Skip to main content
“الحضيري” يكتب: طلب مؤسسة النفط لقرض لزيادة القدرة الإنتاجية والأوهام المتكررة
|

“الحضيري” يكتب: طلب مؤسسة النفط لقرض لزيادة القدرة الإنتاجية والأوهام المتكررة

كتب الخبير القانوني في مجال النفط “عثمان الحضيري” مقالاً قال خلاله:

قرأتُ مقالًا لأحد الإخوة المهتمين بالاقتصاد والمال يتحدث عن قرض منتظر للمؤسسة الوطنية للنفط ويتساءل: هل هو دعم ضروري لتطوير الإنتاج أم عبء مالي جديد؟ معتقدًا في الوقت ذاته أنه رؤية متفائلة حول قدرة القرض المقترح على إحداث نقلة نوعية في قطاع النفط الليبي، لكنه يتجنب التطرّق لعدد من النقاط الجوهرية التي تُعد محورًا أساسيًا في تقييم مثل هذه الخطوة الحساسة، ولذلك رأيت أن يكون ردي كالآتي:

ورغم وجاهة حجج أهمية التمويل لاستكمال المشاريع المتوقفة، إلا أن تقديم الأمر من زاوية واحدة دون معالجة الإشكالات البنيوية التي تعيق القطاع النفطي الليبي — سواء كانت إدارية أو سياسية أو رقابية — يُعد طرحًا ناقصًا.

أولًا: غياب الأرقام والتفاصيل الفنية

مثلًا: حجم القرض المطلوب، كلفة المشاريع المعنية، العائد المتوقع من كل مشروع، والجدول الزمني لتنفيذ الخطط.
هذا القصور يجعل التقييم أقرب إلى الانطباعات منه إلى التحليل الاقتصادي الدقيق.

ثانيًا: تجاهل سجل الإدارة الحالي

من خلال قراءة موضوعية لأداء المؤسسة في إدارة التمويلات السابقة والميزانيات الاستثنائية وتنفيذ المشاريع الكبرى، وهي نقطة محورية لتقييم قدرة الإدارة على استثمار القرض بشكل “موضوعي ومتوازن”. فالنجاح المالي ليس مرتبطًا بوجود المال فقط، بل بكفاءة استعماله، وشفافية التعاقدات، ومتانة منظومة الحوكمة، وقدرة الإدارات الحالية للمؤسسة وشركاتها على استثمار تلك الأموال بشكل علمي واقتصادي.

ثالثًا: البعد السياسي الغائب

القطاع النفطي في ليبيا ليس قطاعًا فنيًا خالصًا؛ بل يتأثر مباشرة بالانقسام السياسي، وتغيّر مراكز النفوذ، والإغلاقات المتكررة، والتدخلات الخارجة عن دائرة العمل المؤسسي، فضلًا عن الأطماع المالية التي نراها كل يوم نتيجة قرابات جهوية وقبلية.

هذه العوامل مجتمعة قد تجعل أي التزام مالي جديد عرضة للتعطيل أو السرقة في أي لحظة، وهو جانب لا يتم التطرق إليه بعمق في كثير من الأحيان.

رابعًا: هل تكون توصية منح القرض إيجابية؟

من حيث المبدأ، توفير التمويل للمؤسسة خطوة صحيحة وضرورية، لكن إيجابيتها مرهونة بشروط واضحة، منها:
تحديد أولويات المشاريع بدقة، ضمان الرقابة المالية المستقلة، منع توجيه القرض للنفقات التشغيلية، ونشر تقارير دورية حول الصرف والتقدم التنفيذي.

من دون هذه الضوابط قد يتحول القرض إلى عبء مالي جديد يُضاف إلى أزمات الدولة بدل أن يكون رافعة للإنتاج.

خامسًا: مواطن الخلل المحتملة

في حال توفر القرض، تبقى أبرز نقاط القلق:
احتمالية إساءة استخدام الأموال في ظل ضعف الرقابة من الأجهزة الرقابية نفسها، تضخم النفقات الإدارية على حساب المشاريع الإنتاجية، تبديد جزء من القرض نتيجة التداخلات السياسية، وخطر الإغلاقات أو الاضطرابات التي قد تعطل الإنتاج وتعرقل السداد. ومن خلال التجربة السابقة بتخصيص ميزانية استثنائية تزيد عن 52 مليار دينار ذهبت هباءً منثورًا ولم تحقق أي عائد، لا على مستوى زيادة الإنتاج ولا على مستوى تحسين أوضاع الحقول أو العاملين بها.

خلاصة الأمر:
إن القرض ليس مشكلة في حد ذاته، ولا هو حلٌّ سحري. إن نجاحه مرهون بوجود بيئة مؤسسية مستقرة، وإدارة ذات كفاءة، وآليات رقابية شفافة.

وما لم تُعالَج جذور الخلل في منظومة الحوكمة داخل القطاع، فإن ضخ الأموال — مهما كان حجمها — قد لا يحقق الزيادة المتوقعة في الإنتاج، وقد يضيف أعباء مالية جديدة إلى قطاع يعاني أصلًا من اختناقات متراكمة تتزايد كل يوم.

وعليه، على الجهات المانحة — سواء كانت الدولة أو المصارف التجارية أو المصرف الخارجي — أن تأخذ ما تقدّم في الاعتبار قبل خوض تجربة مكتوب عليها الفشل المتكرر.

مشاركة الخبر