كتب الخبير المالي “خالد الزنتوتي”
تتزاحم هذه الأيام الآراء والمقالات والنقاشات والقرارات حول دعم الوقود وسلبياته وسُبل معالجته وفي هذا الإطار أقول، يا سادة لازلت أكرر بأن مشكلتنا الأولى هي التهريب مع أنني أعي تماما بأن التهريب هو نتيجة لوجود الدعم إلا أننا لا نستطيع أن ننهي الدعم بجرة قلم ودون وجود مظلة أمان اجتماعي متكاملة تحقق العدالة وتضمن حد المعيشة الأدنى لكل المواطنين نعم أنني من دعاة إصلاح دعم الوقود ولكن بموضوعية وعدالة وقرارات متأنية قابلة للتطبيق أما أن نطالب برفع الدعم أو بتحويله الفوري لدعم نقدي (في وقت أن المواطن البسيط يعاني حتى من عدم حصوله على مرتبه أو على سيولة تمكّنه من شراء الوقود) فهذا ضرب من الجنون،
طبقا لبعض الإحصائيات فإن متوسط استهلاك المواطن الليبي حوالي 2000 لتر / فرد سنوياً وهذا يزيد بحوالي 5 أضعاف عن متوسط الإستهلاك العالمي هذا مفجع فعلا.
ولكن وراءه أسباب لعل بعضها منطقي مثل عدم وجود بنية تحتية للمواصلات العامة وإستخدام وسائل النقل الخاص بكثافة ولكن سببه الرئيسي هو التهريب فطبقا لبعض التقديرات فإن 40% على الأقل يتم تهريبه وبمليارات الدولارات سنوياً تصوروا وطبقا لتحقيقات صحفية منشورة إنك تجد الوقود الليبي المهّرب يتم بيعه في محطات إيطالية ومالطية وإفريقية تصوروا يا سادة أن تلك الدول الأوروبية هي من تتعامل مجموعاتها الإجرامية (ماڤيا) مع مجموعات إجرامية محلية في تهريب الوقود الليبي دون قيامها بمنع هذا التهريب الغير قانوني إطلاقاً بينما نجدها باساطيلها الحربية تسيطر على عرض البحر المتوسط لكي تمنع تهريب البشر وتعجز في نفس الوقت على منع بواخر عملاقة لتهريب الوقود الليبي إلى أراضي أوروبا إنها مفارقة غريبة .
التهريب من ليبيا ليس في شكل (تانكات) بلترات محدودة بل يتم في أساطيل وبواخر في عرض البحر وأساطيل من السيارات وبالجرارات في الطرق البرية وعبر الحدود وعلى عينك يا تاجر .
أليس من الأولى أن نحارب التهريب أولاً حتى وإن أستمر دعم الوقود لليبيين كما هو (إلى أن نستعد لمعالجته) فهو نفط الليبيين ومن أرضهم ومن حقهم .
دعونا يا سادة أولاً أن نقضي على التهريب وهذا واجب الدولة لا ننسى بأننا نُخرج الطيران المسّير لمحاربة بعضنا ايعجزنا أن نحمي حدودنا الوطنية إذا ما أردنا ذلك .
اختصارا لا شك أني مع تنظيم دعم الوقود مع الأخذ في الإعتبار ترشيد استهلاكه كهدف أساسي وفي إطار مظلة أمان إجتماعي عادلة ومدروسة وهذا لا يمكن تحقيقه بشكل فوري بل بالتدرج والتأني ودراسة انعكاساته على كل المتغيرات الاقتصادية والمعيشيّة وعلاقتها بحياة المواطن صاحب الأرض ونفطها ولكن الأهم هو إنهاء التهريب بأي شكل أولاً وبغض النظر على من وراءه، فهو جريمة اقتصادية كاملة الأركان لها انعكاساتها السلبية المميتة على الاقتصاد الوطني وليبقى نفط الليبيين لليبيين، فهذه أرضهم وهذا نفطهم وبعدها نعالج قضية دعم الوقود وبشكل عادل ومدروس .