كتب المحلل المالي “خالد الزنتوني” مقالاً قال فيه : لعل كل الشرائع الوضعية والسماوية ابتداء من حمورابي وغيره من الفلاسفة ومروراً بمعظم القوانين الوضعية، بما في ذلك القانون الأمريكي وانتهاءاً بكل الشرائع السماوية كلها تحّرم ( الربا ).
ولا خلاف أبدا في ضرر الربا وتحريمه، ولكن الخلاف في تعريف الربا، ومن هنا خرجت الكثير من الآراء والفتاوى من علماء أجلاء ومراكز فقهية ودينية، لعلها اختلفت بشكل واضح فيما بينها في تعريف مفهوم ( الربا ) لغةً واصطلاحاً .
ومن هنا أدعو كل المختصين للعمل مع علماء الشريعة والفقه الاجلاء للوصول إلى تعاريف موحدة للربا وتمييزه عن بعض الأدوات المالية والاقتصادية المعمول بها في الاقتصاديات الحديثة، ونحن جميعاً نحترم قدسية تحريم ( الربا )، فهذا نُص عليه القرآن الكريم، لا يمكن أبدا نقاشه أو مخالفته أو حتى الجدال فيه، ولكننا نتطلع إلى تحديد (مفهوم الربا وتعريفه لغةً واصطلاحاً ومنهجاً) وبشكل واضح ولا لبس فيها مع الأخذ في الاعتبار سماحة ديننا الإسلامي وصلاحيته لكل الأزمان وتفاعله مع تطورات العصر ومتطلباته، فهو دين كل العصور ودين العلم والتطوير .
ومن خلال هذه المقدمة لاحظنا على مر التاريخ الإسلامي تطور عدة تجارب مصرفية إسلامية بدأت من تكوين بيت مال المسلمين ومروراً بتجارب أخرى كثيرة إلى أن وصلت إلى شكلها الحديث، بداية من السبعينات إلى حد الآن.
وطبقاً لبعض الاحصائيات المنشورة وصل عدد المؤسسات الإسلامية إلى أكثر من 1100 مؤسسة وبحجم أصول يصل إلى حوالي 4 تريليون دولار وفي حوالي 80 دولة على مستوى العالم، هذه الأرقام الكبيرة تعبر عن مدى انتشار البنوك الإسلامية وتوسع أسواقها المستهدفة عالمياً، لدرجة أن تعلن بريطانيا ومنذ سنوات ماضية على أنها ستكون عاصمة الصيرفة الإسلامية في العالم!!!، طبعا ليس تشبتاً بروح الإسلام ومبادئه التي ترفض الربا والمرابين، بل طمعاً في استقطاب الأموال الإسلامية للندن ولإنعكاسها على نمو الناتج المحلي البريطاني.
حتى تكون البنوك الإسلامية صادقة التعامل ولكي تعكس مبادئ الإسلام الحنيف في عدم الاستغلال وتعزيز مسؤولياتها الأخلاقية والمجتمعية طبقاً لتعاليم الإسلام، لابد أن تكون تكلفة التعامل في منتجاتها وبمختلف تسمياتها، المرابحة، المساومة، المضاربة، الإجارة، الاستصناع، الصكوك، وصناديق التمويل المشترك إلخ، لابد أن تكون تكلفتها أقل من البنوك التقليدية والتي يسميها البعض ( البنوك الربوية ).
للأسف الحقيقة غير ذلك، أصبحت معظم البنوك الإسلامية في أعلى درجات الإستغلال ومن خلال بعض العينات ( ومن مختلف البنوك الإسلامية وفي دول عدة منها ليبيا) ومقارنتها بالبنوك التقليدية اتضح أن تكلفة الاقتراض من البنوك الإسلامية من خلال منتجاتها، تفوق بكثير التكلفة في البنوك التقليدية، حيث تصل أحيانا إلى 3% أو أكثر من البنوك التقليدية وربما تصل أحيانا إلى الضعف ، أين نحن من تعاليم الإسلام في عدم الاستغلال والتكافل والتسامح، إلخ.
للأسف الكثير من البنوك الإسلامية ( ولا أعمم ) استغلت الجانب النفسي للزبائن المسلمين في تعاملها معهم وأصبحت تستغلهم باسم الدين والفقه والشرع، إلخ .
مثلأ تجد ما يعرف اصطلاحاً ( بحسابات الأمانة) في البنوك الإسلامية وهي تقابل ( الحسابات الجارية في البنوك التقليدية) وتصل احيانا لمليارات في بعض البنوك الإسلامية الكبيرة، ولا يتحصل أصحابها ( المودعين ) علي أي عوائد بينما تستغلها البنوك الإسلامية وتحصل من ورائها على أرباح كبيرة وهي ذات تكلفة صفرية بالنسبة لها فهل هذا عدل!!!
كذلك نجد أن حسابات الاستثمار المشترك ( أصحاب الودائع الزمنية في المصارف الإسلامية) لا يحصلون إلا على الجزء اليسير من أرباح البنك الإسلامي، والتي تذهب جل أرباحه للمساهمين فهل هذه هي سماحة وعدالة الإسلام الحق!!!
انظروا حسابات ( القرض الحسن) في ميزانيات البنوك الإسلامية فهي أما معدومة أو أنها لا تمثل إلا جزء يسير جداً جداً من أصولها، وربما لا يصل حتى إلى 000001, % (واحد من مائة ألف) كنسبة مئوية من إجمالي أصولها، هكذا هي أهداف البنوك الإسلامية وأغراضها النبيلة!!
لا أريد أن أبحت أكثر في الأرقام ومعانيها، لأن معظمها للأسف لا ينسجم مع سماحة وعمق وتوازن وعدالة ديننا الإسلامي الحق.
من هنا أدعو صادقاً إلى أسلمة البنوك الإسلامية لتعكس بحق روح ديننا الإسلامي الحنيف وأهدافه في العدالة والتكافل وعدم الإستغلال والتعبير عن الصيرفة الإسلامية بأدوات تمويلية ومنتجات عادلة لجميع الأطراف وعلى مبدأ المشاركة النظيفة في الربح وليس استغلاله لصالح أصحاب رأس المال والمساهمة في تحقيق أهدافهم وتمويلاتهم الخاصة من خلال استغلال الجانب الديني وحاجات زبائنهم، وفي هذا لا أعمم ربما هناك من يحاول أن يكون عادلاً أمام الله وأمام نفسه ووفقهم الله .