كتب الخبير المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً قال خلاله:
في هذه العجالة، سوف لن أتطرق إلى موضوع مالي أو اقتصادي بشكل مباشر، ولكنني سأتحدث عن سوء الإدارة بشكل عام ومختصر في بيئتنا الليبية الواقعية وآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، حيث إنني أؤمن بأن سوء الإدارة عندنا هو سبب وجود كل الإخفاقات المالية والاقتصادية التي نعانيها الآن!!!
ما درسناه في مراحلنا الدراسية الأولى أن الإدارة علم وفن؛ علم من حيث إنها مبادئ ونظريات علمية قابلة للقياس وتطبيقاتها على وظائفها التقليدية المتعارف عليها، وهي: تحديد الأهداف، التنظيم، التخطيط، التنسيق، القيادة والتوجيه، والرقابة. وفن من حيث قدرة المدير على تسخير كل الإمكانات البشرية لتحقيق الأهداف وخلق بيئة مناسبة وملائمة للعمل الجماعي.
في حالتنا الليبية (وهنا لا أعمم)، أصبحت الإدارة عندنا هي تسخير كل الإمكانات المادية والبشرية لخدمة أهداف (خاصة) مصلحية لفرد أو مجموعة معينة وعلى حساب المصلحة العامة، بل القضاء تماماً على (المصلحة العامة) والدوس عليها في سبيل المصلحة (الخاصة)!!! وتمت ترجمة وظائف الإدارة في (تنظيم غير رسمي) لتحقيق أهداف غير معلنة وفق مصالح شخصية فقط.
للأسف (وأنا هنا أتكلم على أجهزة ومؤسسات الدولة العامة)، يتم توظيفها بالكامل لتحقيق (مصلحة خاصة) لفرد ذي نفوذ أو مجموعة محددة لها أداة من أدوات (السلطة الخشنة). المدير (أي مدير) مطلوب منه فقط تحقيق ما يريده رئيسه وبأي شكل، ابتداءً من التعيينات وانتهاءً بعقود البيزنس، وإن رفض فمصيره العزل. إن معظم من استمر في وظيفته لسنوات طوال (وهنا لا أعمم) كان رهن إشارة رئيسه الأعلى (أو أصحاب أدوات السلطة الناعمة والخشنة أحياناً)، أوامره واجبة التنفيذ، وإلا سيجد نفسه (على الرف)!!!
الكثير من مديرينا، للأسف، يطبق مبدأ المصالح المتبادلة، مثل (العجول)، مثل شعبي!؟؟؟ لعل بعضكم يعرف تكملته!!!
ويقول في نفسه: ما دام الأمر كذلك، فأنا آخذ حصتي أيضاً. وهكذا انحدرت عندنا الإدارة إلى أسوأ ما وصلت إليه، وأصبحت إدارة مصالح متبادلة شخصية وعلى حساب مصلحة المجتمع ككل!!!
فن الإدارة عندنا أصبح هو قدرة المدير على تحقيق رغبات مديره الأعلى أو الأعلى أو الأعلى (سواء أكان في الهيكل الرسمي أو غير الرسمي)، حتى كبيرهم في (العلو)، وهي من تجعله مستديماً في الكرسي!!! وفي نفس الوقت يستغل الموقف ويوظف المؤسسة لخدمة مصلحته الشخصية أيضاً!!!
لعل هناك البعض القليل من رفض هذه المعادلة الحقيرة (معادلة المصالح الشخصية والتنظيم غير الرسمي) وترك منصبه طوعاً لأنه لم يستطع القيام بواجباته ومسؤولياته القانونية، وخاصة مسؤوليته أمام الله رب العالمين، باعتباره راعياً، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته. لعلهم قلة!!!!
باختصار، أم مشاكلنا سوء الإدارة. سوء الإدارة هو المسؤول عن كل مشاكلنا الاقتصادية والمالية. الإدارة عندنا تحولت لفن إرضاء المدير الأعلى والرئيس وأصحاب النفوذ والتقرب منهم خوفاً وطمعاً، وأصبحت وظائف الإدارة العلمية المتعارف عليها تنحصر في تحقيق هدف المصالح الشخصية وعلى حساب المصالح العامة ككل.
بمعنى آخر، إن التنظيم (غير الرسمي) أصبح هو المحرك الرئيسي للإدارة، وذلك وفق مصالح أعضائه، وانتفت عندنا كل مبادئ الإدارة العلمية ووظائفها، وتحولت إلى إدارة (مصالح) لتحقيق أهداف مادية خاصة وعلى حساب (المصلحة العامة)، وذلك استناداً على نموذج إداري مستحدث يستند إلى السرقة والنهب والواسطة والمحاصصة واختيار موارد بشرية لا تستند إلى الكفاءة والعلمية والأمانة، بل تستند إلى عكس ذلك تماماً