“الزنتوتي”: بنكنا المركزي هل هو بيان للإيراد والإنفاق فقط أو هو بنك للإستقرار والاستدامة والنمو الاقتصادى !!

198

كتب الخبير المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً قال فيه:

يخرج علينا بنكنا المركزي في بدايات كل شهر ببيان للإيراد والإنفاق الشهري، لا يعدو عن أنه كشف حساب بسيط يبيّن إجمالي الإيراد وسبل إنفاقه طبقا لبنود الميزانية العامة، كشف فقط به أرقام صماء لا تخضع لأي نوعاً من التحليل الكمي أو النوعي بل أن بعض المحللين يشككون في مدى صحتها ودهب بعضهم إلى إتهام المركزي بتشويه تلك البيانات طبقاً لما تقتضيه مصلحة مسؤوليه وعلاقتهم بالحكومة (الحكومات) وبأصحاب الربط والحل
ولا أريد أن أذهب بعيداً في مناقشة تلك الأرقام ومدى صحتها لأني ببساطة لا توجد لدي مصادر مستقلة للاستناد عليها، ولكن الذي يهمني هنا هو هل بنكنا المركزي يختزل كل وظائفه في العمل على إعداد ذلك البيان وأرقامه وربما بعض الأمور الأخرى المحدودة والتي تتعلق بالرقابة على المصارف وتغيير وتسمية أعضاء مجالس إدارتها طبقاً لتوجهات (خاصة) أو حضوره لاجتماعات صندوق النقد الدولي ممثلا لبنك مركزي عتيد .

الذي يهمني في هذه المقالة البسيطة هو أن أشير إلى أن ذلك البيان الشهري بالإيراد والإنفاق الصادر عن بنكنا المركزي لا يفئ أبدا بواجبات ووظائف البنوك المركزية حتى في الأسواق المتخلفة أو الناشئة .

دعونا أولاً نتعرف على أهم وظائف البنوك المركزية وبشكل مختصر ومبسط ودون الغوص في التأطير النظري:-
أولها: تنظيم حجم المعروض النقدي للدولة.
ثانيا: تنظيم الإئتمان وتكلفته.
ثالثاً: تحديد قيمة سعر الصرف للعملات المحلية.
رابعاً: الإشراف على النظام المصرفي للدولة.
خامساً: إدارة احتياطيات البلد وضمان عائد مقبول.

هذا بإختصار وببساطة شديدة أهم وظائف البنوك المركزية والتي تمكّنها من خلق وتطوير سياسات نقدية فاعلة في معالجة الاختناقات الاقتصادية ومعالجة التضخم وإرساء تنمية اقتصادية مستدامة .

السؤال هنا إلى أي مدى نجح مصرفنا المركزي الليبي في القيام بهذه الوظائف وتناسقها وفي إطار سياسة نقدية ناجحة !!! للأسف كل المعطيات تشير إلى أن مصرفنا المركزي لم ينجح في القيام بأياً منها وبشكل علمي ربما بسبب بعض الظروف القاهرة السائدة في حالتنا الليبية الراهنة .

أولاً: بنكنا المركزي لا يتحكم ولا يتابع عرض النقود بشكل دقيق بل إنه ربما لا يعلم كم هو عرض النقود فعلا M1 و M2…. إلخ، فهو متذبذب بين إصدارات بنغازي والخمسينات المزّورة والنقد في البيوت وخارج البلد ويترنح بين هذا وذاك.

ثانياً: بنكنا المركزي لا توجد لديه أي سياسات للائتمان وتكلفتها وكيف يتم التعامل مع قرار إلغاء الفوائد والبدائل المطروحة، فلا سعر خصم معلن ولا ائتمان من حيث المبدأ، اللهم إلا بعض النوافد (التي تسمي نفسها إسلامية) لتمويل بعض الأنشطة المحدودة جداً في تمويل السيارات (مرابحة) وبدون أي ضوابط ولا تضيف أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني إلا قيمة مادية مضافة لجيوب المرابين والفاسدين ولا أعمم .

ثالثاً: وأما عن تحديد سعر صرف تعادلي للدينار المنكوب فحدث ولا حرج منذ سنوات ونحن نتخبط في تحديد سعر صرف الدينار، أحياناً بالرسم وأحياناً بالتخفيض وأحياناً بتحكم سوق المشير في السعر فلا سياسة سعر صرف معلنة ثابت أو مرن أو تعويم بل أن المركزي لا يعرف (أو على الأقل لم يخبرنا أنه يعرف) السعر التعادلي للدينار وكيفية حسابه، فتحديد سعر الصرف واقعياً متروك للظروف الجيوسياسية ومتروك للقضاء والقدر ولعلاقات المحافظ مع رؤساء الحكومات (وأصحاب الحل والربط) .

رابعاً: وأما وظيفة الإشراف على الجهاز المصرفي فلا نجد أي معايير أو متطلبات حتى لبازل 1،2 ( أنسى 3 وما بعدها ) أو غيرها يتم تطبيقها في الرقابة على المصارف بل أني أكاد ح (وكما أسلفت في مرات سابقة) بأن الكثير من مصارفنا التجارية يجب أن يتم إعلان إفلاسها طبقاً لأبسط متطلبات الملاءة المالية والسيولة وبالذات فيما يتعلق بمتطلبات بازل 1، 2, 3 تحديداً في معدلات كفاية رأس المال ومعدلات السيولة ومتطلبات المخصصات… إلخ،
فأين الدور الإشرافي للبنك المركزي، وها نحن نقرأ في الأخبار من حين لآخر، سجن ومقاضاة الكثير من موظفي المصارف بتهم الفساد وسوء الإدارة وما خفي كان أعظم،
المصيبة هنا أن المركزي يملك معظم المصارف التجارية وهو المراقب في نفس الوقت ولا يستقيم الحال بهكذا إزدواجية، والمصارف الخاصة في معظمها تتعرض لمشاكل إدارية جمة تعكس صراع المساهمين على مصالحهم الخاصة واستعراض قوتهم في السيطرة على الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة وتوظيفهما لتمويلات لصفقاتهم وبدون أي ضوابط في إطار الحوكمة وقواعد الامتثال المصرفي، ونسمع أحيانا إتهامات للمركزي بتدخلات وقرارات (لا نعلم مدى صحتها)، ليس بغرض تصحيح هذه الأوضاع بل بإستخدام نفوذه لتغليب طرف على آخر في إطار (العلاقات الشخصية) وربما بحسن نية وليس في إطار الرقابة الفنية، ولا أعمم .

خامسا: وأما عن توظيف الاحتياطيات واستثمارها فإننا لا نعرف أين هي وكيف تدار ومقدار عوائدها وهل تخضع في ذلك للمعايير الدولية المطلوبة لاستثمار احتياطيات الدول وخاصة فيما يتعلق بالضمان ودرجة المخاطر ( كما اشرت في أحد مقالاتي السابقة )، ولكن المؤشرات سلبية ولا تبشر بخير أبداً، إذ أنه إذا أخذنا في الإعتبار قيمة الاحتياطيات النقدية وشبه النقدية منذ أكثر من عقد من الزمن وما هو معلن عنه الآن فإنها للأسف فقدت ما يربو على 33,8% عن قيمتها في تلك الفترة، وإذا ما أضفنا عائد الفرصة البديلة الضائعة على استثمارها بشكل علمي وطبقاً لمؤشرات السوق لعوائد تعكس مخاطر محدودة فإن خسائرها كبيرة جداً قد يصل إجماليها إلى ما يزيد عن 70% .

مما ذُكر أعلاه يمكننا الإستنتاج بأن مصرفنا المركزي لم يقم بوظائفه المطلوبة أبدا لعلها بسبب ظروف البلاد القائمة والإنقسام والتي جعلته يُدار بعقلية فردية مدعومة بشكل أو آخر وللأسف بدون مجلس إدارة مستقل ومتخصص جعلته هكذا، وأتحدى أن تجدوا مصرفاً مركزياً واحد في العالم وعبر التاريخ يُدار عن طريق شخص واحد حتى وإن كان كبيراً مثل ويليام باترسون الذي أسس بنك إنجلترا في سنة 1694، ومن ليبيا يأتي الجديد .