دأب الليبيون منذ أمد على أن تتولى الدولة تدبير أمورهم المعيشية فجعلت أسعاراً خاصة بحاجياتهم الأساسية بل وحتى الوقود ومشتقاته ومثل حال بعض الدول ذات الإنتاج النفطي امتد دعم الدولة ليشمل أسعارها أيضاً.
ومع انحسار الاشتراكية وأفكارها وظهور أفكار تنادي بقطع هيمنة الدولة على الأنشطة الاقتصادية وجعلها من مهام النشاط الفردي بهدف فتح المنافسة التى تعود على المواطن وهو المستهلك بكل خير.
غير أن جنون التغيرات الاقتصادية والطفرات السعرية ظلت مؤرقة لاقتصاديات الدول وحتى الدول ذات الانتاج النفطي لم تكن بمعزل من هذه التغيرات مما زاد من قيمة حجم الدعم السلعي والنقدي لهذه المنتجات وبالتالي تفاقم هذه القيم وإرهاق كاهل هذه الاقتصاديات بقيم مرتفعة وربما لاتتناسب مع المنافع المرجوة منها..
استطلاع بعض المواطنين حول “رفع الدعم”:
يقول أحد المواطنين لصحيفة صدى الاقتصادية نتخوف من إقرار رفع الدعم و ذلك نتيجة لعدم ضمان وجود بدائل نقدية من الدولة ، بالإضافة إلى أن المرتبات لا تصرف إلا متأخرة و بالتأكيد مصروفات الدعم ستصل متأخرة كذلك ، لذلك يجب وجود ضمانات حقيقة .
مواطن آخر طالب عبر صحيفة صدى الاقتصادية بورشة عمل حول رفع الدعم من قبل المسؤولين لتوضيح أبرز بنوده .
ما سبب الإلحاح على إقرار رفع الدعم عن الوقود :
يرجع سبب اقتراح فكرة و الإلحاح على رفع الدعم هو ظاهرة التهريب في ليبيا حيث استفادت شريحة معينة من بقاء الدعم كما هو عليه إلى أن أصبح تهريب الوقود وظيفة للعاطلين .
كان وزير الاقتصاد والصناعة بحكومة الوفاق الوطني “علي العيساوي” الأكثر إصرارا على رفع الدعم أو استبداله فبحسب رؤيته أن الدعم تشوه للاقتصاد و كان قد سبب خسائر كبيرة للاقتصاد الليبي .
واتفقت وزارتا الاقتصاد بالحكومتين على رفع الدعم مع عدة بدائل حيث أكد وزير الاقتصاد بحكومة الليبية التابعة لمجلس نواب طبرق “منير عصر” لصحيفة صدى الاقتصادية إن رفع الدعم على السلع من الممكن تنفيده بمقابل دعم نقدي، “وإن كنت لا أرى أن هناك دعما حقيقيا حيت أن ضريبة النقد الاجنبي 163%، وبالتالي فإن السلعة الأساسية وغيرها محملة بهذه النسبة ولا يمكن أن نقول أننا ندعمها من قيمتها الأساسية”.
وأضاف بالقول: أما فيما يتعلق بدعم الوقود نظراً للفساد الكبير الذي يتخلله من تهريب وغيره فإنه يفضل رفع الدعم بالتدريج مقابل صرف قيمة دعم حقيقي للأفراد والأخذ بالاعتبارات عدم وجود مواصلات عامة ومراعاة ظروف المواطنين الذين يسكنون خارج المدن وبالمزارع والضواحي كون مراكز الخدمة متباعدة، فالأمر يحتاج إلى دارسة فعلية وحقيقية وليس الهروب إلى الأمام.
و من جهته يرى رجل الأعمال الليبي “حسني بي” بالضرورة الملحة على استبدال الدعم ودفع علاوة الأطفال 100 دينار شهرياً عن كل قاصر و هو أفضل الحلول وغير ذلك ليست إلا تسويف وغنائم وتهريب ومرتع للفساد المنتشر منذ سنوات “شعارات” على حد قوله .
هل يقر رفع الدعم و ما البدائل :
بدأت فكرة رفع الدعم في التطبيق بعد أن أعلن المجلس الرئاسي بأنه تم الاتفاق على رفع الدعم من حيث المبدأ و إحالة هذا الموضوع إلى وزارة المالية لتناقش البدائل لرفع الدعم مع الجهات المختصة و أبرزها وزارة الاقتصاد .
و في تواصل صحيفة صدى الاقتصادية مع وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني أفادت أن المقابل لرفع الدعم هو إصلاح شبكة الأمان الاجتماعي من خلال صرف علاوة الأبناء ورفع مرتبات المتقاعدين ودفع المعاشات الأساسية، ومحاولة دفع منحة للعاطلين عن العمل.
وأضاف مصدرنا بالمالية بالقول: في حال رفع الدعم فالبديل هو علاوة الأبناء وهي مائة دينار لكل ابن لا يزيد عمره عن 18 سنة، أو الفتاة إذا كانت أكبر من 18 سنة وغير متزوجة ولا تعمل، مؤكداً عدم وجود موعد محدد لتنفيذ ذلك إلى حد الآن.
أراء و مقترحات حول “الدعم”:
و من جهته أكد النائب بمجلس النواب “عبد السلام النصية” في تصريح خص به “صدى الاقتصادية” بضرورة معالجة الدعم السلعي الذي يعتبر تشوه للاقتصاد ، مضيفاً فإن معالجة الدعم السلعي الآن أفضل من غداً لأن العلاج قد يتم استخدامه بالتدريج في ظل وجود امكانية لذلك، فرفع الدعم السلعي يحتاج إلى إرادة سياسية و خطة واضحة و منظومة أمان اجتماعي ، للأسف الشديد في ليبيا الدعم السلعي هو عبارة عن دعم الفقراء للأغنياء .
و من جهته يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة مرقب “أبوبكر أبوالقاسم” أن ان التوقيت رفع الدعم خطأ جداً ، متسائلاً بأن هل قرار رفع الدعم نتيجة للحالة المالية في البلاد أو هو استرتيجيه كاملة مع خلق شبكة أمان اجتماعي متكاملة ، مضيفاً عدم وجود الثقة في الحكومة في قدرتها على دفع منحة الأسرة .
ختاماً… منذ سنة 2014م والاقتصاد الليبي بات يعاني الأمرّين سواء من صعيد تذبذب اسعار النفط الخام أو من حيث الإغلاقات التي بدأت تطال الحقول والموانيء النفطية ، ناهيك عن ارتفاع حدة الصراع الداخلي المسلح وظهور بؤر صراع عدة أدت الى ضعف اداء الاقتصاد المحلي وبالتالي بدء ارتفاع اسعار السلع والخدمات.
ومع انحسار هيمنة الدولة وسيطرتها على منافذها المتعددة صار تهريب السلع التى تحظي بالدعم تجارة رائجة وحتى الوقود لم يسلم من هذه الظاهرة المدمرة.
ولاحقًا وبعد الشلل الاقتصادي وعجز ميزان المدفوعات وتفاقم قيم المرتبات المدفوعة حتى غدا الاقتصاد الليبي اقتصادًا ريعيا بامتياز ، اضطر الاقتصاديون وصناع القرار الى طرح بدائل بعد إقرار رفع الدعم السلعي ومنها جعل الدعم نقدًا بدلًا عن الدعم السلعي الذي من شأنه تخفيض هذه القيم ، إلا أن المعضلة تظل في كيفية إيصال الدعم النقدي لمستحقيه في وقت تظل فيه المصارف التجارية عاجزة عن أداء دورها .. فهل ستظل عصا الإخفاقات الاقتصادية تلاحق المواطن؟ ام أن الدعم النقدي سيصلح الأحوال؟