Skip to main content
الشحاتي يكتب: الأول من مايو: بين عيد العمال أو عيد الجهد ودور النقابات في العملية الاقتصادية
|

الشحاتي يكتب: الأول من مايو: بين عيد العمال أو عيد الجهد ودور النقابات في العملية الاقتصادية

كتب: محمد الشحاتي الخبير بمجال النفطي مقالا

أود أن أبدأ بتعريف بعض المصطلحات وهي المرادفات العربية للكلمات الإنجليزية التالية:
Labour ومعناها “الجهد الإنساني” وهو مصطلح سياسي واقتصادي يدل على طبقة مناقضة لطبقة الارستقراط أو مالكي الأراضي والذين لا يبذلون “جهدا” للعيش في مقابل الجهد الذي يبذله “العمال” في الإنتاج، ومن هنا أتت تسمية “حزب الجهد” Labour Party والمعرف عربيا بحزب العمال في بريطانيا المنافس التقليدي لحزب المحافظين المعبر عن ثقافة طبقة الارستقراط.


Workers ومعناها “العمال” وهو مصطلح سياسي واقتصادي يفرق بين الفئة من الناس التي تعمل بأجور وبين رب العمل بغض النظر عن شخصه سواء كان فرد أم مؤسسة. الإنتاج مرتبط من جهة بـ “جهد” العمال كما هو مرتبط من جهة أخرى بملكية المستثمر.


Energy ومعناها الطاقة وهو مصطلح فني تقني يعني من الناحية الاقتصادية “الجهد الصناعي” المبذول من أجل تحقيق كمية معينة من الإنتاج، والطاقة هنا يمكن أن تحل محل الطاقة محل الجهد الإنساني بفعل الاستثمار.


Unions ومعناها هنا النقابات وهي في الأساس تجمعات بشرية للعمال في نفس الاختصاص، وسبب تجمعهم الأساسي يتمثل في زيادة قوتهم خلال التفاوض أمام المستثمرين، هذا يحتم أن يتنازل لبعضهم البعض عن جزء من المنافع من أجل مصلحة مشتركة وكلما كان التجمع أكبر كانت قوته التفاوضية أمام المستثمرين أقوى.
Capitalism ومعناها الرأسمالية وهي مصطلح سياسي واقتصادي يعني التركيز على اعتماد المال وليس الجهد كمحرك للنشاط الاقتصادي.

Communism ومعناها الشيوعية وهي مصطلح سياسي واقتصادي يعني التركيز على التجمعات المولدة للجهد وليس المال كمحرك للنشاط الاقتصادي، واحيانا يطلق عليها الماركسية لتمييزها عن مذاهب الاشتراكية Socialism الأخرى.

الأول من مايو

النظرية الاقتصادية الكلاسيكية “الغبية بمقاييس اليوم” والتي سادت بعد وضع أساسيات المذهب الرأسمالي كانت تقرن غزارة الإنتاج بالوقت الذي يصرفه العمال في المؤسسة الاقتصادية.

في ظل نقص الطاقة الصناعية كان العبء الأساسي يميل بشدة إلى الجهد العضلي البشري للعمال وبذل الجهد أطول ساعات ممكنة لتحقيق غزارة في الإنتاج ومن ثم رفع قيمة الربح للاستثمار، إضافة إلى غياب القوانين الحامية للطرف الأضعف في ظل نظام لا يضع أي التزامات قانونية على الاستثمار الرأسمالي.


في مفترق تاريخي معين وهو منتصف القرن الثامن عشر تصاعد الوعي العمالي بقيمة “الجهد” الذي يبذلونه خصوصا بعد ذيوع صيت الكتابات والأفكار الماركسية في ضرورة توحيد جهودهم والمطالبة بحقوقهم. وبالرغم من الاحداث العديدة التي شهدتها الدول الصناعية في صدام مجموعات من العمال ضد أصحاب العمل ألا أن المنظمة الماركسية Second International اختارت في سنة 1899 يوما رمزيا في فصل الربيع وهو “الأول من مايو” من كل سنة ليعكس ذكرى هذه المطالب.

اختيار هذا اليوم كان له عدة أبعاد فهو أولا يوم من أيام فصل الربيع الذي لا مانع فيه من تجمع أعداد كبيرة من العمال في الأماكن المفتوحة لا بد أن نستذكر هنا أن تلك الأيام كان نقل الأفكار فيها يعتمد على اللقاءات العامة، حيث لم يكن مارك زوكربيرغ قد أسس الفيس بوك، ثانيا كان اليوم يصادف حادثة اصطدام قوات الشرطة الامريكية بجموع من العمال المتظاهرين في هايبر ماركت بمدينة شيكاغو للمطالبة بتحديد ساعات العمل يوميا بمعدل 8 ساعات فقط، وهذا توجه سياسي لتنشيط الحركة الماركسية في العالم الجديد والذي بدا يميل بشدة إلى المذهب الماركسي، وأخيرا فأن المؤتمر السادس للحركة الماركسية الدولية في سنة 1904 طالب باعتماد الأول من مايو كيوم عالمي عبر الاوطان للعمال لتكريس مبدأ البروليتاريا أو سلطة العمال والسلام العالمي.


في الواقع العملي فأن الفكر الماركسي اليوم أنهزم فعليا وتبخرت أحلام البروليتاريا وأصبح يوم “الأول من مايو” عيدا في دول كثيرة من العالم تعمل اقتصاداتها وفقا لتوازن جديد يجمع بين قوة التجمع العمالي تجاه قوة العامل الاستثماري. هناك دول رفضت تماما فكر الاتحاد العمالي أو النقابة واعتبرته جزءا من الإرث الفكري الماركسي وفرضت قيودا على أي حراك نقابي.


وبينما أفرز الصراع النقابي والاستثماري الكثير من الإيجابيات ليس فقط على مستوى معيشة العمال وانتزاع حقوقهم في الغرب ألا أن الحركة النقابية عبر العالم بدأت في الاضمحلال تدريجيا نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية كثيرة.

فالاقتصاد في الغرب بدأ يتحول من كونه اقتصاد انتاجي ليكون اقتصاد خدمات وفي النوع الأخير تنخفض الحاجة إلى تجمعات عمالية على هيئة نقابات، بينما لم تتطور الحركة النقابية في اقتصادات الشرق الأقصى نتيجة لعوامل تتعلق بالثقافة ونوعية الولاء الاجتماعي وانخفاض مستوى الوعي.

وقد ساهم توفر الطاقة الصناعية في تخفيض الحاجة للعمل العضلي للعمال مما خفض من احتجاجات الإرهاق والاعياء الناجم عن الاستغلال الجسدي للعمال وهو محرك أساسي للغضب الذي يقود إلى الثورات العمالية.


لا يعني هذا أن معاناة أو آلام العمال قد انتهت ولا حتى أن القضية الجدلية بين الحقوق والاستغلال قد ذابت، ولكن يبدو أن الحركة النقابية فقدت الكثير من فعاليتها في بيئة الاقتصاد العالمي الجديد.


اليوم يميل الاحتفال بعيد العمال إلى مفهوم “الجهد” المتسلسل من المذهب الرأسمالي وليس مفهوم العمال أو التجمع الاتحادي المشتق من الادبيات الماركسية. فهو عيد “الجهد” وليس عيد “العمال”.

مشاركة الخبر