Skip to main content
"الزنتوتي" يكتب: احتمالية هبوط أسعار النفط.. فماذا عسانا فاعلون!
|

“الزنتوتي” يكتب: احتمالية هبوط أسعار النفط.. فماذا عسانا فاعلون!

كتب المحلل المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً بعنوان: احتمالية هبوط أسعار النفط.. فماذا عسانا فاعلون!

في ضوء المتغيرات العالمية الجيوسياسية التي تعصف بالعالم اليوم، لابد لنا من قراءة متأنية في انعكاسها على ليبيا، ومهما اختلفت قناعاتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية تظل ليبيا وطننا وملاذنا جميعاً، ولعل الضغوطات الكبيرة على الأسواق النفطية العالمية لها تأثيرها الكبير على ليبيا. حالتنا الليبية أعتبرها فريدة في ما يسمى بكارتل الدول المنتجة للنفط، فنحن دولة منتجة لا يتجاوز إنتاجها الـ 1.4 مليون برميل/يوم بأي حال من الأحوال، وهي دولة ريعية بكل ما تعنيه الكلمة، موردها الوحيد النفط ويمثل أكثر من 93% من مصادر دخلها. دولة تتقاذفها عوامل الفرقة والانقسام وجعل الله بها حكومتين عتيدتين لكل منهما عشرات الوزارات وعشرات الوزراء ومئات نواب الوزراء (من أصحاب المؤهلات الصحيحة والمزوّرة)، وتتبعهم مئات الإدارات العامة وآلاف الإدارات والأقسام الفرعية وتعج بملايين الموظفين يتجاوز عددهم ربما 2.5 مليون بكبيرهم ورضيعهم وميتهم وحيهم، كل أولئك يتقاضون مرتباتهم من دخل النفط التي تتجاوز قيمتها 75 مليار دينار سنوياً، أي ما يعادل حوالي 12 مليار دولار نفطي.

ومن هنا تبرز لنا نقطتان، دعنا نتكلم عنهما بصراحة:

الأولى، الاعتراف بأننا بهكذا انقسام وهكذا كفاءات وهكذا محاصصة سوف لن نستطيع تطوير بدائل لمصادر دخلنا أبداً، حتى وإن حاول البعض التفكير في ذلك فإنه لا يستطيع أن يبني نموذجاً اقتصادياً لخدمة هدف التنوع تحت هذه الظروف الواقعية القائمة.

والنقطة الأخرى، أننا أمام حقيقة عالمية كبرى وهي أننا الأعلى عالمياً في عدد الموظفين والأقل عالمياً في الإنتاجية والأكثر عالمياً فساداً وسوء إدارة!!! فالقطاع الحكومي يلتهم (فقط) في المرتبات ما يزيد عن 55% من دخل النفط حسب الأسعار الحالية (حوالي 66 دولاراً للبرميل). هذا ناهيك عن الدعم والتهريب والباب الثالث ومخصصات أصحاب السعادة والفخامة ورحلات طائراتهم الخاصة ومهامهم الخارجية وسكنهم الفاخر، بالإضافة إلى سفرائنا وقائمي أعمالنا وملحقينا بسفاراتنا المترامية الأطراف في كل دول العالم وبأعداد موظفين فاقت سفارات أمريكا والصين!!! كل أولئك يقتاتون من النفط، وبدون تنمية مستدامة.

هذا يعني أنه إذا انخفض النفط 10 دولارات فقط، فإننا سنكون بعجز يصل إلى مليارات. فكيف لنا أن نغطي ذلك!!؟ سؤال تطرق إليه بعض الإخوة المتخصصين أخيراً، وكان سؤالهم: كيف سنمول العجز!!؟ وتطرق بعضهم إلى إمكانية الاستدانة الدولارية سواء من السوق أو من المؤسسات الدولية المعنية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلخ. إن التطرق لهذه المشكلة وتحديد أسبابها وسبل معالجتها ليس من باب الترف الفكري، بل هو حاجة ماسة فعلاً لمناقشة مشكلة يمكن أن تجابهنا في أي لحظة. الشكر موصول لمن تطرق لها وناقشها، ولعلها أهم من تعويم الدينار.

أسعار النفط تتغير نتيجة لعامل أساسي وهو زيادة المعروض النفطي في السوق، وزيادة المعروض ترجع لسببين: عدم اتفاق الدول المنتجة و(OPEC+) أو اتفاقهم (ربما بضغط سياسي) على زيادة الإنتاج كما حدث أخيراً. تاريخياً وخلال العقد الأخير، مرت أسعار النفط بتذبذب مذهل، مثلاً في نهاية سنة 2015 هبطت أسعار النفط إلى 30 دولاراً بسبب زيادة المعروض النفطي في السوق العالمي بـ3 ملايين برميل فقط، وكذلك في أزمة كورونا انخفض برنت إلى مستويات قياسية.

خلال السنة الأخيرة من أكتوبر 2024 إلى بداية سبتمبر 2025 انخفض سعر برنت من 84 دولاراً إلى حوالي 66 دولاراً في الأسبوع الماضي، أي ما نسبته حوالي 20%. الهدف الأمريكي المعلن هو ما بين 50-60 دولاراً. طبقاً للإحصائيات المنشورة، هناك الآن في السوق أكثر من 2 مليون برميل فائض في العرض. بانتكاسة واحدة، مثلاً خروج روسيا من (OPEC+) مع الضغط الأمريكي القائم على النفط الروسي، يمكن أن يزيد الإنتاج الروسي والسعودي بملايين البراميل يومياً في حالة الخروج من الاتفاقية. بل بإعلان أمريكي مفاجئ بأن مخزونات النفط الأمريكية ارتفعت، فإن أسعار النفط يمكن أن تنخفض بشكل كبير.

التحليل الفني يشير إلى أن حاجز المقاومة الأول سيكون في حدود 65 دولاراً، وإذا ما تم كسر هذا الحاجز في اتجاه الهبوط، فإن مستوى المقاومة الثاني سيكون حوالي 61 دولاراً، وإذا ما تم تكسير هذا المستوى، فإن سعر برنت ربما سيهبط إلى ما دون 55 دولاراً للبرميل، وهنا التخوف الكبير: فماذا عسانا فاعلون في هذه الحالة؟

أولاً: اللجوء إلى الاحتياطي.

ثانياً: اللجوء للاقتراض إما بإصدار سندات دولارية أو من خلال صندوق النقد الدولي.

ثالثاً: طباعة العملة في شكل ورقة ذات المائة والخمسمائة وربما الألف.

رابعاً: وقف استيراد الكماليات وتقنين الاعتمادات والتحويلات الشخصية وغيرها.

أي حل يتم اختياره أمرّ من العلقم.

ولعل الأسهل هو اللجوء للاحتياطي، وهذا يعني أننا سنكون في خطر مستقبلي حتى في إمكانية توفير حاجاتنا الأساسية، دعكم من ما يُعرف بـ”120 يوم استيراد كحد أدنى للاحتياطي”، ذلك المؤشر للدول التي لديها تنوع في مصادر الدخل. استنزاف الاحتياطي من شأنه أن يجعلنا بدون أي غطاء للإنفاق الضروري للحياة، وذلك لأننا لا نملك أي مصدر آخر للدخل.

أما اللجوء إلى إصدار سندات دولارية، فهذا من المستحيلات لأننا ببساطة غير مصنفين من الناحية الائتمانية أبداً، لأن تصنيف الوكالات الدولية المعنية يخضع لمجموعة من المتغيرات لا تتوفر إطلاقاً عندنا. وحتى لو تم تصنيفنا، فلن نحصل على أكثر من (D) وهو أقل درجات التصنيف، وهذا يعني أن درجة المخاطر عالية جداً ولا يمكن لنا أبداً الاقتراض من السوق الدولي. اللهم إلا إصدار (CD) محلية وبالدينار الليبي، وهذا وإن حدث، فلا يحل مشاكلنا لأن ما نحتاجه هو عملة صعبة، مع أني أنصح بالعمل على تنظيم مثل هذا النوع من الائتمان المحلي بعائد مجزٍ مما سيمكننا من تغطية بعض التزاماتنا المحلية.

أما اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (وبإغفال نظرية المؤامرة) فإنه ممكن، ولكن بوصفة صندوق النقد الدولي المعتادة، فهل نستطيع أن نتحمل تبعاتها!؟؟

والحل الآخر: طباعة النقد. وهنا سيصبح الدينار (بالبراويط) وستخرج علينا ورقة المائة دينار وربما الألف، ونصبح في كارثة تضخم وآثارها المميتة.

لا سمح الله، إن انخفضت أسعار الخام إلى ما دون 60 دولاراً، فإن الأمر سيكون صعباً، صعباً، والبدائل للتعامل معه محدودة ومؤلمة!!!

فهل لنا، أيها السادة المشرعون والتنفيذيون، جميعكم وبكل أطيافكم وحكوماتكم، أن نقف مع أنفسنا أمام رب العالمين، ولنعلن وحدتنا وننهي انقسامنا وخلافاتنا، ولنحاول جميعاً بناء وطن!!!!؟ وليكن أول أهدافنا محاربة الفساد أينما وُجد والقضاء عليه، وإعادة بناء هذا الوطن المكلوم بأيادي وخبرات أبنائه!!!!

مشاركة الخبر