كتب المحلل المالي “خالد الزنتوتي”: ومرة أخرى، (النخبة) ومطالبتها بإلغاء الدعم أو استبداله!!
بداية، كلنا نعي سلبيات دعم الوقود الفاحش وغير المنظم، وانعكاسه أحياناً وبشكل سلبي حتى على حياة المواطن نفسه، من خلال حوادث الطرق الرهيبة التي نتابعها كل يوم، ومن خلال استغلال هذا الدعم الذي خُلق لصالحه من أصحاب النفوس الضعيفة، بل الأجانب، والذين بنوا ويبنون ثرواتهم الطائلة من خلال سرقة وتهريب ذلك الوقود المدعوم وبالمليارات، وعلى حساب تكلفة ثروته الوطنية. ناهيك عن تأثيره السلبي الكبير على عوامل الاقتصاد الكلي والمالية العامة، وأهمية وضرورة معالجته. فكلنا نتفهم ونعي ذلك، ولكن في هذه العجالة أود أولاً أن أشير وبشيء من الشك والاستغراب إلى أن (معظم النخب) عندما تتكلم عن الدعم وتحليل معطياته وسبل علاجه، لا تأتي من قريب ولا بعيد على التهريب وأبطاله، وأهمية القضاء عليه باعتباره السبب الأوحد لسوء استغلال الدعم وانعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني، ويصبّون جل غضبهم على المواطن الذي ربما يستهلك قليل اللترات لتحقيق حوائجه الضرورية، ويتناسون (أولئك المهربين) الذين يهربون الوقود بغرض تضخيم ثرواتهم وحساباتهم خارج الوطن، وبالمليارات سنوياً ودون رقابة ولا رادع ولا قانون.
قلنا مراراً إن معالجة مشكلة الدعم يجب أن تبدأ أولاً بالقضاء على التهريب. مشكلتنا الرئيسية هي التهريب. لا يؤلمني استهلاك المواطن الليبي البسيط لكم لتر بنزين شهرياً للوصول إلى أماكن عمله، بقدر ما يؤلمني تهريب مئات الآلاف بل ملايين اللترات من قبل مجموعات منظمة، وعن طريق أساطيل من البواخر والسيارات.
لماذا لا تتحدث (النخبة) عن ذلك التهريب الذي يتحول إلى مليارات دولارية خارج الحدود ولمصلحة أفراد بعينهم، ومنهم أجانب؟ أليست هذه هي المأساة في حد ذاتها؟ لماذا لا نتكلم عن (هؤلاء) ونحاربهم أولاً، قبل أن نأتي لذلك (العبد الفقير) المواطن البسيط؟
ذلك يضعني أمام إشارة استفهام كبيرة (ربما لها) أسبابها عند البعض!؟ ولعل سببها الأول هو عدم قدرة (الدولة) على محاربة (دولتها العميقة).
ألم تكتب الصحف الأجنبية المدة الماضية بأن نفطنا المدعوم يُباع في محطات إيطاليا ومالطا واليونان، وبالتأكيد في نيامي وإنجامينا؟
ألا تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 40% من وقودنا المدعوم يتم تهريبه وبمليارات الدولارات عبر البحر والبر وربما (الهواء)، وربما يتبخر مباشرة من الموانئ!!! وعلى عينك يا تاجر.
أنا لا يهمني حتى اقتصادياً أن يستهلك المواطن الليبي بسعر مدعوم كم لتر، فهو نفطه ومن أرضه. مع أنني أؤكد تنظيمه مستقبلاً وبهدف آخر وهو: الترشيد، وهذا هو الهدف الاقتصادي الذي يجب أن نتفق على كيفية تحقيقه. ولكن يهمني تماماً وقف وإنهاء هذا التهريب أولاً، والذي تتحول من خلاله المليارات إلى جيوب عصابات دولية، لعل لها (خطوطها وعلاقتها المتشعبة الدولارية والنفطية مع منظومات محلية) تتحصل على الفتات مقارنة بما تجنيه تلك العصابات التي تسوّق ذلك النفط المهرّب خارج الحدود.
وأستغرب أيضاً ممن يطالب باستبدال الدعم نقداً وبكامله في مرة واحدة، وبضربة واحدة من الحظ السيئ، ويؤكدون انتهاء التهريب بعد ذلك كنتيجة لإلغاء الدعم.
وهنا أقول وأقسم بأنه حتى إذا تم إلغاء الدعم بكامله، فإن التهريب وأبطاله سوف يجدون ويطوّرون الوسائل والطرق لتهريبه بالحكومة، ومن الحكومة، وببلاش! وعندها سيقول المتشدقون: إنها تجارة عبور! على أي تجارة عبور بلا ضوابط وبلا تنظيم، وفي ظل معطيات أمنية غير مستقرة؟ بلا شك ستكون حرابة بغطاء (رسمي وشبه رسمي).
يا أيها الإخوة (النخبة)، أأنتم أقل رحمة من صندوق النقد الدولي الذي يطالب في وصفاته بالتدرج في إلغاء الدعم أو استبداله؟
إنني هنا، وأكررها للمرة الألف، بأني من دعاة تنظيم دعم الوقود، وبهدف رئيسي وهو ترشيد الاستهلاك وتوفير للمالية العامة، ولكن بالتدريج، ووفقاً لسياسة شفافة وواضحة للدعم النقدي، وهذه تحتاج إلى دراسات واستعدادات متأنية وعملية. ولكن قبل ذلك، لابد من القضاء على التهريب، وقبل كل شيء. عندها مرحباً بتنظيم الدعم، وعندها نطمئن جميعاً بأن نفطنا سيبقى لنا، حتى وإن تحمّلنا عبئاً إضافياً على سعر وقودنا، فإننا نقبله بنفس راضية طالما نهدف إلى ترشيد استهلاكنا، وبأي وسائل عادلة وشفافة، تأخذ في اعتبارها دعم المواطن المستحق، صاحب الحق.