كتب الباحث في الاقتصاد السياسي والاستثمارات “عمرو الختالي” مقالاً قال خلاله:
خلال طفولتي في المغرب في ثمانينيّات القرن الماضي، كان شعار المملكة الذي يرمز إلى الله، الوطن، والملك، حاضراً بوضوح على تلال معظم المدن الكبرى، وقد شكّل هذا الشعار الأساس الذي استندت إليه المؤسسة الملكية في ترسيخ شرعيتها ودعمها الشعبي.
وفي عام 2025م، وبينما أتأمل في التحول العميق الذي شهدته البلاد، وتحولها إلى دولة مستقرة وبارزة على الرغم من محدودية مواردها والتحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، أستحضر ذلك الشعار الذي كان رمزاً اختاره شاب في الثلاثين من عمره أن يجسده عند اعتلائه للعرش، مواصلاً بذلك مسيرة سلالة ملكية تعود جذورها إلى القرن السابع عشر.
في عام 1999م، ومع نهاية عهد الملك الحسن الثاني واعتلاء ابنه الملك محمد السادس العرش، دخل المغرب مرحلة تحوّلات كبرى، فمنذ بداية حكمه سعى الملك محمد السادس إلى تحديث الأمة المغربية، حيث قام بتعيين حكومة عكست روح التجديد والتغيير، تتكوّن من نخبة عالية التأهيل العلمي والمهني وخريجي أرقى الجامعات والمؤسسات في الولايات المتحدة وأوروبا.
وقد عبّرت هذه المبادرة عن سياسة مدروسة تهدف إلى ضخ المملكة بالخبرات والأفكار الحديثة، في قطيعة واضحة مع ممارسات الماضي. لكن يبقى السؤال المطروح: هل نجحت هذه المقاربة؟
يستعرض هذا التقرير التحولات البنيوية التي شهدتها المملكة المغربية خلال ربع القرن الماضي، سواء على المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، وما أفضت إليه من ملامح الوضع الراهن للدولة.
في عام 2000م، سجّلت المملكة المغربية معدل نمو سنوي للناتج المحلي القومي قدره 1.6%، بقيمة إجمالية بلغت 37 مليار دولار، وصادرات لم تتجاوز 8 مليارات دولار، في ظل نسبة بطالة تفوق 15%.
وطمح الملك إلى إحداث تحول جذري في الهيكل الاقتصادي للمملكة، وتحديث البنية التحتية من طرق وموانئ وقطاعات التصنيع والتكنولوجيا، وكانت الموانئ وشبكات السكك الحديدية في ذلك الوقت قديمة وتحتاج إلى توسعة وتحديث شاملين.
تشير التوقعات إلى أن المملكة ستشهد بحلول عام 2025م توسعاً اقتصادياً ملموساً، مع معدل نمو متوقع للناتج المحلي القومي بنسبة 4.1%، ليصل إلى ما يقارب 157 مليار دولار.
يمثل ذلك زيادة كبيرة مقارنة بعام 2000م، حين بلغ الناتج المحلي 37 مليار دولار، كما يُتوقع أن تتجاوز قيمة الصادرات 45.5 مليار دولار، مما يعكس نمواً ملحوظاً وتنوعاً في قطاع الصادرات مقارنة بصادرات عام 2000م البالغة 8 مليارات دولار.
ومن الجدير بالذكر أن نسبة الطبقة الوسطى قد ارتفعت من 53% من السكان في عام 2012م إلى 62% في عام 2019م، ما يشير إلى تحسن ملموس في مستويات المعيشة والصحة وتوسع في القاعدة الاجتماعية المستفيدة من النمو الاقتصادي.
مع ارتفاع مستويات الدخل، يتحسن مستوى المعيشة والصحة العامة للسكان. ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فقد ارتفع متوسط العمر المتوقع في المغرب من 66 عاماً في عام 1998 إلى 75 عاماً في عام 2023م، كما انخفضت نسبة الفقر المدقع من 15.3% في عام 2001م إلى 1.7% في عام 2019م.
وفي الوقت الذي شهدت فيه العديد من الدول المجاورة ذات الموارد الأكبر حالة من الركود وغياب التنمية، واصل المغرب مساره نحو الحداثة والنمو الاقتصادي.
ويُنسب جانب كبير من هذا النجاح إلى حكمة الملك في إطلاق أجندات إصلاحية شاملة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع التركيز على إخراج الشعب المغربي من دائرة الفقر وتحقيق الاستقرار المستدام في القرن الحادي والعشرين.
فمنذ عام 2000م، تم إطلاق وتنفيذ أكثر من 15 مبادرة استراتيجية كبرى شملت خمسة قطاعات رئيسية تؤثر مباشرة على حياة المواطنين، وقد حققت هذه المبادرات نجاحاً ملموساً، وأسهمت هذه البرامج والرؤى الاستراتيجية في نقل المملكة وشعبها إلى موقع بارز ضمن مجموعة الاقتصادات الناشئة.
دعونا نُسلط الضوء بإيجاز على بعض هذه البرامج والمبادرات التحولية. ووفقاً لأحد الزملاء المغاربة، فإن نجاح هذه المبادرات يعود بدرجة كبيرة إلى الانخراط المباشر للملك، الذي عمل دون كلل على تسهيل تنفيذها ومتابعة مراحلها بدقة، منذ وضع التصورات الأولى وحتى مرحلة الإنجاز.
يُعد مخطط الإقلاع الصناعي الذي أُطلق في أوائل العقد الأول من الألفية، أحد أهم الخطط الاقتصادية، حيث يهدف هذا المخطط إلى إحداث تحول هيكلي في الاقتصاد المغربي، من خلال تقليص الاعتماد على القطاعات التقليدية مثل الزراعة، والانتقال نحو المزيد من التحديث والتنويع.
وقد صُممت هذه الاستراتيجية لتعزيز ظهور صناعات ذات قيمة مضافة عالية، قادرة على خلق فرص عمل ذات رواتب مجزية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وشملت القطاعات المستهدفة كلاً من صناعة السيارات، وصناعات الطيران والدفاع، والتكنولوجيا الخضراء، والإلكترونيات، وصناعة النسيج. كما أولى المخطط أهمية كبيرة لتوسيع البنية التحتية، بما في ذلك المناطق الصناعية ومحاور الخدمات اللوجستية، لدعم هذا التحول واستدامته.
تُعد في الوقت الراهن صناعة السيارات في المغرب القطاع الرائد على مستوى القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، حيث تجاوزت صادرات السيارات 700,000 وحدة سنوياً، تُنتج غالباً من قبل علامات دولية مثل مجموعة رينو و”ستيلانتيس”.
وقد تم إنشاء قطب صناعي ولوجستي كبير في المنطقة الحرة بطنجة، في حين أُقيمت منشأة تصنيع ثانية في المنطقة الحرة الأطلسية بالقنيطرة.
وفي أبريل 2025م، أعلنت شركة تسلا الأمريكية عن نيتها استثمار نحو 5 مليارات دولار أمريكي في المنطقة الحرة الأطلسية بالقنيطرة، بهدف إنتاج أكثر من 400,000 مركبة سنوياً، وخلق 25,000 فرصة عمل عالية المهارة وذات أجور تنافسية.
ومن المتوقع أن يسهم هذا الاستثمار في جذب المزيد من الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى إلى السوق المغربي، مما سيعزز بشكل إضافي نمو هذا القطاع الحيوي ويُرسخ مكانة المغرب كمركز صناعي إقليمي ودولي.
في قطاع الصناعات الجوية، تم إنشاء “ميدبارك” الدار البيضاء كمركز محوري جذب كبرى الشركات العالمية مثل بوينغ وإيرباص وبومباردييه، التي قامت لاحقاً بتأسيس مرافق للتجميع والصيانة والإصلاح داخل المملكة.
وفي الوقت الراهن، تنشط أكثر من 140 شركة متخصصة في الصناعات الجوية في المغرب، ما يعكس التوسع المستمر لهذا القطاع وأهميته الاستراتيجية المتنامية