Skip to main content
"الشحاتي" يكتب: تعليق على النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي للربع الثاني 2022
|

“الشحاتي” يكتب: تعليق على النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي للربع الثاني 2022

كتب الخبير النفطي محمد الشحاتي: تقوم إدارة البحوث والاحصاء في مصرف ليبيا المركزي النشرة الاقتصادية لتغطي بيانات نقدية واقتصادية كل ربع سنة وهي نشرة متميزة جدا حرصت على متابعتها منذ دراستي الجامعية وانتقالي إلى الحياة العملية وأنصح المهتمون بالاقتصاد الليبي أن يطلعوا عليها بانتظام لما فيها من احصائيات قيمة.

الجداول التي تحويها النشرة تغطي الحركة النقدية لمصرف ليبيا المركزي والمصارف التابعة له كما أنها تحوي بيانات اقتصادية ذات علاقة تنشرها جهات خارجة عن المصرف مثل وزارة التخطيط ومصرف ليبيا المركزي وهيئة الإحصاء والتعداد. هناك وجه تقصير واحد حيث أتمنى من الفريق في مصرف ليبيا المركزي تغطيته وهو عدم وجود ملفات أكسل مصاحبة للتقرير مما سيسهل على المهتمين والباحثين القيام بالكثير من العمليات التحليلية ويعد توفير كبير للوقت ولا أظن انه سيكلف المصرف أي تكاليف إضافية كبيرة.

سأحصر تعليقي هنا على جدولين في التقرير الأول هو الجدول رقم (1) بعنوان القاعدة النقدية والثاني هو الجدول رقم (2) بعنوان العوامل المؤثرة في القاعدة النقدية. يرجع اهتمام الاقتصاديين بهذين الجدولين لعلاقتهم الكبيرة بكيفية السيطرة على التضخم وكذلك مدى صحة الجهاز المصرفي واستقرار الاقتصاد بشكل عام.

تشير النظرية الاقتصادية إلى أن زيادة عرض النقود نتيجة عدم توظيفها استثماريا سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية في البلد ، وبينما لا توجد المعلومات كاملة في الجدولين ألا أن تحليل الاتجاهات المتسلسلة يعطي مؤشرات واضحة عن الانحرافات التي قد تؤثر على الاقتصاد بشكل عام وكذلك عن كفاءة الإدارة النقدية والمالية العامة للدولة.

كما يمكنكم المتابعة فإن الجدول رقم 1 يشير بوضوح إلى تزايد كبير في العملة لدى الجمهور من 7.6 مليار دينار في سنة 2010 إلى 30 مليار في نهاية شهر يونيو 2022. في تطور اقتصادي صحي يغطي نسبة 3% تضخم سنوي و2% زيادة في عدد السكان فأنه يفترض أن يكون المستوى في سنة 2022 يعادل 13 مليار دينار، وهذا يقل عن المستوى الحالي بمعدل 17 مليار دينار تقريبا، وهو مؤشر واضح لخروج التضخم عن السيطرة مع زيادة عدم الثقة في النظام المصرفي.

ومن خلال الرسم يمكن ملاحظة التغيير السنوي لقيمة العملة لدى الجمهور ويلاحظ الارتفاع المضطرد في السنوات 2014 إلى 2020، وهذا يرجع إلى تبني المصرف المركزي سياسة نقدية متساهلة (سعر الفائدة فيها صفر) مع عدم وجود بديل آخر وهو سعر الصرف نتيجة لتثبيته رسميا وعدم استطاعة المركزي تغطية طلبات التحويل.

في سنة 2019 إنخفض معدل التغيير بعد استخدام سياسة الرسوم على التحويلات الخارجية مما سحب جزء من النقد، التحول إلى التغيير السلبي بمعنى أن العملة لدى الجمهور بدأت تتناقص حدث في سنة 2021 ببداية تطبيق سعر الصرف الجديد حيث تم سحب 7.9 مليار من العملة لدى الجمهور لتعود إلى النظام المصرفي، و1.4 مليار دينار في النصف الأول من هذه السنة.

وكما سنلاحظ أدناه أن هذا جاء بتكلفة كبيرة على مستوى الأصول الأجنبية ألا أنه نوعا ما عامل استقرار، حتى لو كان على المدى القصير، حيث نلاحظ إن تأثير هذا العامل بدأ يتلاشى حيث أن معدل السحب الربع سنوي في سنة 1.9 مليار دينار بينما أنخفض هذه السنة إلى 0.7 مليار دينار.

هذا يثير التساؤل الحقيقي بأن استعمال سعر الصرف كسياسة نقدية للتحكم في عرض النقود هو سياسة مؤقتة لأنها في الأساس تخضع أساسا لمقاييس المضاربة من ناحية ولظروف خارجية غير ممكن السيطرة عليها من ناحية أخرى، وهذا يستدعي أن يستعد صناع السياسة النقدية لمواجهة احتمالات انتهاء أثر استعمال سعر الصرف كابح لنمو العملة لدى الجمهور.

ننتقل لمناقشة الجدول (2) والذي يعرض العوامل المؤثرة في القاعدة النقدية ونركز أولا على حركة الأصول الأجنبية، وبالرغم من الإيحاء الخادع الذي يعطيه الجدول بأن صافي الأصول الأجنبية ارتفعت من 99 مليار دينار في سنة 2020 إلى 336 مليار دينار في سنة 2021 إلا أن هذا يخفي أن هذا الارتفاع الوهمي يرجع إلى تخفيض قيمة الدينار الليبي تجاه الدولار.

هذا ما يوضحه الرسمان اللذان يتناولان مسألة الأصول الأجنبية في الجدول فبينما نلاحظ ارتفاع كبير في المنحنى الأزرق الذي مثل موجودات الأصول الأجنبية بالدينار الليبي ألا أن المنحنى البني والذي يمثل معدل هذه الموجودات بالدولار الأمريكي يستمر تقريبا في نفس المستوى بمتوسط 74 مليار دولار تقريبا، ويمكن ملاحظة أن الأصول الأجنبية وصلت إلى أعلى نقطة في شهر ابريل 2022 هذه السنة بمعادل 81 مليار دولار، ولكنها بدأت في التراجع لتنتهي في نهاية الربع الثاني إلى 78 مليار دولار.

هذا ما يعكسه الرسم الذي يبين حركة الأصول الأجنبية حيث يوضح أن أعلى سحب من الأصول الأجنبية كان في سنة 2014 بما قيمته 18 مليار دولار وكان مجموع السحب من رصيد الأصول الأجنبية مكثفا في السنوات 2014-2016 بما مجموعة 35 مليار دولار بينما ما تم سحبه في السنوات 2010-2022 وصل إلى 55 مليار دولار، تم تعويض بالإضافة بمعدل 38 مليار مما يجعل الرقم النهائي للسحب من رصيد الأصول الاجنبية 16 مليار دولار خلال السنوات 2010-2022.

ويبدو واضحاً وفقاً للأرقام المنشورة في التقرير والتي لا يوجد لها اثباتات عالمية، أن المصرف المركزي في ليبيا اعتمد سياسة الاحتفاظ بالأصول الأجنبية بغض النظر عنما سيسببه هذا على مستوى الاقتصاد الكلي بدخوله إلى الركود، قد يكون هذا مسبباً وفقاً للمفاهيم الاقتصادية الكلاسيكية عندما يتم استخدام هذه السياسة لمحاربة التضخم، ولكن واقعياً فإن هذه السياسة أدت إلى استفحال ظاهرة التضخم بشكل غير مسبوق في الاقتصاد الليبي خلال الفترة 2014-2018 حيث وصل إلى معدل 30% سنويا في بعض الحالات.

مقارنة بالجزائر مثلا فأن المصرف المركزي سحب ما يعادل 100 مليار دولار مقارنة بمستويات سنة 2014 للحفاظ على استقرار الاقتصاد والحد من التضخم وكذلك في السعودية والتي سحبت ما يقارب 150 مليار دولار في نفس الفترة تقريبا. قد يرجع السبب إلى عدم ثقة المصرف المركزي في كفاءة أجهزة الدولة في التصرف في أي مسحوبات من الاحتياطي أو عدم الثقة آنذاك في كيفية تطور الاحداث مستقبلا وهي ثقافة تم توارثها في القطاع النقدي منذ سنوات الحصار في التسعينات.

أخيراً دعونا ننظر إلى اتجاه تسلسل المستحقات على الخزينة العامة كمؤثر في القاعدة النقدية، بأخذ متوسط المستحقات للخزينة العامة للفترة 2005 إلى 2010 يتضح أن متوسط -70 مليار كان يحقق نوعا ما الاستقرار الاقتصادي للدولة نحن نتكلم هنا عن أن صافي المستحقات على الخزانة العامة تكون سالبة تجاه المصرف المركزي بنسية مئوية تصل في المتوسط إلى 50% لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

بعد تغيير سعر الصرف في 2021 يمكننا التوقع أن هذا المعدل يجب أن يرتفع إلى 170 مليار دينار ليبيا، نلاحظ من رسم إدارة المستحقات على الخزانة العامة أن العجز الحكومي السنوي مقارنة بالفترة السابقة بدأ من سنة 2013 واستمر حتى سنة 2018 ولعلنا نتذكر أن محافظ المصرف المركزي نفسه رفع العلم الأحمر آنذاك في خطاب متلفز حين أضطر أن يغطي العجز الحكومي من المركزي.

الفائض الحكومي تحقق في سنة 2018 و2019 بسبب عودة الإنتاج النفطي وفرض الرسوم على عمليات تحويل الدينار، ويمكن ملاحظة الفائض الكبير الذي تحقق للحكومة في سنة 2021 نتيجة تغيير سعر الصرف. وبينما وصل الفائض إلى 100 مليار دينار مقارنة بالسنة التي سبقته ألا أنه لم يصل إلى المستوى القياسي المطلوب للاستقرار وهو 50% من صافي الأصول الأجنبية والذي قدرناه أعلاه بمعدل 170 مليار دينار.

التطور الأسواء هو تواصل انخفاض المساهمة في تعديل هذه النسبة سنويا حسب الاتجاهات المعلن عنها في الربع الأول والثاني من سنة 2022، هذا بالطبع يرجع إلى زيادة شهية الانفاق الحكومي والذي يهدد البعد أكثر وأكثر عن المستوى المطلوب للاستقرار الاقتصادي.

مشاركة الخبر