كتب: الصحفي والمهتم بالشأن الاقتصادي “عبدالرزاق الداهش”
لم يكن إبراهيم الجضران يحلق حتى بخياله، لينصب خيمته على ضفاف خليج السدرة، ويتوافد عليه شيوخ قبائل، ومسؤولين، ورئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا مارتن كوبلر، وجد الجضران نفسه ذات صدفة، أو ذات كارثة، رئيسا لحرس المنشآت النفطية.
ومثل كل الذين سيطرت عليهم ثقافة الابتزاز، بدأ الجضران معركته بالمطالبة برفع مرتبات حرس المنشآت، وتم قفل الموانئ النفطية في خليج سرت، أو تم قفل باب رزق الليبيين، بمباركة كثيرين في أجواء من المزايدة السياسية.
وجد الجضران من يكبر له رأسه، ويبارك هذه الخطوة، في مقدمتهم شيخ قبيلته، “باشا لطيوش”، “علي زيدان” رئيس الحكومة المؤقتة فضل حينها حلا أسهل بمنطق أن كل ما يريده الجضران لا يساوي عائد ثلاث ساعات، فكبّر الأخير رأسه أكثر، وصار الكلام على رشوة، وفيلم هندي.
ولم نخرج من فزاعة البيع بدون عدادات، لنجد أنفسنا في فزاعة التهميش، وحق برقة، وأصبح الجضران رئيسا للمكتب السياسي لإقليم برقة، وأشياء لا تحدث إلا في أفلام الكرتون.
أغلقت انابيب البترول، ووجدنا أنفسنا في أنبوب طويل، وضيق، وكان سعر برميل النفط يتجاوز سقف المئة دولار، يعني أن ليبيا التي في حاجة إلى كل سنت تخسر كل يوم مئة مليون دولار.
وخرج علينا من يقول ليبقى النفط تحت الأرض، ولا يأخذه الإخوان، وباقي البضاعة المضروبة الموردة من مصر.
وأمام توقف عائدات النفط التي توفر النقد الأجنبي اللازم لتلبية الواردات، بدأ مصرف ليبيا في اللجوء إلى تكسير حصالة الاحتياطي.
ولكي لا يتآكل هذا الاحتياطي بصورة سريعة، كان لابد من فرض قيود على صرف النقد الأجنبي، وهو الذي رتب ظهور سوقين، وخروج معدل التضخم عن السيطرة.
وكما عاد المركزي للاحتياطي، عاد الليبيون إلى مدخراتهم، وذهب زوجاتهم، لتدبير احتياجاتهم، كم ظهر مختنق شح السيولة، وباقي مستحضرات الأزمة.
أما الجضران فقد تحول إلى رقم، ينفخ ريشه، وصار فتحي المجبري، أستاذ الاقتصاد مرشحا له في المجلس الرئاسي.
الجضران الآن مطلوب للعدالة الليبية، ولكن حتى لو تم إعدامه مليون مرة، فلن يعوض الليبيين خسارة أكثر من مئة مليار دولار، هي من جيوب الليبيين، وليس من جيب صنع الله أو الكبير، أو كوبلر.
فهل تعلمنا من درس الجضران، الذي دفعنا وسنظل ندفع فاتورته من اقتصادنا لربع قرن قادم؟
مصرف ليبيا يملك من الاحتياطيات لتغطية الواردات، ما يكفي لأربع سنوات أخرى، قرابة الثلثين من عوائد صادرات النفط تذهب مرتبات، زد عليها دعم للمحروقات، وأكثر من ذلك الكهرباء.
المتضرر من الجضرنة، وقفل صمامات النفط، هم الليبيين العاديين الذين ليس لهم أرصدة في الخارج، ولا شيء يستقوون به إلا مرتباتهم، ومخصصات أرباب الأسر، سيظل أكثر عدو للجاهل هو نفسه.