
| مقالات اقتصادية
“الزنتوتي” يكتب: الفساد وانخفاض الدينار علاقة طردية بمعامل إرتباط كامل.. إنه المرض العضال
عندما نتكلم على الفساد كمصطلح سواء كان في نظام كليبتوقراطي أو اوليغشاري أو أي نظام آخر، فهو يعني الفساد بشقيّه الإداري والمالي، بل أن الفساد المالي هو نتيجة للفساد الإداري، فكلما كانت المنظومة الإدارية قاصرة في أدواتها وخاصة الرقابية منها والتي تتمحور في تطبيق القانون والعدالة والعقاب، كلما كان الفساد المالي أكبر وأعم، ومن الواضح أننا في ليبيا نعاني من أزمة فساد إداري ومالي لا تضاهيها أي تجربة أخرى في العصر الحديث، هذا ليس من باب التهويل، بل هو نتاج لكثيراً من الدراسات الاستقصائية والمقالات والمؤشرات المالية والاقتصادية والأرقام والبيانات والبحوث المنشورة خلال السنوات الأخيرة، وقد أشرت إليها في بعض مقالاتي السابقة بالخصوص ومنذ سنوات، يكفي أن نكون في أسوء مؤشرات الشفافية والفساد المنشورة في العالم بل أننا إن لم نكن ضمن الخمس الأوائل، فإننا بالتأكيد من ضمن العشر المتربعين على عرش الفساد وسوء الإدارة عالمياً.
ولعل الكثير من المحللين تطرقوا خلال المدة الأخيرة إلى تحليل أسباب انخفاض الدينار الليبي وسبل المعالجة وخاصة فيما يتعلق بالإنفاق الغير مرشد ومعالجة الدعم وتوحيد الميزانية وإعادة بلورة السياسات النقدية والمالية.. الخ.. الخ، ولعلني أشاطرهم تماما في الأساس النظري الأكاديمي لتلك المقترحات والحلول، ولكن قناعتي الخاصة أصبحت تؤمن بأن تلك الحلول المقترحة سوف لن تجد طريقا للتطبيق أبدا في بيئة موبوءة بالفساد الإداري والمالي حتى النخاع مثل حالتنا في ليبيا، فطالما هناك فساد، سيستمر الإنقسام وسيستمر الإنفاق الغير مرشد من الحكومتين وسيستمر دعم الوقود دون إصلاح وما ينتج عنه من تهريب بالمليارات وسيرتفع رقم المرتبات وبشكل مضطرد وستسمر عقلية حصتي وحصتك وستستمر الحكومتان في سوء إدارتهما للموارد والانفاق العام وسيستمر خلق الخلاف والإختلاف بين المجالس التشريعية فيما بينها وداخلها وسيستمر تغّول الجهوية والمناطقية.. الخ، وسيستمر الصراع على السلطة والغنيمة .
كل ذلك وغيره كثير، وبهدف رئيسي وهو خلق بئية ملائمة ومحّفزة الفساد، وسيعمل مريدي ومستفيدي الفساد على الرفع من وثيرة كل تلك السلبيات بهدف الإستمرار في فسادهم والعبث بالمال العام!!!
لعل أحد الأسباب الرئسية لإنخفاض قيمة الدينار وتدهور قيمته، هو الطلب المتزايد على الدولار وباي سعر وبأي شكل وذلك من جانب الفاسدين وقيامهم بغسيل أموال فسادهم وتهريبها لخارج الوطن، ومهما انخفض سعر الدينار الرسمي، فإننا سنجد سوق موازي وله سعر آخر أعلى من السعر الرسمي، لأنهم مستعدون للتضحية بالدينار وشراء الدولار وبأي سعر، وهنا يخضع سوق المشير لقوى العرض والطلب الموازي الغير منتظم والذي يخضع لتدخلات قسرية من تجار الدولار والذين بدورهم يحددون كمية المعروض من الدولار ( الفاسد ) وبيعه للفاسدين ( ولا أعمم )، وهنا مع الأسف نجد البعض من البسطاء الذين يحتاجون إلى مبالغ دولارية بسيطة للعلاج أو غيره ولكنهم يضطرون لشرائه وبسعر السوق الموازي وأعلى بكثير من السعر الرسمي ،كان الله في عونهم .
الحقيقة المرة التي يجب أن نتعامل معها، أن السبب الرئيسي في ما وصلنا إليه هو الفساد بمفهومه الواسع، ومحاولة الفاسدين خلق الخلاف والتشبت بالكراسي وحتى الحروب بهدف تعزيز فسادهم وخلق بئية جاذبة للفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا لم نفضي على الفساد ومريديه وأدواته لسوف يستمر انخفاض الدينار، وكلما ارتفعت وتيرة الفساد، كلما أمعن دينارنا في الإنخفاض، وذلك لإشباع نهم الفاسدين في طلبهم للدولار وتهريبه لخارج الوطن، وللتخلص من الدينار المسكين .
ولعلني أخيراً أتساءل سؤال (برئ ) وإذا ما أخدنا كمثال ما تم تحويله مقابل اعتمادات ومقابل حوالات شخصية وغيرها خلال الربع الأول من هذه السنة، والتي بلغت في مجموعها حوالي ال 10 مليار دولار، أي حوالي 1,500 دولار للفرد الواحد كمتوسط، أي متوسط الأسرة المكونة من 5 أشخاص حوالي 7500 دولار وهو ما يوازي تقريباً 50 ألف دينار لمدة الثلاث أشهر أي شهرياً حوالي 17 ألف دينار، سؤالي هنا، هل فعلا تم توريد سلع وبعض الخدمات الأخرى بهذا المبلغ فعلا !! وهل كل أسرة استهلكت سلع مستوردة (أو خدمات) بهذه القيمة؟ طبعاً المحاكاة شكلية، ولكنها مؤشر بالطبع أن الإجابة ستكون إستحالة ذلك ولكن جُل العشرة مليار دولار هذه بقت خارج الوطن في حسابات ( أولئك ) ولعل بعضها رجع لسوق المشير والإستفادة من فرق السعر، إنني لا أعمم، ولكن فسادنا فاق حتى الخيال، تباً للفاسدين ووفق الله من يحاربهم من أبناء هذا الوطن الشرفاء.
قال الله تعالى (والله لا يحب الفساد) وقال (والله لا يحب المفسدين) وقال عز من قائل(إن الله لا يصلح عمل المفسدين) اللهم أجعلنا من عبادك الصالحين غير المفسدين، واللهم حقق العدالة في الفاسدين .