كتب: عثمان الحضيري خبير قانوني نفطي ومهتم بالشان العام
ليس صحيحاً أن وجود قانون معين في قطاع ما يعني أن العملية التشريعية انتظمت في هذا القطاع، ولم تعد هناك حاجة قانونية جديدة، فالعبرة ليست بوجود القانون بقدر كيفية تطبيقه وتنفيذه من قبل الجهاز الإداري في الدولة وتعاملهم مع الأطراف الأخرى ذات العلاقة، فقد يؤخذ أفضل قانون لتنظيم عمل قطاع معين، ويكون على مستوى عالٍ من التقدم والإلمام بمعطيات الوضع، لكن تنفيذه يواجه صعوبة من قبل القائمين عليه، لأسباب عديدة ومختلفة، لذلك يبقى التشريع ناقصاً وغير مكتمل مادام الجزء الأهم وهو التنفيذ غير مكتمل فيه.
وجود قانون عصري لا يعني أن الهدف سيتحقق مباشرة طالما بقى الضعف الإداري في القطاع العام مسيطراً على المشهد وإزالة العوائق التنفيذية له، فغالبية القوانين التي تُقر تصطدم بغياب التدريب والتأهيل للجهاز الإداري ( على المستوى الأعلى إلى الأدنى ) للتعامل مع ذلك القانون واللوائح وفتح باب الاجتهادات من جهة، ومزاجية المسؤول في تنفيذ القانون من جهة أخرى، فقوانين الشركات والتعاقد خلال العقد الأخير تم تجاوزه آلاف المرات، كسروا لوائح العقود الإدارية بلا وجه حق وهذا أمر يثير استياء المقاولين الأجانب، وكذلك والقطاع الخاص الوطني، كثرة الحكومات والتعديلات الوزارية وتبدل المسؤولين في تقلد المناصب عامل مهم في إحداث التغييرات السريعة على التشريعات ( في شكل قرارات ) فكُل حكومة تأتي أو مسؤول يستلم منصباً قيادياً حكومياً او مؤسسات أو شركات يبادر في الطلب بتعديل تشريع لعمله تحت حجج ومسميات مختلفة دون التقييم الحقيقي لما يقوم به وتبيان الأسباب الموجبة للتعديل الذي يجب أن يكون ضمن رؤية حكومية شاملة تتناسب مع خططها.
للأسف غالبية التعديلات التشريعية التي حدثت في السنوات الأخيرة، كانت إما لتلبية متطلبات خارجية لها علاقة بطبيعة اتفاقيات أو أنانية لخدمة أغراض انتهازية شخصية ، وإما كانت نظرة مجتزأة في الإصلاح التشريعي المبني على فردية القرار ومزاجية المسؤول الأمثلة عديدة ، لذلك تشعر في كثير من الأحيان أن ذلك التشريع أو القرار صمم لخدمة مصالح جهة بحد ذاتها، مما يستدعي أن يتم تقييم العملية التشريعية وتقييم ما يحدث، وربطه “بخطة الدولة إن وجدت”، فالأساس أن تكون العملية التشريعية منسجمة مع أهداف كلية للإدارة التنفيذية في الحكومة.
ولهذا فالثبات التشريعي يعطي الفرصة للمستثمر والمقاول الأجنبي الثقة في الدولة ومؤسساتها ويعكس روح الدولة الراكزة المنشودة ولكن للأسف ما نراه عكس ذلك تماماً، على مستوى الإدارة واجهزتها التنفيذية التى تعتمد على ( المحسوبية والجهوية والقبلية ) ناهيك على الإنحراف المسلكي والذي اتضح من خلال التحقيقات التى يجريها القضاء في كافة القطاعات وبما فيها القطاعات الاستراتيجية ( نفط ، مصارف ، استثمار ) ناهيك عن مايجري في القطاعات الخدمية ( صحة وتعليم ) وغيرها ، إلى متى هذا التدهور ، هل من مجيب ؟