات أو عدم وجود السوق أو أي سبب أخر من الأسباب المألوفة، ولكن بسبب أخر مختلف تماما وهو أن العجلة المربعة لا تدور، وأصحاب هذه العجلة المربعة لم يستوعبوا حتى الآن أن عجلتهم مربعة وخرقاء ولا يمكن أن تدور، ولم يستوعبوا حتى الآن.

إن هذه العجلة غير قابلة للترقيع والإصلاح، وإن الحل الوحيد المتاح هو رميها في البحر واستبدالها بعجلة طبيعية مستديرة كما يفعل كل البشر الأسوياء، والعجلات المستديرة الطبيعية متوفرة ومتاحة ولا تحتاج إلا إلى قوم يحترمون عقولهم ويفتحون أعينهم وينظرون حولهم.

لنفترض أن المعجزة قد حدثت، وأن السادة أصحاب القرار الذين يملكون الصلاحيات والميزانيات ومفاتيح الخزائن وافقوا على تخصيص مبلغ الثلاثة مليار لتنفيذ الخطة وتشييد المصانع المذكورة أعلاه ونقل البلاد إلى مصادر الطاقة البديلة، لنفترض ذلك، فكيف سيكون التطبيق العملي لهذه الخطة، ومن سيتحصل على الأموال، ومن سيقيم المشاريع ويبني ويشغل المصانع؟ حسب الصيغة والتركيبة الليبية الحالية البدائية الإقطاعية فإن هناك واحد من احتمالين:

الاحتمال الأول: هو تأسيس شركات حكومية لبناء وإدارة هذه المصانع، وباقي القصة معروف، وعلى الله العوض في الثلاثة مليارات!

الاحتمال الثاني: هو تكليف القطاع الخاص الليبي بالمهمة، وكما هو معروف فإن القطاع الخاص الليبي هو عبارة عن امتداد للقطاع الحكومي، والثلاثة مليارات سيتم تخصيصها للشركات المملوكة من أقارب وأصدقاء سيادة الوزير والمدير، وستنطلق حفلة “التكوليس والتخنيس” المعتادة، واللف والدوران، والأبواب الخلفية، وستشتعل صفحات الفيسبوك والأعلام بالتسريبات والفضائح، وستندلع الحرب من أجل تقاسم الثلاثة مليارات، بينما يتلاشى وينتهي موضوع الطاقة الشمسية! هل يعني هذا أن الطريق مسدود والأمل مفقود؟

الطريق سيبقى للأسف مسدود إلى أن يقرر القوم الخروج من السرداب وفتح أعينهم والنظر حولهم واحترام عقولهم، وعندها سيكتشفون بسهولة أن الصيغ والوسائل العملية البديلة والمجربة والناجحة متاحة ومتوفرة.

على سبيل المثال فإن بالإمكان توظيف الثلاثة مليار عن طريق توزيعهم بالتساوي على المواطنين في صورة إيصالات (كوبونات) صالحة فقط لشراء أسهم في مشاريع الطاقة الشمسية التي تم تحديدها بثلاثون مصنع أو شركة، ويتم تحديد مدة صلاحية هذه الكوبونات بحيث تخسر قيمتها أو جزء من قيمتها بعد مضي فترة معينة بدون استخدام، مثلا بعد مضي 6 أشهر، وفي نفس الوقت وبالتوازي مع ذلك يتم فتح سوق أسهم مبسط خاص فقط بتداول أسهم هذه الشركات، والتقنيات الضرورية لذلك متاحة ومتوفرة وكله على الإنترنت، ويتم إلزام جميع الشركات الممولة بقواعد وشروط أسواق الأسهم الصارمة والتي على رأسها ضرورة التقيد بنظام محاسبي الكتروني شفاف علني مربوط على الإنترنت ومكشوف للجميع بحيث يمكن لأي شخص أن يطلع على حسابات هذه الشركات في أي وقت.

وللعلم فـإن جميع الشركات المساهمة في العالم تقوم بنشر حساباتها بشكل علني وأول بأول ودقيقة بدقيقة، وعلى سبيل المثال فإن حسابات شركة آبل التي تساوي ميزانية قارة أفريقيا بالكامل منشورة بالكامل على الإنترنت ومتاحة للجميع ويمكنك الآن في هذه اللحظة الاطلاع عليها دقيقة بدقيقة، وعندما يباع هاتف آيفون في زيمبابوي فإن من المتوقع أن انعكاس هذه العملية الهامشية البسيطة سوف يظهر على حسابات الشركة في خلال أيام قليلة.

وهكذا جميع الشركات المساهمة الأخرى المدرجة في أسواق الأسهم، بإمكان المواطنون شراء أسهم الشركات المعروضة، وهذا سيوفر التمويل المالي لهذه الشركات وفي نفس الوقت يجعلها مملوكة للمساهمين وملزمة بالقواعد المحاسبية والإدارية الصارمة التي تمت الإشارة الى بعض منها أنفا، والتفاصيل طبعا كثيرة ومتشعبة ولا يمكن الإحاظة بها في هذه العجالة، وسوف تظهر سريعا الشركات الناجحة وترتفع أسهمها وقيمتها، وستنكشف بسرعة وفي خلال أسابيع قليلة الشركات الفاشلة وتنخفض أسهمها وربما ستفلس وتقفل أبوابها، وهذا أمر متوقع وطبيعي، وإذا حققت نصف الشركات النجاح فأن هذا سيكون إنجاز كبير، رغم أنني شخصيا متفائل وأتوقع نسبة النجاح في حدود 80٪.هذه الوسائل الحديثة سوف توفر أفضل الفرص للنجاح.

وستظهر قاعدة صناعية جديدة لصناعة وسائل الطاقة البديلة تستوعب عشرات الآف من الباحثين عن عمل، وستصبح ليبي منافس قوي ومركز أقليمي هام للطاقات البديلة والأهم من ذلك سنضع حجر الأساس لسوق مالي استثماري حديث وسنشرع في نشر ثقافة استخدام الوسائل الاستثمارية الحديثة وهي الوسائل التي تشكل الأساس الذي لا غنى عنه لقيام الاقتصاد الحديث الشفاف والناجح القائم على التنافس الإيجابي والمبادرة وتكافؤ الفرص ومشاركة أوسع قاعدة شعبية ممكنة.

التاريخ يخبرنا أن السوق المالي الأمريكي الذي يعتبر أكبر سوق مالي في العالم تأسس قبل حوالي 200 سنة لكي يمول مشاريع السكك الحديدية في ذلك الوقت، وكانت مشاريع وشركات السكك الحديدة تشكل في لحظة من اللحظات حوالي 100٪ من ذلك السوق، ثم توسع وتنوع وتطور ذلك السوق المالي وأصبح يشمل عشرات الآف من الشركات التي تمارس جميع أنواع الأنشطة ويمثل المحرك والقلب والدورة الدموية لأكبر اقتصاد في العالم، فهل ستكون الطاقات البديلة هي المحرك الذي سيؤسس سوق المال الليبي؟

بقى التذكير أن أحد الأعمدة الرئيسية لمشروع دولة المواطنة هو اعتماد هذه الوسائل لتحقيق التوظيف الفعال للموارد المتاحة في بعث نهضة تنموية اقتصادية يشارك فيها الجميع ويعود مردوها على الجميع، ومشروع دولة المواطنة لا يقتصر فقط على هذا الجانب بل يتعداه إلى الجوانب الهامة الأخرى مثل المسار السياسي وتحقيق التوازن وتطوير نظام الحكم المحلي وغيرها من الجوانب الأساسية الضرورية لبناء وإدارة الدولة الحديثة، الطريق مفتوح على مصرعيه، والفرصة لا تزال متاحة وقد لا تبقى طويلا، والقرار في يد السبعة مليون ليبي، وبإمكانهم الشروع في السير على الطريق، وبإمكانهم ايضا أن يختاروا الاستمرار في تكرار تجريب نفس المجرب الذي سبق وأن حربوه ألف مرة ومرة والذي أوصلهم إلى القاع الذي يتخبطون فيه حاليا، والعاقبة للمبصرين.

مشاركة الخبر